الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عابدين وركاطة في مغامرة روائية المغرب ..مصر - محمد الغربي عمران
الساعة 09:09 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

تجربة رائعة ومغامرة تحسب للكاتبين المبدعين د.شريف عابدين والأستاذ حميد ركاطة.. أن يكتبا رواية تتجاوز المائتي صفحة.. رغم الفواصل الجغرافية الكبيرة..معتمدين على الوسائط الالكترونية في التواصل والتنسيق لهذا العمل المشوق والمثير.
 

لم تكن التجربة في التأليف الثنائي إلا تجريبا شجاعاً أفضى إلى إنتاج عمل روائي مدهش كرواية "أسرار شهريار" تتمازج فيه الأزمنة والأمكنة.. كما يتجاوز خيال الكاتبين إلى الفضاء الخارجي حين يتخذ الشيطان أحد الكوكب منطلقا لأنشطته.
 

ولا أخفي على القارئ أنني دخلت مع نفسي في رهان ومحاولة تمييز ما ألفه كل من الكاتبين في هذا العمل.. وما أروعها من لعبة .. حاولت تقفي الأساليب المتقاربة من صياغة الجمل.. إلى تكرار المفردات بعينها .. إلى أساليب الوصف.. ورسم الشخصيات .. وكذلك معالجة الأحداث.. متسلحا بما قرأته من نتاج سابق للمبدعين في المجال السردي والنقدي. إلا أني أعترف بإخفاقي . وأعترف بأن الرواية قد جاءت في بناء محكم .. وسرد متقن لذلك الصراع المتواصل والمتنامي .. وتلك للعلاقات المتصارعة بين شخصيات أسرار شهرزاد. وكأن من صاغها كاتب لا اثنين.
 

ولذلك أدعو القارئ الكريم للدخول في نفس اللعبة أثناء القراءة ومحاولة تمييز أسلوب كل كاتب.عل أحدهم يفلح ما فشلت فيه.
بداية بتلك الأحداث التي تنتمي إلى عوالم غرائبية مشوقة.. مرورا بشخصيات الرواية .. وتمازج الزمكان بشكل بهيج.

 

هذه الرواية تبدو من خلال عنوانها أنها تنتمي إلى ذلك العمل العالمي ذائع الصيت"ألف ليلة وليلة" لكنها ليست كذلك..وسأدع القارئ يكتشف أن تلك متاهة أبدعها الكاتبان وأرادا بها إيهام القارئ بذلك. مستخدمين الماضي لأسطره الحاضر وتقديمه في ثوب قشيب .. الرواية متاهة مدهشة من الخيال وجمال الفنتازيا .
 

إضافة إلى حشد من مسميات الأسطورية من شهريار وشهرزاد إلى استمكار وبهرمة وتابش افتاب وتاليا..إلخ تلك الأسماء والفضاءات التي تضيف الكثير من السحر والدهشة لترحل بالقارئ إلى حيوات متداخلة بين ماضٍ سحيق وحاضر معاصر.
إن العلاقات المتشابكة فيها من الخيال ما يشوق القارئ إلى التوغل بعيدا. وما عودة الضحايا للحياة من جديد إلا قمة الإثارة والتشويق . يعودون من رغبة في محاكمة الجلاد شهريار.ليعيش القارئ لحظات مضاعفة من الخيال.. يستعيد شهريار ذكريات ممارسة سفك الدماء ..هذه الشخصية التي عرفها القارئ في ألف ليلة وليلة بمكوناتها القوية.. تقدمها الرواية شخصية مغلوبة على أمرها.. نتيجة لقهر مورس عليه من خلال دسائس حاشية الملك والده ثم عليه وقد أصبح ملكا . لينتج ذلك كائنا منتقما .. وإن كان ذلك بمؤامرة من الحاشية عليه وعلى الشعب .

 

تحاول شهرزاد علاج شهريار بالحكي التقليدي وبعد ليال طويلة تعتقد بأنها نجحت.. ليكتشف القارئ بأن شهريار قد تحول من قتل الإناث إلى قتل الذكور..وبذلك يفشل العلاج الحكائي التقليدي. لتطور شهرزاد من أساليبها وتنتقل إلى حكي قصص الخيال العلمي.
ومن خلال تلك الأحداث يتضح لنا بأن الرواية تعالج عدة قضايا معاصرة من خلال استدعائها للماضي ..ومنها قضية العولمة والغزو الفكري وطمس الثقافات التي تمارسها في الوقت الحاضر المجتمعات ذات الاقتصاد القوي على المجتمعات المتخلفة.وكذلك الصراع بين الشعب التواق للعدالة والحرية وبين النظام أو وصفته الرواية بالحاشية التي تجاهد وتقاتل لرعاية مصالحها وامتيازاتها.
مستخدة تلك الدسائس التي عادة ما تنتشر بين أفراد حاشية الحكام وبطانته..إضافة إلى ما تعيشه تلك المجتمعات من انحلال وشذوذ.

 

كما تعالج أو تتماشى مع ما تعيشه مجتمعاتنا العربية من ثورات الربيع العربي.. حين يثور الشعب على الحاكم ..لتقوم الحاشية بقمع تلك الثورات بأساليب وحشية .
وهو ما نسميه في عصرنا الحاضر بالنظام الذي تقدمه الرواية على شكل حاشية.. فهي التي تطلق الشائعات وهي التي تشوه سمعة الحاكم الملك رأس السلطة حين تكون قد وصلت إلى طريق مسدود معه في رعاية مصالحها. وهي التي تدفع الشعب للثورة والتخلص من الحاكم.. وهي التي تصور للحاكم الجديد شهريار بأن زوجته بهرامة تعيش حياة مجون مع أحد عبيده .

 

وهي التي ترسخ قناعة شهريار أن زوجته تفضل عليه أحد عبيده.. ليتم إعدامها بتهمة إتباع ديانة مخالفة ..وهنا تستمر الحاشية أو مايسمى بالنظام في عزل الملك وإجادة رعاية مصالحها من خلال بث الشائعات والدسائس.
ليوعزوا لشهريار الانتقام من إناث الشعب رمز الخيانة .. معتقدا بأنه ينتقم لأبيه الملك .
الرواية تداخلت فيها أساليب عدة وأنساق من الحكي دافعة بتلك الأحداث نحو التنامي .. في صراع دائم ..وتلك الأحداث الموغلة في القدم والمعايشة لروح عصرنا بما فيه من تقنيات الكترونية .
هنا يجد القارئ نفسه يعيش أزمنة متعددة.. دون الشعور بالفصل بينها بل أن تلك الأزمنة والأمكنة تحمل بوعي القارئ ليترسخ ما يعيشه كشخصية معاصرة من صراع على مستوى الكوكب الأزرق.
الرواية تتحدث عن جدلية التاريخ.. وتقدم لنا عدة نظريات حول من يصنع التاريخ؟ موحية لنا بنظريات ابن خلدون وأوغسطين و فيكون إلى ماركس وهيجل..لتعيد لنا السؤال القديم الجديد: من يصنع التاريخ؟ وهل هو حلقات متطابقة يعيد نفسه بأدوات متجددة؟

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً