الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
'زليخات يوسف' لعلي السباعي..الحكي بوصفه سحراً سردياً - علي حسن الفواز
الساعة 15:30 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 
يقترح القاص علي السباعي مستويات افتراضية لاشتغالات نصه القصصي، هذا النص الذي يحاول من خلاله استغوار عوالم واقعية ورمزية مفتوحة على تأويلات قرائية واسعة، مثلما يحاول استشراف ما يهجسه مخياله السردي من مقاربات تلامس هذا الواقعي والرمزي، وبما يجعل هذا النص عبر شواهده القصصية التي يقترحها القاص،اشبه بالتماهي مع الصناعة الافتراضية لـ (الظاهرة الحكائية) التي اعتمدها جيرار جينيت في قراءته لتوصيف مستويات الظاهرة السردية، من خلال توظيف اشتغالاتها في اطر زمنية متقابلة (الزمن الواقعي والزمن الميثولوجي) وعبر توظيفات رمزية توظف شفرات الاسماء والدلالات في سياق صراعي تتفجر من خلاله سرديات ثانوية متشظية يقوم باستحضارها القاص العليم في قصصه، حتى تبدو وكأنها قصص متداخلة.

 

افتراض القاص لهذه المستويات القصصية تضعنا امام لعبة ايهامية في الاشتغال السردي من خلال تداخل التاريخي الحكائي مع الميثولوجي، والواقعي مع التخيلي، وبما يضع لعبة القص امام سياق مركب من الاحالات الى ما تسبغ به هذه الاشتغالات على مستويات الحكي بوصفه محاولة للكشف عن ازمة الانسان في الواقع من خلال مركب السرد ذاته، حتى تبدو الاسماء والدلالات وكأنها اقنعة يوظفها القاص للتوغل في البنيات السردية المقابلة للواقع المعيش، وعبر تعالقات بين الزمن المستعاد والزمن الحاضر.
 

في مجموعته القصصية (زليخات يوسف) ينحو القاص علي السباعي الى الاستغراق في عوالم صراعية بطلتها المرأة التي تصطنع لتلك الصراعات ايحاءات تلامس الكثير من تفاصيل الواقع المعيش وتعقيداته الانسانية والاخلاقية من خلال اعتماد وعيه المتعالي/وعي القاص العليم في توظيف سردية التاريخ السحري، ورمزية النص الديني، وبما يجعل هذه الوظيفة (الظاهراتية) محاولة في اعادة تقصي مرجعيات عوالم الواقع الصراعي، ومرجعيات المسكوت عنه عبر وعي (الذات القاصة) ليوميات المرأة ووجوه حياتها الصراعية المتعددة، فضلا عن ما تستدعيه من نزوع لاستقصاء الرؤية السردية التي يقترحها القاص بوصفه الكاتب العليم من جهة، والكاتب الضمني للقص ايضا، والشاهد من جهة اخرى على استعادتها من خلال صناعة مستويات صراعية بين المرأة الزليخا (في الميثولوجيا) وبين المرأة في الواقع (مريم الحبيبة).
 

استقراء مستويات السرد عبر اعتماد وظيفة الرؤيا، هو استقصاء مقابل لرمزية مستويات الواقع، باعتبار ان وظيفة الاستقراء هي المعاينة، وهي ابتكار لتوظيف الاداة السسيورمزية كفاعل سردي في مكاشفة هذا الواقع عبر السرد، والارضي عبر المقدس، والايهامي عبر التاريخي
في قصة (مريم البلقاء) تتجسد هذه المجاورة الحادة ما بين الرمزي والواقعي من خلال استهلال فكرة اليومي الملغز بايحاءات الرمزي في القصة (بالامس احتفل العالم بعيد الحب، كان بائسا، باهتا، فارغا، طلبوا مني باقتضاب، خذ ثأر بنت عمك وخطيبتك مريم، واحفظ لنا هيبتنا) وكأن القاص يضع هذا المركب امام رغبة دفينة في الانحياز الى موضوعة المرأة التي قتلت ظلما (نموذج مريم) والتي تحتاج الى لعبة تطهير رمزي وتعويضي، لاأعرف كيف استعار لها القاص فكرة استحضار سيف جده اللامع الذي قتله الانكليز بأمر من الملكة فكتوريا، وهي بالمقابل ايضا استعارة داخلية ايضا لقتل النبي يحيى بأمر من المرأة ايضا. 

 

في هذه القصة يستعير القاص رؤيته للحدث من خلال توصيف المرأة مريم بقرينتها بالدلالية لـ (البلقاء)التي هي كنية لفرس مقدسة، اي استحضار هذا الرمز عبر أنسنته، وعبر اسباغ عليه صفة الطيران/الخلاص/التعالي بالموت، اي ترميز لفكرة اللامكوث في المكان الواقعي، والتماهي مع رؤية تقترب من بعض وظائف الواقعية السحرية لرمزية المرأة التي يحبها، ولتضخيم حضورها في الحكاية والسرد، وفي منظور القاص، ولاستدلال واقعيتها من خلال طبيعة الاحداث التي تقترن بسحرية موت مريم (صرخنا كلنا .... سقطت عباءتها عن رأسها سائحة ، ماطرة جسدها المديد بشلال دم يانع قرنفلي ارجواني) وطريقة وصف القاص لها في المكان الواقعي والمقدس في آن، ووصفه كذلك لطريقة موتها، اذ يجعلها تطير مع القطار الذي يجري سريعا مثل خيول فائق حسن.
 

في قصة (وساخات ادم) ينحاز القاص الى رؤيا الرجل الذي يصطنع لشفرة الخطيئة دلالة واقعية، هي توصيف ليوميات هذا الرجل الهابط الى وساخاته الارضية ليرى العالم وقد اكتظ باوهام تختصر (وجهة نظره) التي تضلل طريقه الى رؤية الاحداث والصراعات التي يقترحها السرد كشاهد على وعي القاص الظاهراتي للواقع المشوه والذي تضطرب ازاءه لغة القاص ذاته المعبرّه عن وعيه المضطرب حتى تبدو وأنها هذيان (مجانين، نفايات، زعيق، خبطة عنيفة، عيناه محمولة داخل نعش من دموع رمادية)
 

في قصة (وتبقى قطام) ثمة استعارة سردية لرمزية المرأة الغاوية في التاريخ، والتي قد تكون مثالا ارضيا، فقطام هي امرأة تضلل الطريق الى المعرفة، والى المعنى، وتترك الاخرين مأخوذين بهذه الغواية، وهذا (التضليل) يمثل وجهة نظر القاص السارد لبعض مظاهر الواقع الخارجي الذي لايجد القاص استبطانا لسرائره الاّ من خلال رمزية المرأة الخائنة والغاوية والمحرضة على القسوة في التاريخ (قطام، سيميا، وزوجة ابي لهب) (أعادت حبل البرسيم إلى رقبتها فتراكضت ظلال دماها متقدمة صوب متنها اصبحن / في جيدها حبل من مسد).
 

في هذه القصة ادانة للخطيئة، وادانة للقسوة التي يواجهها الانسان، والتي يكشفها القاص من خلال بنية حوارية على لسان قطام، اذ تأخذ هذه الحوارات بعدا نفسيا ودراميا يتقصى الكشف عن كشف ازمة مايراه الرجل المأزوم بالمرأة، ومايمكن ان تستعيده المرأة عبر حواراتها من منظور يكشف بالاساس عن ازمة الواقع، وازمة حياة الناس في يومياته المصابة بفوبيا الصراع الازلي مع الخطيئة، والتي يصطنع لها القاص قناع خطيئة الانسان في الواقع، والاثر الراكز منها في اللاوعي الجمعي الهارب من اصل فكرة الخطيئة في المقدس ذاته.
 

هذه المجموعة تكشف عن حيوية ابداعية لصوت قصصي شاب، يرى عبر سردية مخياله القصصي العالم وهو يعيش ازماته الداخلية، وازمات صراعاته المطموسة رمزيتها في التاريخ والواقع. القاص علي السباعي يكشف من خلال (زليخات يوسف) وعيا استثنائيا لوظائفية السرد الذي ينقل (وجهة النظر) من مستواها المباشر الى مستوى الكشف الذي يلامس الحيوات الداخلية (في التاريخ والميثولوجيا والمقدس والواقع) وهي مشغولة بصراعات تتماهى مع الكثير من الحكايات التي تلتقي عند رمزية زليخا المتشظية الى (زليخات) موغلة في التاريخ الجنسوي للمرأة، وعند رمزية يوسف المهاجر الذي يبحث حالما عن عالم اكثر انصافا للانسان الذي يواجه الحروب والخرابات والتهميش وحيدا محاصرا بغواية الزليخات من جانب، وقسوة الطغاة من جانب اخر.

منقولة من القدس العربي ..

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً