الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
حين يكتب السينمائيّ - هيثم حسين
الساعة 12:52 (الرأي برس - أدب وثقافة)


تبقى الكلمة المكتوبة وسيلة السينمائيّ الذي يتقمّص دور الكاتب، ويسعى لإخراج كتابه بصيغته السينمائيّة، وكأنّه يقوم بإخراج عمل مصوّر له، يزاوج بين المشهد المصوّر والمكتوب.
 

ما الذي يدفع مخرجين احترفوا صناعة السينما والدراما إلى عالم الكتابة؟ ألا تكفي أعمالهم السينمائية والدرامية للتعبير عنهم أم أنّ الرغبة في التعبير عن الذات من خلال الكلمات هي التي تستوطن كيانهم وتدفعهم إلى خوض غمار الكتابة؟ ألا يكون السينمائيّ في صراع الصورة والمشهد والكلمة حين يدوّن حكاياته ويفصح عمّا يعترك في وجدانه؟ ألا تكون الكتابة بالنسبة لهم وسيلة للتغلّب على الخوف بصيغة ما؟

لجأ الكثير من المخرجين إلى الكتابة لتكون ميداناً آخر من ميادين تعبيرهم عن ذواتهم وأحلامهم وخيالاتهم، ومن هؤلاء مثلاً المخرج الفرنسيّ جان رينوار (1894- 1979) الذي كان يعبّر عن خوفه من تلقّي الضربات وكان يجد من المريح جدّاً له، إرسال الممثلين إلى العراك، من المكان الذي هو فيه كمخرج.

تخلّى عن خوفه وحذره حين كتب مذكراته “حياتي وأفلامي”، وأكّد أنه سعى طوال حياته إلى صنع أفلام المؤلف، لا عن غرور منه، بل لأن الله وهبه توقاً إلى تحديد هويته والتعبير عنها أمام الجمهور، كما أكّد أن ما يعجبه في نزعة الظهور لدى المؤلف هو أنه لا يظهر ذاته جسدياً، وأنّ المؤلّف يختفي بتواضع خلف الأبطال الذين يبثّون الحياة في نتاجاته.

المخرج الياباني أكيرا كوروساوا (1910 – 1998) تأثر برينوار ومذكراته فكتب كتابه السيريّ “عرق الضفدع” الذي وثّق فيه محطات من تاريخ بلاده أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها وصولأً إلى الحرب العالمية الثانية وما تلاها من فجائع عقب الاحتلال الأميركي لليابان (1945 – 1952)، وذلك في سياق تأريخه السينمائي، وتدوينه سيرته التي يوردها في إطار توثيقي درامي موسع.

يتذكر كوروساوا كلمات أحد معلّميه بأنّ الذي يريد أن يصبح مخرجاً عليه أن يتعلم كتابة السيناريو أولاً. ويتحدث عن مغامرته الإخراجية الأولى، والمشاعر التي كانت تجتاحه حينها، وكيف أن عمله كان يقدم له السعادة، ويؤكد أنه حين عمل كمخرج تفتحت عيناه فجأة، ورأى ما لا يمكن أن يراه في أثناء عمله كمساعد مخرج، وأحسّ بالفارق، بين أن تخلق ما هو خاص بك وبين أن تساعد أحداً ما، خاصة إذا كان هذا المرء يصور سيناريو خاصاً به، لأن لا أحد يفهمه جيداً مثل كاتبه.

كما يؤكد أنه موجود مع أبطال أفلامه بكامله، وأنه يجد صعوبة في أن يكون صريحاً حتى النهاية، وأنه عندما يعرض المرء ما يكتبه على الآخرين فإنهم يستخفون برسم صورة حقيقية له. كما يدون أنه لا شيء في العالم إطلاقاً يمكن أن يكشف المبدع مثل إبداعاته نفسها.

يتعلّق الأمر بتعدّد أساليب الإبداع، وتبقى الكلمة المكتوبة وسيلة السينمائيّ الذي يتقمّص دور الكاتب، ويسعى لإخراج كتابه بصيغته السينمائيّة، وكأنّه يقوم بإخراج عمل مصوّر له، يزاوج بين المشهد المصوّر والمكتوب، وتكون الكلمة مفتاحه إلى عالم يكون نتاج العمل السينمائيّ المتراكم والعشق الفنّيّ للتأليف والخلق والإبداع.


كاتب سوري

منقول من صحيفة العرب ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً