الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
زليخات السباعي يميائية مشحونة بالرموز- إياد خضير
الساعة 10:05 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)
   
عنوان المجموعة القصصية زليخات يوسف، للقاص علي السباعي، هي إحدى قصص المجموعة وهو عنواناً موجزاً ومكثفاً، موجزاً من حيث الشكل ومكثفاً من الناحية الموضوعية أي بمعنى آخر كمية كبيره من المعلومات بأقل عدد ممكن من الكلمات، يخلق لدى المتلقي اللهفة للتعرف والإبحار في قراءة السرد، المجموعة القصصية صادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد  2005 تحتوي على عشرة قصص، سأتناول قسم منها، المجموعة أرادها القاص أن تكون وثيقة تاريخية تجسد الأحداث المأساوية التي مره بها العراق والشعب العراقي الذي عانى من ويلات الحروب والحصار والظلم والجور، أغلب قصص المجموعة مشحونة بالرموز، والدلالات،والأمكنة (ميز "جنيت " بين مصطلحات السرد كالقصة التي تطلق على النص السردي ( الدال ) والحكاية التي تختص بالمضمون السردي ( المدلول ) والقص الذي يحمل المواقف التخيلية والمنتجة للنص السردي، كما يقابل الحكاية المروية بالخطاب،  كطريقة تروى بها الحكاية )*1 
 
قصة زليخات يوسف، وقصص المجموعة، استخدام القاص، الموروث الشعبي والأسطوري، واستفاد من التراث واستغلال الحكايات الشعبية، وهذا يحتاج إلى وعي كبير بها، فعملية تضمينها ليست يسيرة لأنها تحمل مدلولاً شغل ذهن القاص، ولهذا فأن استخدام هذه القضايا كخلفية فكرية للعمل القصصي أو كمادة أساسية ضمن رؤيا معاصرة، عملية فنية غنية، ليس سهلاً خلقها من دون قدرة جيدة ولغة قصصية مؤهلة وفهم مكثف وواسع بها، زليخة زوجة العزيز التي أغوت النبي يوسف (ع) وأرادت الإيقاع به، زليخة التي دمرها العشق، دمرها حبها إلى نبي يوسف عليه السلام وأحالها هذا الحب إلى امرأة عجوز شمطاء لا تقوى على السير، عمياء.
 
كما الناصرية التي مرت بويلات الحروب والحصار وسنوات القحط التي سميت سنة لوعة، هذه المدينة التي تفترش البساتين في شمالها وجنوبها، عمودها الفقري نهر الفرات الذي يطفأ ضمئها ، ألحبوبي لازال شامخاً يروي للأجيال، المعاناة ، الصراخ المكتوم، الجوع، الطيبة، طيبة أهلها .. (( آثار خطاهم اختفاءات مسورة بحصار مد أسواره عالية حول جسد زليخة، مدينة بلا رأس، زليخة بلا فضيحة تبحث في بقايا أسلحة الحروب المحطمة عن أصابع صويحباتها زفر الرخ دوامات انفاسه سحباً لاهبةً أسفرت عن انفجار يلط أشعة أيقظت ( سنة لوعة ) من رقادها ))ص129 القحط والجوع الشديدين، التي عاشها الناس، كان الشاعر محمد سعيد الحبوبي شاهداً، يقرع الاحتلال ويتصدى للمحتلين الانكليز للعراق اديب وشاعر لحين وفاته سنة 1914 تمثاله يتوسط ساحة الحبوبي وكذلك الشارع سمي شارع الحبوبي .
 
( الحبوبي بعباءته الكاكية يرتسم على ملامحه حزن اسمر يشغل حيز الصمت وسط الناصرية والناصرية فتاة التناقضات، زليخة التي التهمت تفاحة الخطيئة الاولى فتكومت بين خطي عرض ثلاثين واثنين وثلاثين برزخات وهميان كتابين هاجيين للذئب الذي أكل سوسف. آه . يايوسف! زليخة مدينة وحيدة محاصرة وسمتها اصابع مبتور/ وقطعن ايدهن / على خريطةٍ ورقها عذابات المحاصرين ) ص126     
 
قصة مومياء البهلول... يعين الكاتب في إبداعاته ومساهماته في الإسهام الواعي في تشخيص الواقع وتحليل أبعاده، ومعرفة الكشف عن كل مجرياته من ابسطها حتى اعقدها، من الأحداث اليومية الاعتيادية حتى مسائل المصير الإنساني، عبر تواجد الإنسان والآخرين والغور في أعماق.. (( نبوءة تغرغرت في حلق ذئب ...حصار الذئاب في اتساعه، رياح شرقية وأدت مدينة ليلاً، صوت ذئاب تعوي، عواؤها حاصرنا، أمس، أول أمس، قبل عام منذ سبع سنوات والبهلول ممسك بندقية محشوة ارث أسلافه لكن ! لا أصابع تضغط على الزناد فقط عيون ترقب الذئب والزناد، الزناد وذئاب تعوي، عواؤها صار: شواهد دلالات، أمكنه، حضارات تجري داخل قوقعة الروح الأبدية ))ص39
إضافة إلى غنى اللغة العربية، قدرة علي السباعي الإبداعية الخلاقة والثقافة العامة التي يحملها، فالثقافة هي الغذاء الروحي للإنسان وهي خبز الجماهير اليومي او هي نبض الإنسان المعاصر أو غير ذلك من التعبيرات العامة..القصة الواعية المبدعة، نتاج قاص واعٍ ومبدع، لان الوعي والإبداع يفتح للخيال نوافذ جديدة وعوالم جديدة تفجر موقفاً سياسياً واجتماعياً ونفسياً وعاطفياً...علي السباعي ارتمى في العلاقات العاطفية بلا حساب من أجل ان ينقذ الحياة من طعمها المر ويجعلها حلوة رائعة تستحق ان تعاش رغم متاعبها وثقلها، كان عشقه لزليخة التي التهمت تفاحة الخطيئة..
قصة مريم البلقاء ، امرأة تعشق فائق حسن وخيوله والبلقاء هي أنثى الخيل التي لا تخاف الموت والمضحية وظاهرة الثأر من العادات الموروثة ومن بقايا الجاهلية التي كانت منتشرة في الناس قبل الإسلام ،( خذ ثأر بنت عمك وخطيبتك مريم وأحفظ لنا هيبتنا ")ص6 . لن يهدأ العراق من هؤلاء السراق، يصولون ويمرحون بحجة أسلحة الدمار الشامل، فالقصة صرخة مدوية ضد الظلم، الاستعمار، مناصرة للشعب الذي عاش الويلات والحروب ... انه الحب العذري الذي يقف بوجه تلك القاذورات حتى لا تدنس ارض العراق (أدهشتني مريم بأنها أكثر شباباً من أن يتخيلها واحد مثلي، قوام ممشوق مضفور من طراوة ونعومة وصلابة وقوة، دفيء كالعسل بارد كالحليب، مستقيمة رشيقة ،آهٍ، أنها كل ذلك وبلون العسل الحي خاطبتني ) ص16هكذا يرى حبيبته، شباب، طراوة، نعومه، قوة، كالعسل، كالحليب، مستقيمة دلالة على النقاء والعفة والشرف صفات المرأة العراقية الصابرة الصامدة . 
 
 
 
قصة وساخات آدم .. أن القصة ليست معادلة رياضية بل هي عملية إبداعية، والعمل الإبداعي خليط من الواقع والحلم والطموح والإسقاط والداخلي والخارجي، وساخات آدم، ما أكثرها، تحكي قصة المدينة التي تلفظ القمامات التي ابتلت بها الطرقات، بعدها يتهافتون على نبشها، ليبيعون النفايات والسكراب في بلد كثير الخيرات والتي ابتلى بها، تلك النفايات التي تحتضن آلام الماضي وأوجاع السنين الغير مجدية في الحياة .
 
) أكوام قمامة تفوح عفونة، متسولون، هياكل سيارات محطمة كلاب تقضم بكسل، صفائح، سكاكين مكسورة، زبالون، فكوك حيوانية بأسنان ذئبية، وآدم يلهو بعصا ينكأ جرح الشمس هدر دمها مجتاحاً لافته تقول : مرحباً بكم في مجمع النفايات ))ص57 
( ان زمن الكتابة في مفهوم " بارت " زمن شرطي فهو محكوم بظرفية الكتابة ومرجعيتها الحضارية والثقافية والاقتصادية، فضلا عن تلك الخصوصية الصرفة التي تفرضها لغة الكاتب التي تحقق كيانه في ذات النص وكيان النص، اذا ما نظرنا اليه على انه ليس سوى تقنية الدلالة كما يؤكد ذلك بارت في كتابه اصول الخطاب النقدي.)*2 
 
فالتاريخ العربي القديم لا يخلو من فن القصة، لان القصة لا يمكن ان تخلو منها امة من الأمم قطام بنت شحنة التميمية طلبت مهرها من عبد الرحمن بن ملجم دم الأمام علي عليه السلام.
 سيما زوجة النبي لوط .
 
خبابة كانت جارية عثمان بن سهيل، اشتراها يزيد بن عبد الملك وعشقها وهام فيها تاركا أمور الخلافة حتى ماتت فأحتضنها حتى صارت جيفة ، ثار عليه الناس وقتل.. 
أماجي : آلة الحرب لدى السومريين.
زاماما : الحرب في لغة العرب القديمة.
عزيزو: آلة الحرب العربي، مدينة لارسا طريق الموت والرمال والجفاف والحرب. برناردي فوتو ناقد قصصي يقول (من المؤكد ان تتأثر القصة بالتاريخ الشخصي لكاتبها ) ويتساءل (فهل القصص أذن تراجم ذاتية ؟ ) ويرد على تساؤله بنفسه (لاشك أنها كذلك)
 
المجموعة بقصصها العشرة نشيد درامي صاخب، وساخر وحزين لما يحدث في العالم من امتهان لكرامة الانسان، وهدر للطاقات ونهب للثروات تحت هذا الاسم او ذاك، استطيع القول بإجادة القاص علي السباعي، اوصياغة مزالق مجموعته القصصية عبر أسس مهمة في الرؤيا الإبداعية مستفيد من التراث القصصي ... وابداء الرأي بغية المحافظة على الجذور الراقدة لاخضرار شجرة الحياة كي لا تجف كما يراها سارتر... 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
*1 عوالم تخيليه  د. قاسم المقداد
*2 دكتور سلام الاعرجي / جامعة الكوفه

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً