الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ايقاعات الزمن الراقص
رقص على اوجاع الجسد - اياد خضير
الساعة 13:38 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


                         
المجموعة القصصية ايقاعات الزمن الراقص للقاص علي السباعي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب دمشق عام 2002استطاع القاص السباعي أن يوصل ما تحمله مخيلته من الأفكار الى المتلقي عبر سرد قصصي متماسك، تمتاز لغة النصوص بثنائية القص الشاعرية في حالة سردية تمتزج بين البساطة والتكثيف بين المباشرة والغير مباشرة باستخدامه لبعض الشخوص التاريخية ومقارنتها بالحاضر المعاش، تحمل الوجع العراقي من خلال شخصياتها المعذبة، المهانه كرامتها، تحتوي على كل فصائل المجتمع، من اشخاص بسطاء ومثقفين، نساء، رجال، اطفال، جسد السباعي معاناتهم وعذاباتهم وألمهم، وهي صرخة بوجه الحكام المستبدين في مرحلة مهمة من تاريخ العراق، الحكم الدكتاتوري الصدامي الذي سلب الارواح من الجوع والحرمان وكان مصيرالبعض منهم الموت في حرب الثمان سنوات، وفي فترة الحصار الجائر.        

 

الشخوص شهرزاد : استذكار الموروث الشعبي والاساطير شهرزاد المرأة التي استطاعت أن تنقذ بنات جلدها من بطش الملك شهريار الذي كان يتزوج كل ليلة من فتاة عذراء وعند الفجر يقتلها، فكانت مثال للصبر والشجاعة والتفاني والحكمة (( بين أضلاع صدري جياد قوية، تسابق بعضها للفوز بنظرة في عينيك الساحرتين )) قصة "طائر الهزار"، من القصص الشعبية وصف عيون حبيبته شهرزاد في غزل رقيق قائلاً : (( انها عيناك ياغالية، وقوامك الممشوق وخالك البديع ... تقاطعه بحدة: ما هذا الكلام ياطئري الصغير؟ اخترقته سهام عينيها السوداوين ))
 

غاندي : في "قصة قطار اسمه غاندي"، صاحب الرسالة السامية، الإنسانية، الصبر، الحكمة، التواضع كلها صفات يتمتع بها غاندي ((أتعلم أن الوجع الذي يسكنك منذ زمن بعيد، تستطيع طرده بتنهدات متقطعة لكنها عميقة.. عمق روحك؟‏ )) صراع الانسان لا ينتهي طالما الالام قائمة والاوجاع مستمرة، يبقى الصراع ابدي يخرج على شكل مارد يخاطب الملك غاندي (( انا المارد... انا المك ياغاندي ... ساجعلك تتخلص من كل وجعك ووساوسك بسهولة )) استطاع السباعي ان يصف الم غاندي على شكل قطار يجر وراءه مقطورات من الوجع المزمن فوق سكة الخيبة التي بداخله.
 

هارون الرشيد : قصة " الخيول المتعبة لم تصل بعد " هارون الخليفة الذي عذب الكثير في سجونه المظلمة فكان رمزاً للشر.(( لان هواء الدنيا يزكم انفي لما فيه من نتانه )) 
(( نعم ! تغير هارون ، ظهر بدلاً عنه ملايين الرجال الذين يدعون ب هارون )) 
(( شحاذ ..ايها الوغد ..ايها الحاجب خذه وأطح برأسه )) 
يوحي لنا بأن القاص علي السباعي له القدرة العالية على السرد والحبكة القوية التي تشع في قصصه تبعث التأمل ومواصلة القراءة والتلذذ بما يجود به من نص رائع للمتلقي. 

 

ثورة الزنوج : في قصة " إيقاعات الزمن الراقص " التي دامت نحو أربعَ عشرة سنه كان سببها الرئيسي ما كان يعانيه الزنوج من الفقر والحرمان والبؤس (( اوه.. مازال الدكتور يلعلع بحماس: التاريخ المعاصر للعالم أصبح الصراع بين القديم والجديد، البداوة والتكنولوجيا اللامألوف والمألوف ولم يتبدل الوضع الا بالحرب التكنولوجية )) الحياة الصاخبة بآلامها وبفرحها فأنها لا تدوم يبقى ذكر الانسان السوي صاحب الاخلاق والطيبة (( عمرنا قصير، ولن نعيش طويلاً، لهذا انتم التاريخ المتجدد بأجيالكم المقبلة وجيلكم سيدمر النظام الدولي الجديد ))  انهيار الدول الاشتراكية، الصراع بين الماركسية واللبرالية، الماركسية المدافعة عن حقوق الفقراء والكادحين واللبرالية أم الحريات مبدأ (( دعه يعمل.. دعه يمر)).. ((غالباً ما تكون الحرية ..لاتعني الحصول على ما يرغبه المرء، أنما تعني عزم المرء على أن يريد من خلال ذاته .. سارتر)) (( أنهار التوازن والعالم يرقص على إيقاعات انهيار دقائق ساعة البلدان النامية )) قصة إيقاعات الزمن الراقص رقص على اوجاع الجسد.
 

جاءت قصص السباعي تجسيداً لهذا الواقع المرير تحاكي الفقر وأوجاعه وتبعث الأمل بإزالة تلك التراكمات (( شيء لا يصدق ان تجد نفسك تحدث حماراً مسكيناً )).. ((تستطيع صنع قدرك بالإرادة )) قصة "هكذا وجدت نفسي"
 

السباعي قاص متمكن امتلأ أدبه بالكتابة عن النظام الدكتاتوري البغيض مستعملاً الرمزية مرة ومرة أخرى الموروث الشعبي وأخرى استحضار الرموز التاريخية وضحى براحته في الكتابة عن الظلم والفساد سائراً على نهج الكثير من الكتاب، لان المثقف احد أدوات التأثير الفعالة في النشاط الجمعي لفئات الشعب المختلفة كما أن غوغول امتلأ أدبه بنصرة الخير والدفاع عن المظلومين في المجتمع القيصري، الذين كانوا يعانون المهانة والإذلال تحت أقدام الطغاة من المساكين، وهناك الكثير من الكتاب لا يسعني ان أتطرق إليهم ساروا على هذا النهج أذكر منهم نجيب محفوظ جسد في اغلب قصصه ورواياته معاناة الشعب المصري .
 

تطرق السباعي في قصصه، الحصار الذي فتك بالعوائل العراقية وأثره السلبي على الإنسان لعدم قدرة البعض على التحمل، فكان الحصار الجارف لكل ما هو جميل (( أرغفة الخبز تصدق بها احد الميسورين من جيراننا وكان ما أكله آخر رغيف يا دكتور))  "قصة آخر رغيف."
 

(( لقد زوجني أهلي عنوة وأنا بعد بنت في الرابعة عشرة من عمري لشخص يدعي بأنه تاجر ! أنجبت له خمس بنات باعهن زوجي لأحد بيوت الدعارة هه ..لقد كان : قواداً)) قصة "عرس في مقبرة". 
القصة الواعية المبدعة نتاج قاص واع ٍ مبدع، لان الوعي والإبداع يفتح للخيال نوافذ جديدة وعوالم جديدة تفجر موقفاً سياسياً واجتماعياً ونفسياً وعاطفياً..

 

أثناء تجوال حارس المقبرة، شاهد امرأة في ثياب العرس، فيحدث جدال بينهما، استطاع السباعي يعطي أضاءة للغياب والصحو لتكون واقعاً كما الحلم، (( كنت أحسب انني اعيش في عزلة موحشة كل مافي ينتمي الى الماضي حتى انفاسنا فأنها تصدر عن الوحده المتفرد بداخلي )) العرس في قصص السباعي يختلف عن ما هو مألوف فهو في المقبرة بحضور جميع الموتى (( تعال شاركني فرحتي في زفافنا أجلس بجانبي تشاهد جميع الموتى قد حضروا عرسنا وهم يغنون، يرقصون ويصفقون لنا )) قصة "عرس في مقبرة "(( حفاة مجانين بائسون، متسولون يطلبون الصدقات من المارة في معبد الشمس ))
 

 قصة المدينة " قصة كلب."
حتى الكلاب لم تسلم من الحصار (( كلب أحمر ذو ذراع مقطوع، جاثماً يحاول التهام عظمة، عيناه حمراوان تدمعان جوعاً سقط في محاولته قضم العظمة )) ان الجهد الفردي يتوضح من خلال التجربة الذاتية والمعرفة لا تكون الا من خلال التجربة، بمعنى ان استحصال معرفة صحيحة لا تتأتى الا بعد تحليل صائب لتجربة ذاتية قائمة، فقدرة السباعي على أغتراف نصوصه من الواقع بعد خضوعها لتأثير الذات والذاكرة وخزينهما لا يمكن ان تكون واحدة لدى كل المبدعين تبعاً للتفاوت في التجربة الحياتية، الثقافة، المناخ الاجتماعي النفسي، تتفاوت من قاص الى آخر.. تبقى ابداعات السباعي تتغنى بها الأجيال .

 

أخيراً الحياة هي قطار وأن كنا نعرف نقطة انطلاقه، فنحن لا نعرف ولا نعرف ابداً نهاية رحلته، ومحطته الأخيرة، لكن الى أين؟ هذا هو السؤال الذي طرقه انكيدو في ملحمة كلكامش لكنه لم يجد أي جواب له ! 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً