وقد تأسس النفع الاجتماعي المرتبط بالصلاح والتقوى في بني حشيبر جيلاً بعد جيل ودعّمت ذلك وفرة مادية لبعض وجهائهم وأعلامهم.. وهي وفرة يمكن تفهم مآتيها في ضوء توسع جاه الأسرة العلمي والروحي والاجتماعي واتساع علاقاتها.. فـ(النجار بن الدهل بن حشيبر) من أعلام القرن التاسع (ت833هـ) وأحد معاصري البدر الأهدل (كان ذا جاه عريض ومكارم تحمي الذمات وتحوط الجار) ( 1).. وأبو بكر بن حشيبر أيضاً كان من أهل (الخير والشفاعات والكرامات) ( 2)... ومحمد بن الفقيه علي بن أحمد بن حشيبر (ت830هـ) (كان خيراً وجيهاً) ( 3).. والفقيه أحمد بن محمد بن حشيبر الذي عرف بـ(عبيعب) أحد تلاميذ البدر الأهدل (كان صاحب دين وورع) ( 4).
وقد اطرد الصلاح في الأسرة اطراداً كبيراً.. والبدر الأهدل يلحق ذكر أسماء العشرات منهم بعبارة: (كان رجلاً صالحاً صاحب كرامات) ونحن لا نقف عند كل واحد منهم ولكننا نتوقف عند من في سيرهم وتراجمهم دلالات ومفاتيح لفهم حضور هذه الأسرة الباذخة في تاريخنا.. 
في هذا السياق سنعرض لمجموعة منهم مثل أحمد بن إبراهيم الدهل .. الذي (كان عابداً زاهداً لا يخرج من بيته إلا إلى المسجد وأهل قريته يقولون إنه ما مسح على وجه مريض إلا برىء) و (كان يهدى إليه النساء ليتزوجهن) و(وقد مات ساجداً) ( 5).. ومحمود بن عيسى بن حشيبر الذي كان يقال أنه من فرط صلاحه (لو أقسم على الله لأبره) و(وكان مستجاب الدعاء) ( 6).. وحسن بن عيسى بن حشيبر ، الذي (كانت له معرفة بتعبير الرؤيا) (7 )..أما الولي الكبير محمد بن حسن بن حشيبر فقد كان من علماء التصوف أهل الإشارة.. إبداعاً لعبارتها. وحلاً لغوامض دلالاتها.. قال البدر الأهدل: (وكان عارفا بعلوم الطريق وتعبير الرؤيا مكاشفاً فصيحاً جيد العبارة).
 

وقد أورد له البدر الأهدل بعض الأقوال وناقشها على عادته.. من ذلك أنه (سئل عن معنى قول الشبلي:
أسائل عن ليلى فهل من مخبر
يكون له علم بها أين تنزل
فقال:
تحل قلوب العارفين إذا صفت
وليس لها قلب سواهن منزل
ثم قال بعد البيتين: تسكن القلب الصافي، والله الشافي والمعافي) (8 ).
قال البدر الأهدل: (هذا البيت يحكى عن الشبلي أنه سمعه فقال: لا والله ما عنها مخبر في الدارين، فكلام الشبلي صحيح على معنى يقي الحلول النافي، وكلام ابن حشيبر صحيح على معنى تحل معرفته قلوب العارفين، وكل منهما عبر عن ما ظهر له) (9 ).
****
 

بشكل موازٍ سيقدم المعلم وطيوط( 10) (ت حوالي848هـ) وهو من جهات المراوعة، وأحد معاصري البدر الأهدل معلومات مفيدة عن مجموعة عن أعلام الحشابرة وهي معلومات ليست بغزارة وسعة ما أورده البدر الأهدل إلا أنها تصب في نفس القصد والمنحى إذ كلها تؤكد على كون وجهاء وأعلام وصلحاء هذه الأسرة قد صاروا مركزيين في المنطقة .. من حيث النفع العام للناس فهم من الأسر التي يفزع إليها الناس في المجاعات والنوازل.. وعند اختلال الأمن.. وجور السلطان.. فهذا رجل من أهل الأنفة بالغانمية (بين باجل والضحي) يعاني ضنكاً في العيش فيقصد الفقيه محمد بن حسن بن حشيبر (ت أواخر القرن الثامن الهجري تقريباً) والفقيه أبا بكر بن أبي حربة (ت 794هـ) فيحصل منها على ما يريد.. وثمة خبر عن عناية الفقيه على بن أحمد بن حشيبر بطلبة العلم نعرفه من عنايته بطالب من جازان كان يدرس في المهجم.. وخبر ثالث عن سنة مجاعة كان بيت الفقيه ابن حشيبر فيها واحداً من ملاذات الجائعين والمحتاجين.
 

هوامش:
( 1) تحفة الزمن ، ص 196.
( 2) نفس المصدر، ص 198.
( 3) نفس المصدر، نفس الصفحة.
( 4) نفس المصدر، ص 195
(5 ) الاقتباسات السابقة من نفس المصدر، ص 197.
( 6) نفس المصدر، نفس الصفحة.
( 7) نفس المصدر، نفس الصفحة.
( 8) أورد الشرجي في (طبقات الخواص) كلام ابن حشيبر السابق، ثم علق عليه بقوله: (يشير إلى ما جاء في بعض الأحاديث: لم يسعني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن) ص 407.
( 9)الاقتباسات السابقة من نفس المصدر، ص 197.
( 10)الاقتباسات السابقة من نفس المصدر، ص 197.