الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
إدوارد سعيد: نحو قراءة متجددة - هشام علي
الساعة 17:18 (الرأي برس - أدب وثقافة)


 

إدوارد سعيد، المفكر العربي- الأمريكي، مقدسي المولد وفلسطيني الأصل، لا يزال يطرح أمامنا، نحن المثقفين العرب أسئلة راهنة، رغم مضي وانقضاء أربعة عشرة عاماً على وفاته. والسؤال الأهم في رأيي، هو سؤال القراءة: قراءة فكر إدوارد سعيد الممتد بين السياسة والأدب والنقد المقارن، فكر إدوارد سعيد المنشغل بالاستشراق والخطاب الكولونيالي، وثقافة الإمبريالية والهيمنة، وغيرها من القضايا التي كان يطرحها في كتاباته المختلفة، بالإضافة إلى أسئلة الهوية الثقافية والتنوع الثقافي، أسئلة الهجرة والمنفى وما تثيره من تشظيات ولوعة داخل الروح والوعي والمكان، أو بالأحرى قلق العيش "خارج المكان" وهذا هو العنوان اللافت لسيرته الذاتية التي جمعت العيش بين عالمين، بين ثقافتين، اختلطت فيهما عمليات الهيمنة وإرادة التحرر، وسار فيهما المستشرق بدفتر ملاحظاته، والمقاوم الذي يعيد تفكيك الثقافة الإمبريالية ليتحرر من هيمنتها.

وأمام هذا الفضاء الواسع من فكر إدوارد سعيد وتنوع اهتماماته وانشغالاته النقدية، فإننا نقول إن الدعوة إلى تحقيق قراءة نقدية متجددة لكتاباته لا تزال أمراً راهناً ومطروحاً بشكل ملح، وتزداد أهمية استئناف قراءته إذا علمنا أن عدداً من كتبه المهمة لم تترجم بعد إلى اللغة العربية، ناهيك عن عمليات إساءة القراءة والتشويه الإيديولوجي والسياسي التي وقع فيها عدد من المثقفين العرب الذين قرؤوا إدوارد سعيد ولكنهم لم يفهموه! هذه القراءات العاجزة، أو القراءات التي أخفقت في فهم إدوارد سعيد، يمكن أن تفسر لنا المفارقة التي حدثت في أوساط المثقفين العرب، عند صدور كتابه "الاستشراق" في مطلع الثمانينات، حيث تحمس "الأصوليون" للنقد الشديد الموجه للغرب وهيمنته، وللربط الذي قدمه الكتاب بين الاستشراق والاستعمار، وأهملوا ما احتواه الكتاب من علمانية وفكر نقدي عقلاني يتخلف عن تفكيرهم.

وفي الجانب المقابل، نجد قراءة المفكر العلماني د. صادق جلال العظم التي وقعت في شراك الايديولوجيا الماركسية، ورفضت نقد إدوارد سعيد للاستشراق والهيمنة، ووجدت أنه نوع من "الاستشراق المعكوس".

هل أقول إننا لم نقرأ إدوارد سعيد بعد، أو إننا لم نقم بقراءته كما ينبغي، أيّ قراءة تفكيكية نقدية واعية، مثل تلك التي قام بها سعيد في قراءته للاستشراق، أو قراءته للمفكر الإيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي..
وأكاد أقول إننا لم نستوعب فكر إدوارد سعيد بصورة كاملة، وأخشى أن ننصرف عن قراءته، كما هو دأبنا نحن العرب، الذين نتوقف عن قراءة أيّ مفكر في أعقاب وفاته، كأن نهاية حياة المفكر تضع حداً لتفاعلنا مع فكره.

لقد كان إدوارد سعيد، بما امتلك من ثقافة نقدية معارضة وخارجة عن المألوف، يدور في فلك بعيد عن ثقافة الاستنساخ والتقليد والعجز التي سادت في عالمنا العربي. كان مفكراً مختلفاً بكل ما يعنيه الاختلاف من معنى فلسفي ونقدي. ولهذا يظل مشروع إدوارد سعيد الفكري والنقدي مطروحاً أمام المثقفين العرب، ليس لتكراره، بل لإعادة إنتاجه نقدياً ولاستئناف دوره. ويظل السؤال عن المثقف العربي ما بعد إدوارد سعيد، مطروحاً ولازماً.

انتقل الآن إلى استقبال إدوارد سعيد في أوساط المثقفين اليمنيين. كيف قرأنا إدوارد سعيد، كيف تلقينا نقده للاستشراق، وكيف تحاورنا مع فكره الناقد للإمبريالية والكولونيالية، كيف تفاعلنا مع كتاباته عن المنفى والهجرة، عن العيش بين ثقافتين والعيش خارج المكان، عن المثقف الكوني الذي مثّله إدوارد سعيد وعبّر عنه في كتاباته.
ينبغي أن نشير هنا إلى أن كتابات إدوارد سعيد وأفكاره المتنوعة، تتقاطع مع مشاغل المثقفين اليمنيين، بل إنها تتداخل مع اهتمامات الإنسان اليمني بشكل عام. فاليمن المعاصر الذي قام تاريخياً على ازدواج جغرافي، تمثل في النظام الإمامي التقليدي في الشمال والنظام الاستعماري في الجنوب، هذه الجغرافيا التاريخية المزدوجة، سار فيها المستشرقون من حدود الصحراء في حضرموت وشبوة ومأرب إلى صنعاء وصعدة وغيرها من المدن، حيث القبيلة والتقاليد والنظام الإمامي، وفي المقابل كانت الكولونيالية والنظام الاستعماري تمتد في عدن والجنوب لفترة تتجاوز قرناً من الزمان. هكذا تبدو اليمن بتطورها التاريخي والجغرافي، صفحات مطوية في فكر إدوارد سعيد الممتد من الاستشراق إلى الإمبريالية.

ولعل أسئلة متداركة تتنزّل أمامنا، هل قرأنا الكتابات الاستشراقية عن اليمن، على ضوء منهج إدوارد سعيد وفكره. هل استفدنا من أطروحات إدوارد سعيد عن الإمبريالية وثقافتها، ونحن لم نحاول تحرير فكرنا من الخطاب الكولونيالي الذي تبين لنا اليوم أنه لا يزال حاضراً في أذهان كثير من السياسيين والمثقفين الذين لا زالوا يحلمون بعودة الاستعمار ونظام الإمامة، وما بينهما من منظومات عشائرية وقبلية وعصبية .

من الواضح أننا لم نقرأ فكر إدوارد سعيد بعد، أو أننا قرأناه ولم نستوعبه تماماً، في زحمة الخطابات الإيديولوجية، وفي زحمة تيارات العولمة ونهاية الحرب الباردة، وفي زحمة عودة الإمبريالية والاستعمار، كما ظهرت في حروب أفغانستان والعراق، ثم سوريا وليبيا واليمن، حيث يتم عملية جرد تاريخية وعسكرية لهذه الدول التي تشهد صراع الممالك والجمهوريات، وحرائق إمبراطوريات البترول والغاز، وصدام القبيلة والدولة، وغير ذلك من التغيرات السياسية والتاريخية التي تضع التغيير الراهن في أزمة.

ولهذا كله، نجد أن إدوارد سعيد ما يزال راهناً ومعاصراً لنا، يطرح أسئلته الفكرية والتاريخية، ويضيء لنا المسالك للقراءة والتفكير.

منقولة من صحيفة اليمني الأمريكي ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً