السبت 01 فبراير 2025 آخر تحديث: السبت 1 فبراير 2025
“أتعثر في الغيمة فتبكي” لجمال الموساوي واقع برائحة الخيبة - عبدالله المتقي
الساعة 10:12 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


استهلال أول
” أتعثر في الغيمة فتبكي ” هو الديوان الرابع  بعد  ” كتاب الظل “2001   الحاصل على جائزة بيت الشعر،  المغربي  للشاعر جمال الموساوي ، والصادر عن دار ابي رقراق بدعم من وزارة الثقافة ، ” مدين للصدفة ” 2007 حدائق لم يشعلها أحد ” . 2011…هو ديوان  يقع في 100 صفحة،يتضمن 46 قصيدة  قصيرة، كتبت نشرت جميعها عام 2014 مباشرة على الجدار الخاص في الفيس بوك ، عدا 5 نصوص، تم  نشرها في عديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية والعربية. قصائد تحتمي بالألم واللغة والحلم ، وهي تيمات متداولة بقوة  أكثر من غيرها ، تفاعلت في ثنايا قصائد الديوان لتخلق شعرا بنكهة خاصة ، وبطاقة تخييلية أعمق وأوسع مؤكدة على  أن الشعر إبداع وليس إعادة إنتاج ، وهذا ليس بجديد على شاعر له  نكهته الخاصة في التجربة  الإبداعية الشعرية .
 

 

هذا الألم
حفل ديوان الشعر العربي قديما وحديثا بالألم أضعاف أضعاف احتفاله بالفرح ، وكأن قدر الشاعر العربي أن يكون بروميتيوسيا على الدوام ، وضعية حارقة أنتجها  واقع سياسي واجتماعي محبط ، واضمحلال حضاري مقرف ، كان من إفرازاته جيل تتعانق لدى شعرائه الإحباطات والفراشات ، اليأس والأمل ، التوافق والتخالف ، والشاعر جمال الموساوي نموذج لشعراء هذا الجيل  الذي تثقله المعاناة التي تتعدى النزيف ، والمكابدات السيزيفية  ، والمقبل على قصائد ” أتعثر في الغيمة فتبكي ” يحصل على حضور ملفت لهذا الألم بتجلياته ومعانيه وفضاءاته .
 

قصيدة ” دار السلام ” ترسم مسارا عميقا لهذا الألم الذي تتسبب فيه  الحرب بأصواتها الكافكاوية ، وساديتها العسكرية ، وبضحاياها الأبرياء .
” أسمع هديرا
الأوغاد يعبرون الجبهة ،
والعزل يتقاطرون على الملجأ “

 

هذا المشاهد التراجيدية لم يعد لها متسع في فضاء قلب الشاعر لأنها كوارثها ومآسيها  أكبر من حجمه :
 ” هذا القلب الضيق
لم يعد قادرا على احتواء الألم
لم يعد قادرا على إبقائه خارجا  ” ص 8
لكن ريثما يقفل الشاعر قصيدته  بفتح أبواب ونوافذ دار قلبه على مصراعيها لحياة أخرى بديلة وبلغة أخرى سلمية ورحيمة  ، بديلا  عن ثقافة الموت والتشريد العارية والحافية من أي إحساس إنساني  :
” هذا القلب الضيق _ هيا ادخلوا _
دار للسلام “
وفي سياق تفاقم هذا الألم نقرأ في  قصيدة ” المرآة :
” لم تنتبه النجوم
إلى الشاعر وهي تغادر
لم تنتبه
له وهو يقضم أصابعه ” 16
النموذج أعلاه ، يؤسس لبروميتيوسية عنيفة تؤشر عليها ” يقضم أصايعه” ، حيث ترغم القصيدة القلقة الشاعر على الإذعان ليأكل منه برحابة وألم  كاستشهاد حارق يجسد مكابدة الشاعر من أجل قصيدة تواجه الأوغاد والغربان بجمال مجازي وغاية في الجمال .

 

 

هذه اللغة
   يصور الشاعر  في نصوصه علاقته الحميمية باللغة ، ليؤسس بذلك عشقه اللعبي ، مما يحفز على القول بأن الشاعر يلاعب اللغة بشغب  الشعراء المحترفين :
” ألهو باللغة
كما يلهو طفل بشفة والده” ص 9
فعبر هذا اللعب مع اللغة يتأسس فعل الكتابة ، وهذا من شأنه الدخول في علاقة اندغامية واستلذاذية باللغة من أجل القبض على أسرارها المنفلتة والماكرة  ، بعيدا عن كل  معيارية ، قد تدخل الكتابة في ثلاجة باردة ،  لأن اللغة بعامة وحسب الناقد المغربي رشيد يحياوي  ” تخلق خلقا جديدا حين تدخل الشعر” ، هكذا يبدو جمال الموساوي مشغولا بالحديث عن لغته ، وهو في هذا اللهو دائم الحديث عن لغته ، وهو بمعنى آخر يعيش حالة قلق لغوي ، حتى انه يعاني من الأرق  مع هذه اللغة الماكرة المتعبة والمحيرة   :
” لم يرف له جفن
وأنهكه كيس اللغة الذي في رصيده ” ص 17
وفي قصيدة ” سأجمع كل هؤلاء ”  ، يطرح مأزق الكتابة ، مضمنا إياه وعيه بهذه اللغة ، وهو في نهاية المطاف اشتغال على اللغة وبحث دائم عن الذات :
” هذه المطبات فوق أن تحملها لغة
الشاعر محتار بينها وبين إطلاق خياله ” ص 79

 

 

هذا الحلم
    الحلم ذو طبيعة مركبة ، فيه تتعانق المفارقات وتلغى فيه الحدود الجمركية بين المعقول واللامعقول ، كما يوفر الراحة من عبء شحنات اليقظة بما فيها من خير أو شر ومفارقات ومتناقضات .
تأسيسا على هذا يمكن القول أن لجوء الشعراء إلى الأحلام في أشعارهم هو لأجل توضيح رؤاهم ومواقفهم ،  وكذا توقهم  إلى الكمال والعيش خارج العالم وخارج أنفسهم بدون رقابة أو حدود وحتى خوف  ، ووحدهم الكسالى والخانعون لا يحلمون  ، ويكتفون بتكرار واجترار  ما يمر بهم في اليقظة من قرف ، نقرأ للشاعر في قصيدة ” لا أستطيع″ :
” العاجز لا يحلم
 ” الدجالون بالقرب من رأسه
تمائمهم لن تبعثه ” ص14

 

  بلا شك أننا إذا أمعنا النظر  في هذه المتوالية  فسنكون أمام أي تعطش متقد بالتمرد والإبداع والتميز ، وأمام أي مرايا تنعكس عليها الأحلام القلقةٌ والمشحونة  >
في قصيدة ” أحلم بالحقيقة ”  يتفاقم السؤال ويصاعد ترمومتر الشك :
” الحلم
والحقيقة
كيف أجمعهما إلى بعضهما ؟
أسأل نفسي،
وأخبركم
بالسؤال “
ولعل هذا  من شأنه تعميق الصراع بين المنطق والحلم  ، وكذا تكسير رتابة الواقع ،والوصول بالحلم إلى ذروة الكتابة ، عبر مزج الحلم بالحقيقة كتقنية تمنح الشاعر فسحة لإعادة تشكيلها ، وعبرها تشكيل العالم ، وذلك لما يمنحه الحلم من حرية خيالية لا يتيحها الواقع الحافي والعاري ،  لإعادة تأثيث الرؤى ، وفق منطق أمنيات الشاعر ورغباته ، وأليس الحلم جوهر الشعر ولبه ، وإحدى آليات الدفاع ، وكذا نسيان  ما هو مؤلم حسب سيجموند فرويد .

 

 

استهلال أخير
وجملة القول ، ديوان ” أتعثر في الغيمة وتبكي ” للشاعر جمال الموساوي تجربة شعرية تزيت بتيمات مفتوحة أهلته  لحيازة شارة  القصيدة القلقة والمفتوحة ، الأكثر هوسا بالبحث والتجريب ، وبذلك تكون نصوص المجموعة الشعرية تجربة جديدة في الشعر المغربي الحديث ، و حصيلة معايشة لواقع برائحة الخيبة التي تطل بإحباطاتها من كل مكان  ، ولعلها  تأملا في أسرار  حرقة القصيدة وأحلامها ومستويات لغتها .
 

JULY 7, 2017 “أتعثر في الغيمة فتبكي” لجمال الموساوي واقع برائحة الخيبة استهلال أول ” أتعثر في الغيمة فتبكي ” هو الديوان الرابع  بعد  ” كتاب الظل “2001   الحاصل على جائزة بيت الشعر،  المغربي  للشاعر جمال الموساوي ، والصادر عن دار ابي رقراق بدعم من وزارة الثقافة ، ” مدين للصدفة ” 2007 حدائق لم يشعلها أحد ” . 2011…هو ديوان  يقع في 100 صفحة،يتضمن 46 قصيدة  قصيرة، كتبت نشرت جميعها عام 2014 مباشرة على الجدار الخاص في الفيس بوك ، عدا 5 نصوص، تم  نشرها في عديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية المغربية والعربية. قصائد تحتمي بالألم واللغة والحلم ، وهي تيمات متداولة بقوة  أكثر من غيرها ، تفاعلت في ثنايا قصائد الديوان لتخلق شعرا بنكهة خاصة ، وبطاقة تخييلية أعمق وأوسع مؤكدة على  أن الشعر إبداع وليس إعادة إنتاج ، وهذا ليس بجديد على شاعر له  نكهته الخاصة في التجربة  الإبداعية الشعرية . هذا الألم حفل ديوان الشعر العربي قديما وحديثا بالألم أضعاف أضعاف احتفاله بالفرح ، وكأن قدر الشاعر العربي أن يكون بروميتيوسيا على الدوام ، وضعية حارقة أنتجها  واقع سياسي واجتماعي محبط ، واضمحلال حضاري مقرف ، كان من إفرازاته جيل تتعانق لدى شعرائه الإحباطات والفراشات ، اليأس والأمل ، التوافق والتخالف ، والشاعر جمال الموساوي نموذج لشعراء هذا الجيل  الذي تثقله المعاناة التي تتعدى النزيف ، والمكابدات السيزيفية  ، والمقبل على قصائد ” أتعثر في الغيمة فتبكي ” يحصل على حضور ملفت لهذا الألم بتجلياته ومعانيه وفضاءاته . قصيدة ” دار السلام ” ترسم مسارا عميقا لهذا الألم الذي تتسبب فيه  الحرب بأصواتها الكافكاوية ، وساديتها العسكرية ، وبضحاياها الأبرياء . ” أسمع هديرا الأوغاد يعبرون الجبهة ، والعزل يتقاطرون على الملجأ “ هذا المشاهد التراجيدية لم يعد لها متسع في فضاء قلب الشاعر لأنها كوارثها ومآسيها  أكبر من حجمه :  ” هذا القلب الضيق لم يعد قادرا على احتواء الألم لم يعد قادرا على إبقائه خارجا  ” ص 8 لكن ريثما يقفل الشاعر قصيدته  بفتح أبواب ونوافذ دار قلبه على مصراعيها لحياة أخرى بديلة وبلغة أخرى سلمية ورحيمة  ، بديلا  عن ثقافة الموت والتشريد العارية والحافية من أي إحساس إنساني  : ” هذا القلب الضيق _ هيا ادخلوا _ دار للسلام “ وفي سياق تفاقم هذا الألم نقرأ في  قصيدة ” المرآة : ” لم تنتبه النجوم إلى الشاعر وهي تغادر لم تنتبه له وهو يقضم أصابعه ” 16 النموذج أعلاه ، يؤسس لبروميتيوسية عنيفة تؤشر عليها ” يقضم أصايعه” ، حيث ترغم القصيدة القلقة الشاعر على الإذعان ليأكل منه برحابة وألم  كاستشهاد حارق يجسد مكابدة الشاعر من أجل قصيدة تواجه الأوغاد والغربان بجمال مجازي وغاية في الجمال . هذه اللغة    يصور الشاعر  في نصوصه علاقته الحميمية باللغة ، ليؤسس بذلك عشقه اللعبي ، مما يحفز على القول بأن الشاعر يلاعب اللغة بشغب  الشعراء المحترفين : ” ألهو باللغة كما يلهو طفل بشفة والده” ص 9 فعبر هذا اللعب مع اللغة يتأسس فعل الكتابة ، وهذا من شأنه الدخول في علاقة اندغامية واستلذاذية باللغة من أجل القبض على أسرارها المنفلتة والماكرة  ، بعيدا عن كل  معيارية ، قد تدخل الكتابة في ثلاجة باردة ،  لأن اللغة بعامة وحسب الناقد المغربي رشيد يحياوي  ” تخلق خلقا جديدا حين تدخل الشعر” ، هكذا يبدو جمال الموساوي مشغولا بالحديث عن لغته ، وهو في هذا اللهو دائم الحديث عن لغته ، وهو بمعنى آخر يعيش حالة قلق لغوي ، حتى انه يعاني من الأرق  مع هذه اللغة الماكرة المتعبة والمحيرة   : ” لم يرف له جفن وأنهكه كيس اللغة الذي في رصيده ” ص 17 وفي قصيدة ” سأجمع كل هؤلاء ”  ، يطرح مأزق الكتابة ، مضمنا إياه وعيه بهذه اللغة ، وهو في نهاية المطاف اشتغال على اللغة وبحث دائم عن الذات : ” هذه المطبات فوق أن تحملها لغة الشاعر محتار بينها وبين إطلاق خياله ” ص 79 هذا الحلم     الحلم ذو طبيعة مركبة ، فيه تتعانق المفارقات وتلغى فيه الحدود الجمركية بين المعقول واللامعقول ، كما يوفر الراحة من عبء شحنات اليقظة بما فيها من خير أو شر ومفارقات ومتناقضات . تأسيسا على هذا يمكن القول أن لجوء الشعراء إلى الأحلام في أشعارهم هو لأجل توضيح رؤاهم ومواقفهم ،  وكذا توقهم  إلى الكمال والعيش خارج العالم وخارج أنفسهم بدون رقابة أو حدود وحتى خوف  ، ووحدهم الكسالى والخانعون لا يحلمون  ، ويكتفون بتكرار واجترار  ما يمر بهم في اليقظة من قرف ، نقرأ للشاعر في قصيدة ” لا أستطيع″ : ” العاجز لا يحلم  ” الدجالون بالقرب من رأسه تمائمهم لن تبعثه ” ص14   بلا شك أننا إذا أمعنا النظر  في هذه المتوالية  فسنكون أمام أي تعطش متقد بالتمرد والإبداع والتميز ، وأمام أي مرايا تنعكس عليها الأحلام القلقةٌ والمشحونة  > في قصيدة ” أحلم بالحقيقة ”  يتفاقم السؤال ويصاعد ترمومتر الشك : ” الحلم والحقيقة كيف أجمعهما إلى بعضهما ؟ أسأل نفسي، وأخبركم بالسؤال “ ولعل هذا  من شأنه تعميق الصراع بين المنطق والحلم  ، وكذا تكسير رتابة الواقع ،والوصول بالحلم إلى ذروة الكتابة ، عبر مزج الحلم بالحقيقة كتقنية تمنح الشاعر فسحة لإعادة تشكيلها ، وعبرها تشكيل العالم ، وذلك لما يمنحه الحلم من حرية خيالية لا يتيحها الواقع الحافي والعاري ،  لإعادة تأثيث الرؤى ، وفق منطق أمنيات الشاعر ورغباته ، وأليس الحلم جوهر الشعر ولبه ، وإحدى آليات الدفاع ، وكذا نسيان  ما هو مؤلم حسب سيجموند فرويد . استهلال أخير وجملة القول ، ديوان ” أتعثر في الغيمة وتبكي ” للشاعر جمال الموساوي تجربة شعرية تزيت بتيمات مفتوحة أهلته  لحيازة شارة  القصيدة القلقة والمفتوحة ، الأكثر هوسا بالبحث والتجريب ، وبذلك تكون نصوص المجموعة الشعرية تجربة جديدة في الشعر المغربي الحديث ، و حصيلة معايشة لواقع برائحة الخيبة التي تطل بإحباطاتها من كل مكان  ، ولعلها  تأملا في أسرار  حرقة القصيدة وأحلامها ومستويات لغتها .

 

منقولة من رأي اليوم...

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص