الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
“أتعثر في الغيمة فتبكي” لجمال الموساوي واقع برائحة الخيبة - عبدالله المتقي
الساعة 10:12 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


استهلال أول
” أتعثر في الغيمة فتبكي ” هو الديوان الرابع  بعد  ” كتاب الظل “2001   الحاصل على جائزة بيت الشعر،  المغربي  للشاعر جمال الموساوي ، والصادر عن دار ابي رقراق بدعم من وزارة الثقافة ، ” مدين للصدفة ” 2007 حدائق لم يشعلها أحد ” . 2011…هو ديوان  يقع في 100 صفحة،يتضمن 46 قصيدة  قصيرة، كتبت نشرت جميعها عام 2014 مباشرة على الجدار الخاص في الفيس بوك ، عدا 5 نصوص، تم  نشرها في عديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية والعربية. قصائد تحتمي بالألم واللغة والحلم ، وهي تيمات متداولة بقوة  أكثر من غيرها ، تفاعلت في ثنايا قصائد الديوان لتخلق شعرا بنكهة خاصة ، وبطاقة تخييلية أعمق وأوسع مؤكدة على  أن الشعر إبداع وليس إعادة إنتاج ، وهذا ليس بجديد على شاعر له  نكهته الخاصة في التجربة  الإبداعية الشعرية .
 

 

هذا الألم
حفل ديوان الشعر العربي قديما وحديثا بالألم أضعاف أضعاف احتفاله بالفرح ، وكأن قدر الشاعر العربي أن يكون بروميتيوسيا على الدوام ، وضعية حارقة أنتجها  واقع سياسي واجتماعي محبط ، واضمحلال حضاري مقرف ، كان من إفرازاته جيل تتعانق لدى شعرائه الإحباطات والفراشات ، اليأس والأمل ، التوافق والتخالف ، والشاعر جمال الموساوي نموذج لشعراء هذا الجيل  الذي تثقله المعاناة التي تتعدى النزيف ، والمكابدات السيزيفية  ، والمقبل على قصائد ” أتعثر في الغيمة فتبكي ” يحصل على حضور ملفت لهذا الألم بتجلياته ومعانيه وفضاءاته .
 

قصيدة ” دار السلام ” ترسم مسارا عميقا لهذا الألم الذي تتسبب فيه  الحرب بأصواتها الكافكاوية ، وساديتها العسكرية ، وبضحاياها الأبرياء .
” أسمع هديرا
الأوغاد يعبرون الجبهة ،
والعزل يتقاطرون على الملجأ “

 

هذا المشاهد التراجيدية لم يعد لها متسع في فضاء قلب الشاعر لأنها كوارثها ومآسيها  أكبر من حجمه :
 ” هذا القلب الضيق
لم يعد قادرا على احتواء الألم
لم يعد قادرا على إبقائه خارجا  ” ص 8
لكن ريثما يقفل الشاعر قصيدته  بفتح أبواب ونوافذ دار قلبه على مصراعيها لحياة أخرى بديلة وبلغة أخرى سلمية ورحيمة  ، بديلا  عن ثقافة الموت والتشريد العارية والحافية من أي إحساس إنساني  :
” هذا القلب الضيق _ هيا ادخلوا _
دار للسلام “
وفي سياق تفاقم هذا الألم نقرأ في  قصيدة ” المرآة :
” لم تنتبه النجوم
إلى الشاعر وهي تغادر
لم تنتبه
له وهو يقضم أصابعه ” 16
النموذج أعلاه ، يؤسس لبروميتيوسية عنيفة تؤشر عليها ” يقضم أصايعه” ، حيث ترغم القصيدة القلقة الشاعر على الإذعان ليأكل منه برحابة وألم  كاستشهاد حارق يجسد مكابدة الشاعر من أجل قصيدة تواجه الأوغاد والغربان بجمال مجازي وغاية في الجمال .

 

 

هذه اللغة
   يصور الشاعر  في نصوصه علاقته الحميمية باللغة ، ليؤسس بذلك عشقه اللعبي ، مما يحفز على القول بأن الشاعر يلاعب اللغة بشغب  الشعراء المحترفين :
” ألهو باللغة
كما يلهو طفل بشفة والده” ص 9
فعبر هذا اللعب مع اللغة يتأسس فعل الكتابة ، وهذا من شأنه الدخول في علاقة اندغامية واستلذاذية باللغة من أجل القبض على أسرارها المنفلتة والماكرة  ، بعيدا عن كل  معيارية ، قد تدخل الكتابة في ثلاجة باردة ،  لأن اللغة بعامة وحسب الناقد المغربي رشيد يحياوي  ” تخلق خلقا جديدا حين تدخل الشعر” ، هكذا يبدو جمال الموساوي مشغولا بالحديث عن لغته ، وهو في هذا اللهو دائم الحديث عن لغته ، وهو بمعنى آخر يعيش حالة قلق لغوي ، حتى انه يعاني من الأرق  مع هذه اللغة الماكرة المتعبة والمحيرة   :
” لم يرف له جفن
وأنهكه كيس اللغة الذي في رصيده ” ص 17
وفي قصيدة ” سأجمع كل هؤلاء ”  ، يطرح مأزق الكتابة ، مضمنا إياه وعيه بهذه اللغة ، وهو في نهاية المطاف اشتغال على اللغة وبحث دائم عن الذات :
” هذه المطبات فوق أن تحملها لغة
الشاعر محتار بينها وبين إطلاق خياله ” ص 79

 

 

هذا الحلم
    الحلم ذو طبيعة مركبة ، فيه تتعانق المفارقات وتلغى فيه الحدود الجمركية بين المعقول واللامعقول ، كما يوفر الراحة من عبء شحنات اليقظة بما فيها من خير أو شر ومفارقات ومتناقضات .
تأسيسا على هذا يمكن القول أن لجوء الشعراء إلى الأحلام في أشعارهم هو لأجل توضيح رؤاهم ومواقفهم ،  وكذا توقهم  إلى الكمال والعيش خارج العالم وخارج أنفسهم بدون رقابة أو حدود وحتى خوف  ، ووحدهم الكسالى والخانعون لا يحلمون  ، ويكتفون بتكرار واجترار  ما يمر بهم في اليقظة من قرف ، نقرأ للشاعر في قصيدة ” لا أستطيع″ :
” العاجز لا يحلم
 ” الدجالون بالقرب من رأسه
تمائمهم لن تبعثه ” ص14

 

  بلا شك أننا إذا أمعنا النظر  في هذه المتوالية  فسنكون أمام أي تعطش متقد بالتمرد والإبداع والتميز ، وأمام أي مرايا تنعكس عليها الأحلام القلقةٌ والمشحونة  >
في قصيدة ” أحلم بالحقيقة ”  يتفاقم السؤال ويصاعد ترمومتر الشك :
” الحلم
والحقيقة
كيف أجمعهما إلى بعضهما ؟
أسأل نفسي،
وأخبركم
بالسؤال “
ولعل هذا  من شأنه تعميق الصراع بين المنطق والحلم  ، وكذا تكسير رتابة الواقع ،والوصول بالحلم إلى ذروة الكتابة ، عبر مزج الحلم بالحقيقة كتقنية تمنح الشاعر فسحة لإعادة تشكيلها ، وعبرها تشكيل العالم ، وذلك لما يمنحه الحلم من حرية خيالية لا يتيحها الواقع الحافي والعاري ،  لإعادة تأثيث الرؤى ، وفق منطق أمنيات الشاعر ورغباته ، وأليس الحلم جوهر الشعر ولبه ، وإحدى آليات الدفاع ، وكذا نسيان  ما هو مؤلم حسب سيجموند فرويد .

 

 

استهلال أخير
وجملة القول ، ديوان ” أتعثر في الغيمة وتبكي ” للشاعر جمال الموساوي تجربة شعرية تزيت بتيمات مفتوحة أهلته  لحيازة شارة  القصيدة القلقة والمفتوحة ، الأكثر هوسا بالبحث والتجريب ، وبذلك تكون نصوص المجموعة الشعرية تجربة جديدة في الشعر المغربي الحديث ، و حصيلة معايشة لواقع برائحة الخيبة التي تطل بإحباطاتها من كل مكان  ، ولعلها  تأملا في أسرار  حرقة القصيدة وأحلامها ومستويات لغتها .
 

JULY 7, 2017 “أتعثر في الغيمة فتبكي” لجمال الموساوي واقع برائحة الخيبة استهلال أول ” أتعثر في الغيمة فتبكي ” هو الديوان الرابع  بعد  ” كتاب الظل “2001   الحاصل على جائزة بيت الشعر،  المغربي  للشاعر جمال الموساوي ، والصادر عن دار ابي رقراق بدعم من وزارة الثقافة ، ” مدين للصدفة ” 2007 حدائق لم يشعلها أحد ” . 2011…هو ديوان  يقع في 100 صفحة،يتضمن 46 قصيدة  قصيرة، كتبت نشرت جميعها عام 2014 مباشرة على الجدار الخاص في الفيس بوك ، عدا 5 نصوص، تم  نشرها في عديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية والعربية. قصائد تحتمي بالألم واللغة والحلم ، وهي تيمات متداولة بقوة  أكثر من غيرها ، تفاعلت في ثنايا قصائد الديوان لتخلق شعرا بنكهة خاصة ، وبطاقة تخييلية أعمق وأوسع مؤكدة على  أن الشعر إبداع وليس إعادة إنتاج ، وهذا ليس بجديد على شاعر له  نكهته الخاصة في التجربة  الإبداعية الشعرية . هذا الألم حفل ديوان الشعر العربي قديما وحديثا بالألم أضعاف أضعاف احتفاله بالفرح ، وكأن قدر الشاعر العربي أن يكون بروميتيوسيا على الدوام ، وضعية حارقة أنتجها  واقع سياسي واجتماعي محبط ، واضمحلال حضاري مقرف ، كان من إفرازاته جيل تتعانق لدى شعرائه الإحباطات والفراشات ، اليأس والأمل ، التوافق والتخالف ، والشاعر جمال الموساوي نموذج لشعراء هذا الجيل  الذي تثقله المعاناة التي تتعدى النزيف ، والمكابدات السيزيفية  ، والمقبل على قصائد ” أتعثر في الغيمة فتبكي ” يحصل على حضور ملفت لهذا الألم بتجلياته ومعانيه وفضاءاته . قصيدة ” دار السلام ” ترسم مسارا عميقا لهذا الألم الذي تتسبب فيه  الحرب بأصواتها الكافكاوية ، وساديتها العسكرية ، وبضحاياها الأبرياء . ” أسمع هديرا الأوغاد يعبرون الجبهة ، والعزل يتقاطرون على الملجأ “ هذا المشاهد التراجيدية لم يعد لها متسع في فضاء قلب الشاعر لأنها كوارثها ومآسيها  أكبر من حجمه :  ” هذا القلب الضيق لم يعد قادرا على احتواء الألم لم يعد قادرا على إبقائه خارجا  ” ص 8 لكن ريثما يقفل الشاعر قصيدته  بفتح أبواب ونوافذ دار قلبه على مصراعيها لحياة أخرى بديلة وبلغة أخرى سلمية ورحيمة  ، بديلا  عن ثقافة الموت والتشريد العارية والحافية من أي إحساس إنساني  : ” هذا القلب الضيق _ هيا ادخلوا _ دار للسلام “ وفي سياق تفاقم هذا الألم نقرأ في  قصيدة ” المرآة : ” لم تنتبه النجوم إلى الشاعر وهي تغادر لم تنتبه له وهو يقضم أصابعه ” 16 النموذج أعلاه ، يؤسس لبروميتيوسية عنيفة تؤشر عليها ” يقضم أصايعه” ، حيث ترغم القصيدة القلقة الشاعر على الإذعان ليأكل منه برحابة وألم  كاستشهاد حارق يجسد مكابدة الشاعر من أجل قصيدة تواجه الأوغاد والغربان بجمال مجازي وغاية في الجمال . هذه اللغة    يصور الشاعر  في نصوصه علاقته الحميمية باللغة ، ليؤسس بذلك عشقه اللعبي ، مما يحفز على القول بأن الشاعر يلاعب اللغة بشغب  الشعراء المحترفين : ” ألهو باللغة كما يلهو طفل بشفة والده” ص 9 فعبر هذا اللعب مع اللغة يتأسس فعل الكتابة ، وهذا من شأنه الدخول في علاقة اندغامية واستلذاذية باللغة من أجل القبض على أسرارها المنفلتة والماكرة  ، بعيدا عن كل  معيارية ، قد تدخل الكتابة في ثلاجة باردة ،  لأن اللغة بعامة وحسب الناقد المغربي رشيد يحياوي  ” تخلق خلقا جديدا حين تدخل الشعر” ، هكذا يبدو جمال الموساوي مشغولا بالحديث عن لغته ، وهو في هذا اللهو دائم الحديث عن لغته ، وهو بمعنى آخر يعيش حالة قلق لغوي ، حتى انه يعاني من الأرق  مع هذه اللغة الماكرة المتعبة والمحيرة   : ” لم يرف له جفن وأنهكه كيس اللغة الذي في رصيده ” ص 17 وفي قصيدة ” سأجمع كل هؤلاء ”  ، يطرح مأزق الكتابة ، مضمنا إياه وعيه بهذه اللغة ، وهو في نهاية المطاف اشتغال على اللغة وبحث دائم عن الذات : ” هذه المطبات فوق أن تحملها لغة الشاعر محتار بينها وبين إطلاق خياله ” ص 79 هذا الحلم     الحلم ذو طبيعة مركبة ، فيه تتعانق المفارقات وتلغى فيه الحدود الجمركية بين المعقول واللامعقول ، كما يوفر الراحة من عبء شحنات اليقظة بما فيها من خير أو شر ومفارقات ومتناقضات . تأسيسا على هذا يمكن القول أن لجوء الشعراء إلى الأحلام في أشعارهم هو لأجل توضيح رؤاهم ومواقفهم ،  وكذا توقهم  إلى الكمال والعيش خارج العالم وخارج أنفسهم بدون رقابة أو حدود وحتى خوف  ، ووحدهم الكسالى والخانعون لا يحلمون  ، ويكتفون بتكرار واجترار  ما يمر بهم في اليقظة من قرف ، نقرأ للشاعر في قصيدة ” لا أستطيع″ : ” العاجز لا يحلم  ” الدجالون بالقرب من رأسه تمائمهم لن تبعثه ” ص14   بلا شك أننا إذا أمعنا النظر  في هذه المتوالية  فسنكون أمام أي تعطش متقد بالتمرد والإبداع والتميز ، وأمام أي مرايا تنعكس عليها الأحلام القلقةٌ والمشحونة  > في قصيدة ” أحلم بالحقيقة ”  يتفاقم السؤال ويصاعد ترمومتر الشك : ” الحلم والحقيقة كيف أجمعهما إلى بعضهما ؟ أسأل نفسي، وأخبركم بالسؤال “ ولعل هذا  من شأنه تعميق الصراع بين المنطق والحلم  ، وكذا تكسير رتابة الواقع ،والوصول بالحلم إلى ذروة الكتابة ، عبر مزج الحلم بالحقيقة كتقنية تمنح الشاعر فسحة لإعادة تشكيلها ، وعبرها تشكيل العالم ، وذلك لما يمنحه الحلم من حرية خيالية لا يتيحها الواقع الحافي والعاري ،  لإعادة تأثيث الرؤى ، وفق منطق أمنيات الشاعر ورغباته ، وأليس الحلم جوهر الشعر ولبه ، وإحدى آليات الدفاع ، وكذا نسيان  ما هو مؤلم حسب سيجموند فرويد . استهلال أخير وجملة القول ، ديوان ” أتعثر في الغيمة وتبكي ” للشاعر جمال الموساوي تجربة شعرية تزيت بتيمات مفتوحة أهلته  لحيازة شارة  القصيدة القلقة والمفتوحة ، الأكثر هوسا بالبحث والتجريب ، وبذلك تكون نصوص المجموعة الشعرية تجربة جديدة في الشعر المغربي الحديث ، و حصيلة معايشة لواقع برائحة الخيبة التي تطل بإحباطاتها من كل مكان  ، ولعلها  تأملا في أسرار  حرقة القصيدة وأحلامها ومستويات لغتها .

 

منقولة من رأي اليوم...

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً