الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
بنات علي السباعي في ...(بنات الخائبات) - يوسف عبود جويعد
الساعة 13:57 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

( بنات الخائبات ) للقاص علي السباعي , قصتان قصيرتان , ضمتا بين دفتي كتاب , ويمتاز القاص بكونه رغم التزامه التام بادوات السرد في صناعة القصة القصيرة , الزمان , المكان , الشكل , المضمون , الحدث , الشخوص , الثيمة , واستخدامها بشكل متقن ووفق السياق الفني المطلوب , الا أنه يجعل من فضاء النص نقطة انطلاق مضافة اليها , ومنتمي اليها , ليستعرض فيها ما يمكن الاستفادة منه في تقوية النص وشده وزيادة تماسكه , من خلال المعلومات التاريخية , والحضارية , والشخصيات البارزة والمهمة والتي هي من ضمن وقائع الحدث , ومعالم الامكنة والازمنة , التي مرت بها البنية النصية , والتي تعتبر جزء مكمل لها , وهو بهذا يغطي مساحة اوسع في حركة السرد ضمن مبنى النص , ويعطي لمخيلته السردية الحق للخروج من الاطار الضيق للتناول السردي نحو افق اوسع ومساحة اكثر استيعاب تكون قابلة لاكبر كم من المعلومات التي يحتاجها الحدث النصي , وتحتاجها الثيمة , وفي القصة القصيرة الاولى (فرائس بثياب الفرح) يستعرض لنا من خلال سيرة حياته وحياة اجداده , والتي تأتي ضمن سيرة تاريخ مدينته التي يحبها (الناصرية) وما حدث لها وفيها من احداث بارزة ومهمة , وهو يحيلها الى حالة دلالية ورمزية تتمثل بفتاة عصية قوية , ولايمكن اغوائها وفض بكارتها , وانها واحدة من المدن الجنوبية في العراق , والذي يطلق على ابنائها (ابناء الخائبة) وعلى بناتها ايضاً (بنات الخائبة) والخائبة هي تلك المرأة (الام) التي لم تنل حظها من الحياة , ولم تستطيع اخذ حقوقها كأمرأة لها حقوق وعليها واجبات (...استشفائياً مثلتُ بين يدي عتودة (*) .. الذي فقد ذكورته بسبب مكيدة دبرتها له ونفذتها فتاة حرة نصبتْ نفسها ليلة زفافها قاضياً وجلاداً وضحية , ضحتْ بحياتها من اجل بقية فتيات مدينتها العذراوات , جلبوها له , طلبت منه بشوق :" مولاي عتودة عندي أمنية آمل أن تحققها لي "اجابها" أطلبي ما تشائين " .

 

قالت دون تردد : "أقبل حيوانك الأسود الجميل قبيل فضك لبكارتي " انتشى ضاحكاً وأظهر عربيده الأسود شرساً مهيباً كهراوة , فما كان منها إلا وأطبقت عليه بكل أسنانها , جاءت عضتها مباشرة فوق العصب الناقل لحركة حيوانه , لأثر عضتها أصبح عتودة عاجزاً جنسياً) ص13 (* عتودة خادم أبرهة الحبشي لشدة وفائه لسيده أبرهة الحبشي طلب من سيده ومولاه أن يمنحه شرف فض بكارة كل عذراء ليلة زفافها فوافق ابرهة على طلب خادمه المطيع عتودة ) ولم يكتف القاص بزج تلك المعلومات التراثية والتاريخية ضمن مبنى النص , بل انه وظف ايضاً معلومات علمية تخدم مسار الحركة السردية للحدث , كما لحكاية عتودة رمزها الكبير والذي يشير الى ان عتودة لا زال شاهراً حيوانه يريد فض البكارة , فأن العلم داخل هذا النص يقول ومن خلال برنامج العلم للجميع ذائع الصيت وبصوت كامل الدباغ (ستحل علينا الألفية الثالثة وعلماؤنا يؤكدون بأن قرننا الحادي والعشرين سيكون قرن : قرن الجينات او التقنية الجينية , قرن الهندسة الوراثية . سأكون أول المسهمين في تحسين مشروع الجينوم البشري , وسأسهم في جسر يعبر عليه ابنائي نحو الارتقاء والتطور . مثلما لكل عصر او قرن ميزاته , فالقرن الثامن عشر كان قرن بخار , والتاسع عشر قرن الكهرباء والعشرون الذرة ,اماالحادي والعشرون سيكون قرن صراصير عتودة) وهكذا نكتشف ومن خلال تلك التراكيب الفنية المتقنة بين التراث والعلم والتداعيات وتاريخ هذه المدينة الاصيلة والمورث الديني المهم بالاشارة الى راس الحسين وهو مرفوع على الرمح , أن هذا النص استطاع ان يستوعب هذا الكم من المعلومات الثرة , لأظهار الثيمة التي يبغي القاص ايصالها للمتلقي , اذ ان صراصير عتودة لازالت تصول وتجول من اجل تخريب البلاد , ومدينة الناصرية , عصية وقوية ولا يستطيع احد فض بكارتها , نحت القصة الثانية والاخيرة(سيوف خشبية) منحاً مختلفاً , اذ انها تناولت في ثيمتها , الشيطان وما فعله بالعلم في استعراض كبير وسريع لاحداث جرت في العالم كان سببها ابليس , اما المحور الرئيس فكانت علاقة جنسانية روحية بين بطل هذا النص وغانية , وصراع كبير بين اهمية المرأة والرجل , اما بنية العنونة فهي لاتعني السيوف الخشبية , كما يتبادر الى ذهن المتلقي وهو يتأملها , ولكنها تعني فحولة الرجل (قضيبه) , ( ادهشني عريُها واصابتني رعشة نشوة مدوخة .سعدت , همست بعذوبة وهي تبعد بيدها الخمرية البضة اللدنة سيفي الاسمر: 
 

- أنزل سيفك ) ص32 
ثم نعيش مع تلك الغانية التي تعشق ممارسة (الجنس) لانه جزء من تركيبة المرأة , وكذلك حب الرجل لهذا الجانب , ودور ابليس في اغواء العالم , اما المسار الاصل , والحدث الاول الذي يشكل اطار النص , هو علاقة بطل النص مع تلك الخائنة وقتلها , وهو يمثل في ذلك ابليس الذي يغويهن ثم يقتلهن (نزلت رؤوسهن بتثاقل رعباً , التقطت رأس الداعرة ورحت اعض انفها بوحشية : خائنة جاءت نظراتي على تمثال الحبوبي فأدار وجهه البرونزي مشمئزاً من فعلي )ص 42 , وهكذا فأن هذا النص صراع متداخل بين ابليس والرجل والمرأة , وإشارة واضحة الى ان سيوفنا خشبية , ولا تؤدي دورها , ("ابليس" غادرني مرتفعاً رافقه هبوب رياح مغوية ذكرتني عندما وسوست في صدر المنصور *)ص45 (* اراد المنصور التخلص من عمه عبد الله بن علي وهو معتقل فأوعز الى احد اتباعه ان يدبر طريقه لذلك فدخل على عبد الله ومعه جارية . فبدأ به وخنقه حتى مات والجارية تنظر.

 

ومده على الفراش ثم اخذ بالجارية يخنقها فقالت : يا عبد الله قتلة غير هذه . فكان هذا الجلاد يقول : ما رحمت احداً قتلته غيرها فصرفت وجهي عنها وأمرت بها فخنقت ووضعت معه على الفراش وادخلت يدها تحت جنبه ويده تحت جنبها كالمتعانقين ثم امرت بالبيت فهدم عليهما . ثم احضرنا القاضي ابن علام وغيره فنظروا الى عبد الله والجارية متعانقين على تلك الحالة ليشهدوا انهما ماتا تحت انقاض الدار عندما كانا متضاجعين ) ونكتشف من خلال تلك الحكاية المستمدة من الموروث الشعبي , ثيمة هذا النص , الذي ضم كم كبير من المعلومات المهمة التي تخدم مسيرة الحركة السردية وتكون حالة مكملة ومهمة من ضمن المبنى السردي , ونجد ان دور ابليس كبير لاغواء بني آدم ودفعهم الى الخطيئة , 
 

(بنات الخائبات ) لعلي السباعي , انجاز ادبي مهم , يؤكد ان المساحة السردية للنص يمكن ان تستغل بشكل اعمق وادق واكبر , وانها تستطيع احتواء كل ما من شأنه ان يدخل ضمن النص ويكون جزء منه , وان الجهد الفكري والفني واضح جداً ضمن سياق النص , اضافة الى الثيمة الكبيرة والمهمة , والتي تضمر في انساقها , الخطاب الانساني , الخطاب الحضاري , الخطاب الادبي , وكذلك الانساق الثقافية المضمرة , وهو عمل يستحق الوقوف امامه وتأمله ملياً .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً