الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"امرأة من ظفار" ..أم ثورة من ظفار؟ - محمد الشحري
الساعة 17:15 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

أن الرواية التاريخية لا تنقل لنا أحداث الماضي إلى مجريات الحاضر وتكهنات المستقبل فحسب، بل تقدم لنا خلاصة الأحكام التي يتصورها الروائي لذلك الماضي الذي كان شاهد عيان عليه كأي فرد من أفراد المجتمع وراصدا لأحداثه ككاتب، خاصة إن كان من صنف الروائي العُماني أحمد الزبيدي، المعاصر لتحولات سياسية وايديولوجية مرت بها المنطقة العربية والخليجية، والتي تأثرت بها عُمان، والتي يجدها القارئ ماثلة أمامه بين صفحات رواية الزبيدي الأخيرة ‘امرأة من ظفار’، الصادرة في 2013 عن دار الفارابي، والتي ما أن ينتهي القارئ من قراءتها حتى تدلف إلى باله عدة أسئلة عن وجه الشبه بين المرأة والثورة.
 

الرواية مكملة لروايتين سابقتين هما ‘أحوال القبائل’ و’سنوات النار’، وهما صادرتان أيضا عن دار الفارابي، سواء بتقاطع البعد الزماني والفضاء المكاني، أو من حيث تواتر الأبطال في الأعمال الثلاثة. فالزمان هو ما بعد منتصف ستينيات القرن الماضي، والأمكنة هي ظفار وعاصمتها صلالة، ومدن الخليج العربي، ودمشق. والشخصيات ثوار يتعرضون لسلسلة من الهزائم العسكرية والنفسية وتدمير مشاريعهم الفكرية.
 

إن كانت الروايتان السابقتان قد احتجبتا خلف ساتر الرمزية التي مارسها الكاتب، فإن ‘امرأة من ظفار’ قد هتكت هذا الحاجز، ووضعت الشخصيات والأحداث على محك الوضوح، ونفت عنهم الغموض. وهنا نتساءل هل تخلص الزبيدي من ذاكرته في هذه الرواية، وقال ما لم يقله في أعماله السردية، بما في ذلك القصص القصيرة في مجموعتيه ‘انتحار عبيد العماني، و’اعدام الفراشة’، أم أن الذاكرة قد تخلصت من الكاتب ونقده للمرحلة التي عايشها وكان جزءا منها، راصدا تحولاتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ونتائجها التي تحدثت عنها مثال، البطلة الرئيسة في صفحات ‘امرأة من ظفار’؟ خيانات الضمائر وشراء الذمم والتنكر لرفاق المرحلة والسلاح، هي صفات لازمت الجنرال علوان الشخصية الأكثر جدلا في الرواية، وعنه تقول بطلة مثال: ‘كان بعلي علوان قد تسلق المناصب كما حرباء (مشحال)- المشحال باللغة الشحرية تعني الحرباء- في سرعة البرق حتى غدا رجلا هاما تضيق كتفاه بالرتب التي علقها، سنده في ذلك غباوة مطلقة وصاحبه الرجل الانجليزي الذي ألهمه الله ‘حب هذا الرجل’ فجأة ودون سابق إنذار’ ص161.
 

لم تقتصر الرواية على أحداث الثورة وارهاصاتها، بل تناولت الثقافة في ظفار، المعتقدات واللغات والفنون والعادات والتقاليد والمساكن وطرق الحياة، فمن المعتقدات الدينية المؤثثة بالآلهة القدامى التي عُبدت في جنوب الجزيرة العربية، والتي بقيت في المخيال الشعبي مجردة من بُعدها الإيماني، يستمد الروائي شخصيات روايته. كما وظف بعض الكلمات من اللغة الشحرية التي تصنف ضمن اللغات العربية الجنوبية الحديثة، من قبل علماء اللغات السامية تمييزا لها عن العربية الجنوبية القديمة، وأشهر تلك اللغات الحية الشحرية والمهرية والبطحرية والحرسوسية والسقطرية والهبيوت، وأخذت الرواية من هذه اللغة عنوانا جانبيا تحت اسم ‘تيث من ظفول’، أي: امرأة من ظفار.
 

قارىء الرواية، إذا كان قد قرأ أعمال الزبيدي السابقة، سيسأل عما سيكتبه أحمد الزبيدي بعد هذه الرواية، التي تكاد تكشف إلى حد البوح، الأحداث التاريخية التي سكت البعض عن سردها مجاملة او خشية، ولكن الزبيدي قال كلمته فيما رآه وعايشه بعد أن أجال الأفكار في رأسه. ولا أظنه، وهو الشخص الصلب الذي صمد أمام سلسلة من المضايقات والتهميش، سيتوقف عن الكتابة، التي اتخذها وسيلة للمقاومة والاحتماء من الهزيمة والموت البطيء، وحين تكون الكتابة منجاة والقراءة مفازة.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً