الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في الذكرى الأولى لرحيله
الشاعر علي عبد الرحمن جحاف ... زمن في شغاف القلب ( الحلقة الأولى ) - علوان الجيلاني
الساعة 16:59 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


كان ذلك ظهر يوم الجمعة 21أغسطس 1997م ، حين قررنا بعد شوق طويل أن نقتحم بيته لنراه ونتعرف عليه عن قرب، تناولنا غداءنا مبكراً فقد قيل لنا إنه على عادة الأقدمين وقت تناوله القات بين صلاتي الظهر والعصر، كنا قد حصلنا على تلفونه من بعض أقاربه ، اتصلنا به فرحب بنا ووصف لنا المكان .في الحصبة خلف مبنى اليمنية .. اشترينا القات واتجهنا إلى مقيله ، دلفنا إلى غرفة صغيرة في الزاوية اليسرى منها رجل ملائكي السمات صغير الحجم يتهادى إلى الستين من العمر ولما يصلها بعد ، أمامه مصحف مفتوح على كرسي خشبي .. وفي وسط المكان سجادة غير مطويه ، المكان أنيق وبسيط ورائحته عابقة ببخور العود ..
قبلت رأسه وضممته إلى صدري كطفل صغير ، رفع رأسه إلى وجهي متأثراً وهو يقول أنت علوان الجيلاني ...:
قلت نعم : قال أتابعك وزاد أخي حسن " الشاعر الكبير حسن الشرفي " كلمني عنك مراراً ..
قلت : أستاذي وتاج راسي 
قطع اندماجنا أحمد سليمان : خلاص باقي أنا 
ضحكنا فيما كانا يلتحمان في عناق حميم وحرص هو أن يلقي نظرة على عرجة أحمد سليمان كأنما ليتأكد من أنه هو الذي وصف له .. وبادره قائلاً : أمس اتصل بي أناس من جبل صبر في تعز .. كانوا في عرس وكانوا متراهنين على قصيدة " امسأله كبريتو" بعضهم ينسبونها لي والبعض الآخر يقولون : لا هي لشاعر غيره .ثم بحثوا عن تلفوني واتصلوا بي ، قلت لهم : هذه لشاعر تهامي اسمه أحمد سليمان ، ويالجمال الصدف هاهو أحمد سليمان اليوم في بيتي ..

 

لم يعرف أحمد سليمان ما يقول فرغم أن جحاف كان يحكي الموقف بمنتهى البساطة إلا أنه كان يتحدث بأريحية ومحبة وفرح لا تلمسه عند كبار المبدعين في العادة فهؤلاء غالباً ما تقتلهم النرجسية والكبر والتعالي ، لكن تلمسها عند كبار النفوس والعقول ، وعند أحباب الله وأوليائه الكرام ، كان بإمكان صاحب " طاير امغرب" و " ياريم أرض الشرف " و " كاذي شباط " أن يقول لنفسه بلاش أكبّر له راسه " يفعلها كثير ممن نظنهم كباراً"
لكنه كان جحاف بروحه وبساطته التي تكتنز العظمة والمجد كله .

 

عانقه أحمد سليمان مرة أخرى وهو يتمغشن باكياً وعلى طريقته المعتادة قال له : أنا أحبك من بعيد لكني لم أكن أتخيلك بهذا الجمال والقرب ..
اتكأنا ونحن نشعر من فرط ألفته وبساطته أننا تربينا معه ، وسرعان مادار بنا المكان وحلقنا معه مدة ساعتين كاملتين أسمعنا من شعره " الغريم المشرشف " و تحدث عن قصة "طاير امغرب" التي غناها أيوب في الوقت الذي كان هو غائباً في ملكوت الله وأسمعناه من أشعارنا وتحدثنا عن تهامة وعن رفيق عمره الشاعرحسن الشرفي وعن زمن مجلة الكشكول وصداها العريض الذي أحدثته سنة 1992م والأضرار لحقت به جراءها ، ثم تحدثنا عن معشوقته المذيعة الشهيرة في قناة mbc رانيا برغوث وأسنمعنا جملة من قصائده فيها، و تحدثنا عن قصائده المكشوفة التي يتناقلها الناس ويحفظونها على نطاق واسع .. نسينا أفسنا في حضرة متحدث ألذ من العسل ، وإنسان أبسط من الفطرة ذاتها ..

 

وفجأة صدمنا أذان العصر ، لقد انتهى المقيل وعلينا أن نستأذن ، وطلب أحمد سليمان أن يدخل الحمام ولكنه وهو ينهض ركل بقدمه المتفل وأوقعنا في حرج كنا في غنى عنه ، إلا أنه كعادته حول الحرج إلى نكتة ..
- واحد خزن عند رجل ذي مكانة الديوان مفروش بشكل راق وأنيق ، بعد قليل استأذن ليدخل الحمام وبسب تخديرة القات لم ينتبه صدم المتفل بقدمة ووسخ .. صاحب البيت كتم غيضه وراح ينظف الوسخ بالمناديل والرجل يقول خير خير خير ، دخل الحمام وعاد وبعد ساعة قام مرة أخرى للحمام فصدم المتفل ووسخ المكان أكثر من المرة الأولى .. وراح صاحب البيت ينظف كازاً على أسنانه وصاحبنا يرددد خير خير خير ..دخل الحمام وعاد وبعد ساعة قام يريد الحمام فصدم المتفل بقدمه مرة ثالثة .. وقال خير خير خير ..قال له صاحب البيت : اخرج خرجت نفسك مهدت الديوان مهد وانت بتمكني خير خيرخير ..
وضحك جحاف حتى كاد يقع على الأرض وهو يردد : فداك يا غالي فداك 
وكان ذلك أول معرفتي الشخصية المباشرة بفقيد اليمن الشاعر الكبير علي عبد الرحمن جحاف .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً