الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الترجمة وتداخل التخصصات - مسعود عمشوش
الساعة 11:11 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


الترجمة فنٌ وموهبةٌ، وهناك من يعدّها فناً وعلماً في الوقت ذاته. لذلك فهي مهارة تُصقل بالتمرُّنِ والممارسةِ وليس بالتعلُّمِ وحده.
وهي قبل هذا وذاك حقلٌ متعدد اللغات والتخصصات. ومن المؤكد أن إتقان اللغة الأم والقدرة الفائقة على التعبير بها يأتيان قبل شرط إتقان لغة أجنبية أو لغتين أجنبيتين ليستطيع المرء أن يقترب من هذا الحقل ويصبح مترجماً. فأنت إذا لم تكن قادرا على التواصل والتعبير السليم في لغتك الأم لن تكون قادرا على ذلك في اللغة الأجنبية، ومن ثمّ على الترجمة. وليس كل من تعلم لغةً أجنبية يمكن أن يترجم منها أو إليها ويصبح مترجما. وكذلك لا يمكن أن يكون قسم اللغة العربية (اللغة الأم)، أو قسم اللغة الإنجليزية أو قسم اللغة الفرنسية أو الألمانية رديفا لقسم الترجمة.

 

وبما أن إتقان اللغة الأم والقدرة الفائقة على التعبير بها هما الشرط الأول لممارسة الترجمة ودراساتها ففي البلدان الغربية (وبعض البلدان العربية) يتم إخضاع دراسة الترجمة للغة الأم وليس العكس. لهذا يجمع المهتمون الدارسون اليوم على أن الترجمة، مثل كثير من التخصصات الحديثة، تخصصٌ تتداخل فيه بالضرورة عددٌ من الحقول والتخصصات واللغات. وهذه طبيعته. ومن التعسف السعي إلى إخضاعه لتخصص أو قسم آخر.
 

ومن غير المتوقع أن يستطيع عالم لغات يتقن لغتين مختلفتين لكنه يجهل الثقافتين الخاصتين بتلك اللغتين أن يترجم بينهما. فالترجمة عملية نقل لدلالات الكلام وليس للمعاني المجردة أو المعجمية للمفردات، ودلالات الكلام تشارك فيها عناصر كثيرة غير لغوية: ثقافية اجتماعية سياسية وحضارية... الخ. وحينما يتضح لنا الارتباط الوثيق بين اللغة والثقافة، ندرك أن الترجمة لا يمكن النظر إليها بوصفها جانبا من اللغويات التطبيقية: إذ أنها تستمد أهميتها ليس فقط من اللغات ذاتها، وإنما من الفكر والثقافة المحيطين باللغة المترجم منها واللغة المترجم إليها. لهذا تتداخل في الترجمة الحساسية اللغوية مع الحساسية الثقافية، وسبق أن تحدثنا عن صعوبة الترجمة من/أو إلى لغة أجنبية لا نلمُّ بكل مكوناتها الحضارية.
 

مثلا إذا كنَّا نستطيع أن نترجم مجلس الشيوخ بـ The Senate فهذا ليس صحيحا إلا إذا كان الحديث عن بريطانيا، ففي الولايات المتحدة مجلس الشيوخ هو: The House of Lords. وفي الفرنسية يصبح رئيس الوزراء الوزير الأول، ووزير الخارجية وزير الشؤون الخارجية. وبسبب ضعف الخلفية الثقافية واللغوية استخدم أحد الزملاء الكلمة الإنجليزية fortified ليترجم بها خطأً (مصلوب) العربية، واستخدم كلمتي Secret Infantry ليترجم بهما (سرية المشاة) في اللغة العربية.
 

لذلك تعدُّ الترجمة اليوم، ممارسةً ودراسةً، من أخصب التخصصات البينية الحديثة interdisciplinary specialization. ولا شك أن تخصص الترجمة يتداخل اليوم مع النقد الثقافي والأدب المقارن، وعلوم الحاسب، والتاريخ، وعلم اللغويات، بالإضافة إلى فقه اللغة، وعلم الفلسفة، وعلم العلامات (السيمياء)، وعلم المصطلحات. وفي بريطانيا يتم المزج بين تخصص الترجمة وتخصص الأدب المقارن، تحت مسمى الدراسات الترجمية. وفي المغرب العربي يتم المزج بين تخصص الترجمة وتخصص الأدب المقارن. 
 

ولهذا يلاحظ أن كثيرا من ممارسي الترجمة، هم أفراد ينتمون إلى تخصصات مختلفة، أهمها الأدب وليس اللغويات. فمعظم رواد نهضتنا الأدبية، كرفاعة الطهطاوي وطه حسين وتوفيق الحكيم ومحمد علي لقمان هم أكثر من مارسوا الترجمة إلى لغتنا العربية. والمترجم العربي الشهير اسحاق بن حنين كان طبيبا، وعبد الله فاضل تخصصه رياضيات وأدب، وسعيد عبدالخير النوبان كان تربويا.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً