الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مهارة الكلام - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 10:48 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


اللغة في الأصل أصوات يصدرها الإنسان بواسطة جهاز النطق ليعبِّر بها عن مختلف أغراضه وقضاياه في الحياة. وتلك الأصوات هي الكلام. وقد عرف الإنسان الكلام قبل أن يتعلم الكتابة بزمن طويل. والكتابة ليست إلا محاولة ترميز للكلام وضعها الإنسان لحاجته إليها. لذلك فالكلام أو التحدث مهارةٌ أساسية ومهمة، وتسبق مهارة الكتابة التي تُعد هي الأخرى مهارة إنتاجية تعبيرية. 
 

ومهارة الكلام هي قدرة الشخص على التواصل اللغوي/الشفهي بالآخرين بهدف التحاور ونقل الأفكار والمشاعر والأحاسيس والمعارف، وذلك بشكل تفاعلي مباشر في المحادثات والحوارات والنقاشات والمحاضرات والاجتماعات التي تجري في الحياة اليومية والعملية والعلمية، أو بشكل غير مباشر في التلفون ووسائل الاتصال والإعلام المسموعة.
 

ومن المؤكد أن التواصل الكلامي ليس محصورا فيما تنطقه اللسان من ألفاظ، فالعناصر الجسدية والسياقية غير اللفظية، كمظهر المتحدث وحركات جسده ونظرات عينيه وما يحيط به، وكذلك طبقات الصوت، تقوم فيه بدور كبير وتؤثر في تقبل المستمع للرسالة واقتناعه بها. وتتضمن عملية النطق اللغوي الفعّال نوعية الصوت وحجمه وطبقته ومعدل سرعته والتوقفات، بينما تتضمن عناصر التواصل الجسدي: المظهر، والوقوف، وتعابير الوجه، والاتصال البصري، والحركة، والإيماءات.
ومهارة الكلام مرتبطة بمهارة الاستماع؛ فهي تكتسب بتقليد الأصوات التي نسمعها صغارا وكبارا. والممارسة الفعلية هي ما ينبغي أن نعمد إليه كي نساعد الطفل على تنمية مهارة التحدث أو الكلام. ولارتباط مهارة الكلام بالعفوية والتقليد لا يتم عادة الاهتمام بها مقارنة بالمهارة اللغوية الانتاجية الكتابية، ويندر التركيز عليها من قبل المدربين والمعلمين، وعادة ما يتم الربط بين تعليم التعبير ومهارة الكتابة، ونادرا ما يطلب من التلميذ أو الطالب أن ينتجا تعبيرا كلاميا. وفي كتب المهارات اللغوية يتم التركيز على فن الإلقاء والإقناع والخطابة والتقديم، وكأنّ كل من أراد أن يتقن فن التحدث يريد أن يصبح خطيبا أو مذيعا. 

 

 

ومع ذلك، لصقل مهارة الكلام وتنميتها ينبغي تعليمها من خلال التدرب في كافة المراحل الدراسية؛ فمهارة الكلام مثل أي مهارة أخرى يمكن صقلها لدى الصغار والكبار الذين يودون الكلام بطلاقة ووضوح ونقاء.
 

ولصقل مهارة التحدث علينا الاهتمام كثيرا بجهازنا التنفسي الذي بواسطته نستطيع أن نتحكم بنغمة الصوت وارتفاعه وانخفاضه حسب الموقف. فعندما نكون في صحة جيدة عادة ما يصبح كلامنا خالياً من أخطاء النطق واللفظ غير السليم، ونتمكن من التحدث بصوت معتدل يضمن إيصال رسالتنا بوضوح. ولا شك أن المرض والتعب يؤثران في الجهاز التنفسي ويؤديان إلى بروز بعض التشويش والحذف، والإضافة، والإبدال، والقلب عند نطق بعض الكلمات. ولتفادي تلك الأخطاء علينا أخذ فترات صمت أثناء التحدث، واستخدام المفردات والمصطلحات البسيطة والمألوفة لدى المستمع، وكذلك الجمل القصيرة السلسة، وعلينا تجنب (الشطح) والاستطراد والإفراط في التفصيل والربط الواضح والمتواصل في الأفكار، وعدم المبالغة في الاستعانة بالأوراق المكتوبة أو المذكرات التي تصرفنا عن المستمع والمباشرة والتلقائية، وكذلك الحركات العصبية، وتجنب التراخي والتثاؤب، وأيضاً الحركات الجسمية التي لا ضرورة لها والحركات الاستعراضية المنفرة.
 

وبما أن التحدث يُعد في أحد أبعاده نشاطا فكريا يعكس مستوى ثقافة المتكلم ومدى عمقه الفكري ونضجه العقلي علينا الاهتمام بتنمية ذخيرتنا الفكرية واللغوية المعجمية التي تساعدنا على العرض والشرح وتنسيق الحديث بطريقة تلقائية، ومن المعلوم أن مفردات الكلام تختلف أحيانا عن مفردات الكتابة والقراءة، فمفردات الكلام هي مجموعة الكلمات التي تستخدمها في المحادثة اليومية، وهي أقل بكثير من مفردات القراءة. ومع ذلك أعتقد أن علينا السعي إلى التقريب بين ما تنطقه لساننا وما يكتبه قلمنا لكي نتجنب الكلمات العامية في الكلام واستخدام المفردات المتفاصحة في الكتابة. كما أن ذلك يشجع الطلبة على التعبير عن أنفسهم شفهيا وكتابيا.
 

ومن أبرز أهداف التدريب على مهارة الكلام: القدرة في السيطرة على اللغة بوصفها وسيلة للتواصل والتفكير والتعبير، ولأن سلامة اللغة أهم ما ينبغي مراعاته أثناء الكلام يركز المربيون على تحقيق التلقائية والعفوية والطلاقة في الكلام والاسترسال فيه. وعاد ما يهتم المدربون على تنمية قدرة المتعلم على تشكيل جمل مفيدة، وتدريبه على الارتجال وتعزيز مشاعر الثقة بالنفس لديه من خلال إزالة الخوف والخجل وما ينتابه من تردد، وبالخبرات التي تستدعيها متطلبات الحياة كالمواجهة المباشرة في الحوارات والمناقشات العامة والاجتماعات. وعلينا كذلك تشجيع المتدربين على التعبير الشفهي الحر عن خبراتهم ونظرتهم الخاصة في مختلف أمور الحياة، تنمية قدرتهم على السرد أو التلخيص الشفهي للأحداث والمعلومات. باختصار لصقل مهارة الكلام علينا أن نغرس في المتدرب الثقة بالنفس وزيادة القدرة على اختيار الأفكار وتنظيمها وزيادة القدرة على استخدام الكلمات المعبرة واستخدام الصوت المعبر والنطق المتميز واستخدام الحركات الجسمية والوقفة المناسبة والقدرة على تكييف الكلام وتنظيمه وتوظيفه بحسب الموقف أو المقام. فلكل مقام مقال. 
 

وأخيرا نؤكد أن ترتيل القرآن والقراءة الجهرية، بوصفهما إنتاجا شفهيا، يعدان من أهم الروافد الأساسية المساعدة على صقل مهارة الكلام. لهذا علينا الحرص على تلاوة القرآن وقراءة الشعر والنصوص الأدبية الجميلة بصوت مرتفع وانتظام لكي ننمي مهارتنا الكلامية.
 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً