السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"جدائل صعدة" في مرآة ناقد - محمد مرشد محمد الكميم
الساعة 15:16 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


(إهداء:
الصديق والقارئ الحر: عبد الإله المنحمي، ربما وجدت فيك سالف أيامي).

 

شدني مقال الكاتب عبد الإله المنحمي الذي تناول فيه رواية "جدائل صعدة"* لمروان الغفوري؛ لأنه جعلني أستعيد بساطة أسلوب بعض ما قرأته لأقلام نقدية ذات نفس يساري كان همها الأول والأخير أن تكتب، نزولاً عند ما تمليه عليها أيديولوجياتها، لجمهور واسع من القراء، إلا أنها لم تتخل عن الوعي البسيط أو العميق بالانضباط المنهجي الذي نفر منه عبد الإله ونفَّر القراء، أيضاً، بأسلوبه الساخر الذي تجلى في استعماله للفظ مشحون بحمولة قدحية هو لفظ: (أكاديمي)؛ فالحمولة القدحية لهذا اللفظ تكشف عن دفاع استباقي أراد به التخلي عن أي مسؤولية تجاه ما قصر عنه في مقاله وقد يؤاخذه عليه الناقد المنهجي (الأكاديمي)، كما أنه يكشف عن رهاب من رقابة القارئ الذي يمتلك أدوات مغايرة بمقدورها أن تقول لما كتب: لا؛ ليس هكذا يكون النقد الروائي.
 

إذن؛ عبد الإله، وبدون وعي منه، يشعر القارئ أن ما قام به في مقاله ليس إلا محاولة نقدية قد لا تتوسل بالأدوات اللازمة لتحليل النصوص الروائية؛ لذا وجدنا نقده لأحد مقالات الغفوري يأخذ من مقاله عن الرواية مساحة أوسع من نقده لها؛ حتى وإن وجدناه يبرر صنيعه ذلك بقوله: "إن نقدي للمقال لم يأت إلا لإثبات انعدام الفروق بين مقالاته ورواياته؛ فهي جميعها تستند على طريقة واحدة في الكتابة، وهذه الطريقة هي طريقة استعراض الزاد المعرفي الذي يُقحم إقحاماً دون توظيف واع". ولكنه، للأسف، أغفل أن السياقات والتلقيات والتوظيفات تختلف باختلاف الجنس أو النوع الكتابي؛ ولذا أرى أنه لا ينبغي له أن يعاين الاستعمالات المتشابهة للطرائق بمنظار واحد حين ينقد نصوصاً مختلفة من الكتابات الأدبية أو غير الأدبية.
 

أردت بما سبق أن ألفت عنايته إلى كيفية من الكيفيات التي يشتغل بها النقد المنهجي (الأكاديمي) الذي نفر ونفَّر منه، ولا يعني، أبداً، أنني أدافع عن رواية مروان الغفوري التي أتفق مع الناقد في بعض ما طرح من نقاط حولها وأختلف معه في أخرى أجملها في الآتي:
- إن كنت أتفق مع عبد الإله في أن القيمة الفنية للرواية خفتت بفعل تقريرية طرح الروائي لأفكار الرواية التي تزداد قيمتها الفنية كلما ذاب الموضوع في السرد، إلا أنني سأختلف معه حول استثمار الغفوري لتقنية الرسائل في بناء الرواية وأحداثها؛ فهذه التقنية التي رأى المنحمي أنها تخرج العمل من جنس الرواية وتدخله في سياق أدب الرسائل أو أي جنس أو نوع أدبي آخر غير الرواية، تعد واحدة من التقنيات التي فتحت باباً لمسار جديد في الرواية سمي بـ(الرواية الرسائلية)، ولعله قرأ رواية: "آلام فرتر" لجوته أو رواية "قواعد العشق الأربعون" لشافاق.

 

- إن ما أخذ على الروائي في هذا الجانب يحسب على الناقد وليس له؛ لأن جدوى نقده كانت ستتحقق فيما لو حاسب الروائي على مدى وعيه بكيف تكتب رواية رسائلية تعتمد على الفضاء الإلكتروني وليس الورقي؛ فلو عقد مقارنة بين استثمار الغفوري للرسائل الإلكترونية واستثمار "شافاق" لها، لوجد فارقاً في الوعي بينهما؛ فـ"ـالغفوري" في جدائله يطيل رسائله الإلكترونية ويأتي بها مبنية على طرائق الرسائل الورقية، بينما نجد "شافاق" تعي كيف يتم تبادل الرسائل في الفضاءات الإلكترونية؛ لذا وجدنا الرسائل في روايتها قصيرة وتتناسب مع الوسيط الإلكتروني وسياقاته.
 

- أما عن تكراره اسم "إيمان" في الرواية، فلا يمكن أن يؤاخذ أي نص أدبي بـ"ـاستسخاف" التكرار فيه دون تعليل. ولو أنه بحث عن وظيفة التكرار، لوجد أنه ناتج عن تبنيه لأسلوب السرد الغنائي الذي يحتفي بالتكرارات والتماثلات أكثر مما يحتفي بالاختلافات؛ لأن شعرية هذا النوع من السرود تتولد من كثافة التكرار والتماثل، ولكن حين يحاسب الروائي حساباً دقيقاً تجده قاصر الوعي بهذا النوع من أساليب السرد؛ الأمر الذي دفعه، دون وعي منه، إلى المزاوجة بين تقريرية الأسلوب الدرامي وشعرية الأسلوب الغنائي، مع أن الرؤية الأيديولوجية الواحدة التي تحكم مسار الرواية وطبيعة الرسائل الودية تلزمانه بالسعي إلى تجنب أساليب السرد الدرامي الذي تتفاقم فيه الصراعات بين الأفكار والرؤى والأيديولوجيات التي تفرض على الرواية الميل إلى اللغة التقريرية.
 

- الذي كنت أتمنى ألا يقع فيه عبد الإله هو: معالجته لمواطن في الرواية بأدوات نقد الشعر، وخاصة الجزئية الأخيرة التي حاول بها رد بعض من الاعتبار للرواية والروائي؛ فلو تأنى قليلاً لما وجد نفسه يجتزئ جملاً منها ويطلق عليها الحكم بالجمال؛ لأن لغتها، كما فهمت، محلقة وشعرية؛ فالنصوص الروائية لا تقرأ مجزأة ولا مقطعة الأوصال كما فعل، وإنما يجب أن يحلل الجزء في علاقته بسياقاته الكلية والمجاورة. ويؤسفني أن أقول له: إنك، وفق نقدك لهذه الجزئية، تجعلني أستشعر أنك تقرأ النصوص الروائية بأجهزة تلقي الشعر، وهذا يعد خلالاً في آليات القراءة وأجهزة التلقي التي يجب عليك تنظيمها والفصل فيما بينها، إلا إذا كنت تنطلق، بوعي، من أرضية القائلين بوحدة الأجناس، ولا أظن مقالك يكشف عن هذا المنطلق. 
 

- إن النقطة الآنفة تقودني إلى تنبيه عبد الإله إلى بعض ما كان يجب عليه ممارسته عند قراءته للرواية وفي أثناء كتابته للمقال؛ فقراءة الرواية تحتاج إلى تفحص التفاصيل الدقيقة ومتابعتها وتخزينها في الذاكرة؛ لأن نسيانها يفوت على القارئ ما قد يقع فيه الروائي من خلل في بناء روايته. ولو أنه تابع رسم شخصية "إيمان" التي اتخذ منها الروائي نموذجاً لصورة المرأة الصعداوية، لوقف على وصف للثامها وهي على السيارة في طريقها إلى صنعاء يخالف ما جاء به من وصف للثامها وللثام المرأة الصعداوية قبل ركوبها السيارة التي ستقلها لأول مرة إلى صنعاء**. وإدراك مثل هذا الخلل كفيل بزعزعة الثقة في قدرات صاحب الرواية وفي وعيه بتقنيات كتابتها.
 

- كما أن الالتفات إلى اللغة التي كتبت بها الرسائل المتبادلة، كان بمقدوره أن يثمن للقارئ الرواية من حيث قيمتها الفنية؛ لأنه سيكتشف أن كل ما جاء في رسم شخصية "إيمان" لا يؤهلها لأن تكتب رسائل بتلك اللغة أو بذلك الوعي، كما أنه لا يجعل القارئ يقتنع بما وصلت إليه البطلة من تحول عن أو رفض لثقافة المجتمع الذي كانت تعيش فيه.
 

- أما لو تم تأمل الصراع الموجود في الرواية، فسيجد القارئ أو الناقد أن الطرف الثاني لم يُقدم للقارئ من خلال صوت مستقل وخاص به هو، ولكنه قُدم من خلال الطرف الأول. وهذا يجعلنا أمام رؤية واحدة تكتنف الرواية التي جاء فيها كل ما يتعلق بالأصوات المتصارعة منقولا إلينا من وجهة نظر "إيمان" التي تعد أحد أطراف الصراع في الرواية. ومثل هذا النقل لا بد أن يحتم على الأصوات الموجودة أن تخضع لتعديلات تفرضها رؤية "إيمان" التي تتماثل مع رؤية من تراسله؛ ولذا قلنا: إن الرؤية في الرواية واحدة، رغم تعدد الأصوات.
 

- وفي الختام؛ إن أراد الناقد أو القارئ أن يبحث عما يحسب للرواية قي المضمون ويغادر الذي لم يجده لها في الشكل، فلن يجد أدنى إلى النفس من القول بأنها تندرج ضمن أدب الرفض والمقاومة، رفض ومقاومة لتكتل ديني ينجلي للقارئ، بوضوح، عند القراءة العابرة للرواية، إلا أنها تضمر أيديوجيا أو اعتقادا مضادا يحمله الطرف الرافض أو المقاوم من داخل الرواية أو من خارجها، وهذا يجعلنا نقول، تجوزاً: إننا أمام رواية مؤدلجة أو ملتزمة. ومثل هذه الروايات لا يتوقع لها أن تدوم؛ لأنها كتبت لغايات مرحلية تجعلها تستنفد قيمتها بمجرد انتهاء تلك المرحلة، ولو أن كاتبها حرف مسارها الرافض والمقاوم إلى المسار التنويري الذي ظهر في مواطن قليلة من الرواية، لكان لها أن تسهم في تحميل القارئ، والقارئ اليمني بالذات، قيماً إيجابية مغايرة لقيم الحقد والعداء والكراهية التي عجت بها الرواية؛ فإذا كنت، وكثيرا غيري، مع ما يأتي به الروائي في مقالاته من رفض ومقاومة لمن وما له يد في أخذ يمننا بالقوة والإكراه وسلب مجتمعنا جمهوريته وسلطته وحريته وحقوقه بل وحياته كلها، فنحن لسنا معه ومع روايته في تحميل فصيل ديني أو سياسي بعينه مسؤولية بعض او كل ما سلب منا أو سيسلب منا بعد صدور روايته؛ لأن الكل كان مسهماً في وصولنا إلى الحال التي وصلنا إليها، حتى وإن تفاوتت النسب.
 

- * تجدون مقال المنحمي في التعليق الثالث.
** لم تكن الرواية بين يدي حين كتابة المقال، وقد اعتمدت على ما علق في ذاكرتي منها؛ لذا لا أملك إلا شكر القارئ على ثقته بي إلى أن أوافيه بالنصوص التي ستعينه على فهم أعمق أو بأرقام الصفحات التي ستسهل عليه التأكد من مصداقية ما طرحناه.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً