الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
رحيل الشحري الذي كنا في بركته - علوان مهدي الجيلاني
الساعة 11:10 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



كيف أصدق أنه مضى 
كيف أصدق أن صفحة إبداعية وإنسانية كصفحة الشاعر أحمد أبكر الشحري قد انطوت ، وأهيل التراب على صاحبها ؟
أبهذه السهولة يرحل النقاء ، تختفي الابتسامات النبيلة ، ويصهر صهد الزمن المقيت تلك الروعة الباذخة ؟
مامصير القصائد التي لم تكتب ؟
مشاريع قواعد اللهجة؟
مشروع النقد الثقافي الذي اتفقنا عليه ؟
دواوين الشعر وكتابات السيرة .. واستعادة زمن المراوعة ... يا الله يالله 
منىً إن تكن حقاً تكن أحسن المنى .. وإلا فقد عشنا بها زمناً خصباً 
هكذا كنا نقول لأنفسنا كلما أوغلنا في الحلم ثم فتحنا أعيننا على واقع الفقر والظلم وقلة الحيلة والبؤس الذي يكاد ينط من عيون المبدعين 
ما الذي أصابك يا شحري لتموت فجأة هكذا ؟

 

ما الذي أصابنا لننسى أنفسنا وننسى حبنا للحياة وتشبثنا بها حتى لتتساقط أرواق أعمارنا كما تتساقط أوراق الشجر في مهب رياح الخريف ؟
أحمد أبكر الشحري أي شاعر رحل اليوم ..
لقد كان من جنود الابداع المجهولين .. كان من المستورين 
وكنا في بركته على حد تعبير المتصوفة : المشهورون في بركة المستورين 

***
 

عرفت الشاعر أحمد أبكر الشحري قبل نهاية تسعينيات القرن الماضي فقد نشرت سنة 1998م قصيدة عمودية ملتهبة العاطفة عنوانها " موال الأسى " وتقاطر زملائي الشعراء على التماهي مع تلك القصيدة فكتبوا على منوالها ومن وحيها عشرات القصائد ، وظلت قصائدهم تتفاوت جودة وتوسطاً حتى نشر الشحري قصيدته " أشلاء وهم " في الجمهورية الثقافية بتاريخ 3/4/ 1999م فإذا هي تلقف كل ما أبدعوه ، فقد تفوق الشحري وحلق إلى سماوات عالية ومزّ كل موهبته شغفاً وهو يقول مصدراً قصيدته بهذا الإهداء : 
 

إلى موال الأسى علوان مهدي الجيلاني
سكنوا دمي فتملكـــــوا ذاتـي 
وتحرروا من قيد علاتي
هم أشعلو لإابداع في وتـــري 
وتجاهلوا نغمي ورناتي
سكبوا جحيم الحب وانصرفوا 
فنما وأيـــنع بين دفــاتي
هم ألفونــــي ثم ما البــــــثـــوا 
أن وزعوني بين أشتاتي
من لي بهم وصــلًا وقد مـلأوا
بمرارة لإاعراض كاساتي
أتراهم في المنتــأى شربـــــوا 
مثلي كؤوساً من معاناتي
أم أنهم في محفـــل رقصـــــوا 
طربــا على أنغـــام أناتي
وأنا الـــذي لا ينتــــهي شغفي
وحنين روحي كــل آيـاتي
شغفي بهــــم ينــداح قــافية
نضاحــةه بشواظ طيـــاتي
هاهــم وقد أســرفت في ولهي 
يتجاهـــلون أجل سيمـاتي
ولعي بهــم يطغــى وفتنتـــهم 
تحتل جمـــاً من عبـاداتي 
بصــر الهوى المخدوع سيدهم 
فتسيدوا وسبـــوا ولاءاتي

****
 

هم قبلتي ومزار خــــــــاطرتي
وهمو مواقيتي وأوقــــاتي
هم صفوه لإالهـــام في قدحــي 
وســـلافتي وشـــهي لذاتي
صمتي ومـــــا ضمنته خلـــدي 
وحديث أنسي وانشراحاتي

****
 

أنا بــــاخع نفســـي لأاكسبـــــهم
وألح مــلهــوفــا على الآتـي
هل كــــان يحدوني إلى طمعي 
طمع المعنى حسن نيـــاتي
أو كلما استجديت أمنية
صفعوا طموحي بالخسارات
وغزير أمطاري بساحتهم
أم ينكرون جزيل غيماتي
منذ ابتدى عشقي وهم نسقي
ونسيج نهجي واتجاهاتي
شكلتهم في داخلي مثلاً
وصدى غرام بين لوحاتي
جملتهم في عين من عذلوا
حتى غدوا نبع الملاحات

****
 

ما بال هذا الحب يعصف بي
ويسومني سوء العذابات
ويريقني سهلاً ويغليهم
ويكاد يرخص عندهم ذاتي
ما باله ينحاز مندفعاً
ليزيد فوق عتوه العاتي

****
 

يا عاذلاً إن تقتف أثري
عمداً لترصد كل زلاتي
أنا لم أغامر في محبتهم
طيشاً فقصر في ملاماتي
هم علقوا في الوهم أمنيتي
ما بين بدئي واكتمالاتي
فتذبذب المغبون عاشقهم
ما بين جرح وابتسامات
والمنتهى يوم انتووا حتفي
هدوا يقيني واحتمالاتي
فإذا بآمالي مضرجة
بدموع جرحي وانكساراتي
وبصرت أحلامي موزعة
أشلاء وهم فوق مرآتي
هذا هو الحب الذي استولى
عمراً وأشرق فوق ساحاتي
ولسوف يبقى حجة تتلى
عطراً تفوح به ادكاراتي
أما الذين شربتهم كدراً
عرقاً ستنبذهم مساماتي

 

 

وجن المشهد الثقافي الصنعاني بلوعة هذا الشاعر ودارت في المقايل الأسئلة عنه ، وجاء الشحري إلى صنعاء وجمعتنا أوقات مميزة وارتاد مرتاداتنا من المنابر والاندية والملتقيات التي كانت طموح وحلم كل من يعيشون بعيداً عن عاصمة الجمال والفن والابداع صنعاء .. ذهبنا إلى مقيل الشرفي وإلى منتدى الابداع وإلى مؤسسة العفيف والتقينا كثيراً في اتحاد الأدباء ومقيل الشاعر محمد المنصور وبيت الاديب الراحل عبد الرحمن حسن الأهدل أستاذ الشاعر ومنظمه الحزبي ، ثم تواترت لقاءاتنا أكثر عام 2004م في فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية ..
 

كان الشحري شاعراً مميزاً ومثقفاً عميقاً منحته ثقافته رصانة وصمتاً انضافا إلى بساطته الفطرية ، وتواضعه العفوي وهذا بطبيعة الحال كان يظلمه ويتسبب في تجاهله أحياناً فلا يعرفه ولا يقدره حق قدره إلا من يعرفه عن قرب ويعاشره ويتباسط معه .. وكم سمعت من أصدقاء اندهاشهم باكتشاف حقيقته ومعرفة قدره بعد مرور زمن على تعرفهم الأول عليه .
 

لم يكن الشحري صوتاُ عادياً فقد كان من أهم شعراء موجة التسعينيات ، ولم يكن شاعراً فحسب بل كان لغوياً متمكناً تشهد بذلك أبحاثه اللغوية التي نشرها في الصحف والمجلات خلال عشر الالفية الأولى ، فوق هذا كان ناقداً ثقافياً نافذ البصيرة عارفاً بالنصوص قوي القدرة على الربط بين الأشباه والنظائر ، ناهيك عن اهتمامه بالتاريخ والسير .
 

ولعل كونه من الكفاءات التربوية النادرة المثال ، بجانب انخراطه في الحزب الاشتراكي مرتبطاً باثنين من أهم عمالقة الثقافة اليمنية هما المفكر الكبير عبدالباري طاهر والناقد الاديب الكبير عبد الرحمن الأهدل ، قد أثر بشكل كبير في شخصيته وسلوكياته وميله إلى النأي عن ضجيج الشهرة وما يترتب عليها من صخب ولمعان لا طائل من ورائهما في معظم الأحيان ..
 

تلك السجايا المصقولة بالمؤثرات المشار إليها هي التي أكسبت تجربته الشعريه منحاها التأملي وسمتها الإنسانية وهما معاً مزية تتجلى في كثير من قصائده ولعل أهم مثال يرصدها هو قصيده الذائعة الصيت " متسولة :
 

رأيتها 
حدقت فيها
فضول عيني ..
لم يقف حيث ابتدا
فطاف بي مسافرا
حتى الحذا
في رحلة مطولة 
يعود منها خاليا 
إلا من البكاء
بكاؤه.. الذي أثاره
شحوبها .. ضياع لونها 
ثقوب ثوبها

***
 

ما بالها على الرصيف مهملة؟
وحسنها مؤهل 
لترتقي أميرة مدللة
وبسمة مغصوبة لكل آت مرسلة
لا تقصد المغازلة
لكن صيدها 
على ضمير ميت 
!ما أسهله

***
 

الشحري واحد من الشعراء القلائل القريبين إلى نفسي الذين تأخرت في الكتابة عنهم ، كان يفترض أن تكون مجموعته الأولى " أمشاج" الصادرة سنة 2005م موضع احتفاء كبير مني لكن سوء حظي أوحظها جعلها تصدر وأنا في غمرة معاناة بعد حادث سير أودى بأخي إبراهيم تبعه حادث سير آخر كاد يودي بزوجتي ، صدرت "أمشاج " الشحري وأنا ممزق الوجود حيث بقيت الهث من أجل استنقاذ زوجتي من بين أنياب الموت عاماً ونصف العام ..
 

حين عدت إلى الحياة الثقافية كان الشحري في صنعاء والتقينا أكثر من مرة وظل موضوع الكتابة عنه يتراجع حتى فجعني رحيله اليوم وها أنذا كالعادة أعض أصابع الندم .
***
 

هامش 
-
ولد الشاعر أحمد أبكر الشحري في مدينة المراوعة سنة 1965م.. حيث نشأ بها.. وحصل على دبلوم معلمين سنة 1987م... ثم حصل على بكالوريوس تربية من قسم اللغة العربية بكلية التربية في الحديدة سنة 1993م..
انخرط منذ سنة 1988م في تدريس مادة اللغة العربية بمدرسة خالد بن الوليد في المراوعة وظل بها حتى سنة 2007م.. حين قرر الانتقال إلى العاصمة صنعاء..

 

 

صدرت له:
مجموعة شعرية بعنوان (أمشاج) عن مركز عبادي للدراسات والنشر سنة 2005م.
له أيضاً مجموعة من الدراسات الأدبية واللغوية المنشورة في بعض الصحف والمجلات..
شارك في فعاليات ومهرجانات أدبية مختلفة.. وألقى محاضرات ثقافية في أكثر من مؤسسة ثقافية.
عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً