الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
في ذكرى محمد الفيتوري.. شاعر أفريقيا بلسان عربي مبين.. - د.عبدالحكيم باقيس
الساعة 13:40 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


"دائما تحاصرني عيونهم.. ضحكاتهم.. تتابعني حيثما أسير.. إنهم يسخرون مني.. منظري يثير فيهم روح السخرية والاستهزاء.. لقد فضضت سر اللغز.. سر المأساة التي ولدت معي.. إنني قصير وأسود ودميم.."
 

هكذا كان يقول لنفسه، وكان يفضح نفسه فقط أمام نفسه.. وخرس فلم يستطع أن يجيب، وبعد ذلك بأعوام قلائل استطاع أن يتأوه"
كتب هذه الكلمات الشاعر محمد الفيتوري في مقدمة ديوانه التي تحدث فيها عن تجربته الشعرية..
وكان ذلك التأوه شعرا إنسانيا عصر فيه كل ذكريات اﻷلم والشعور بالغربة والاغتراب..فصاغ: أغاني أفريقيا، اذكريني يا افريقيا، وعاشق من افريقيا.. وكثيرا من البوح الشعري العذب..
لا أدري سر إعجابي المبكر بهذا الشاعر الكبير في تألمه وإنسانيته..

 

أعتقد أنك لن تفهم سر عبقرية هذا الشاعر وإنسانيته بعيدا عن معايشة بيئة نفاق قبلي واجتماعي مثل بلدنا هذه.. أو بيئة مماثلة في قبحها ودمامة نفاقها..!.
كان اللقاء اﻷول الذي جمعني بحرف هذا الشاعر الكبير.. يوم أن سقط ديوانه بيدي في مطلع الثمانينيات (في مكتبة مؤسسة 14 أكتوبر الحكومية، التي كانت تقع تحت مسجد النور في عدن، حي الشيخ عثمان.. والتي تحولت اليوم إلى بسطة كبيرة لبيع اﻷحذية.. هل هناك ما هو أقسى من ذلك علينا اﻵن!.. طبيعي أن يحدث ذلك في مجتمعاتنا التي تنتج التخلف والاستبداد، وتعيد انتاج نفاقها الاجتماعي والسياسي بصور متعددة..!).

 

منذ أن عثرت على محمد الفيتوري رحلت بعد ذلك معه في عالمه الشعري المهموم بقضايا إنسانية كبرى تتجاوز الهويات الضيقة.. وقد كان للطعم اﻷسود جمال ووهج خاص..
وللفيتوري صوفية خاصة، وكيف لا، وهو متفرد في صباه، يكره اﻷضواء والزحام ويميل إلى العزلة.. ويحب رؤية القبور، وصلاة الفجر، ويكره الحفلات واﻷعراس..

 

في قصيدة (يوميات حاج إلى بيت الله الحرام) التي قالها في الستينيات من القرن الماضي يكثف مشهد الخيبة المتناسلة في مناجاة شعرية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم..
 

يا سيدي عليك أفضل السَّلام
من أُمَّةٍ مُضَاعَهْ
خاسرة البضاعَهْ
تقذفها حضارة الخراب والظلام
إليكَ كلّ عام
لعلّها أن تجدَ الشّفاعَهْ
لشمسِها العمياء في الزحام
يا سيدي
منذ ردمنا البحر بالسدود
وانتصبت ما بيننا وبينك الحدود
متْنا..
وداستْ فوقنا ماشيةُ اليهود
يا سيدي
تعلمُ أنْ كان لنا مجدٌ وضَيّعناه
بَنَيْتَهُ أنت، وهَدَّمناه
واليوم ها نحن!
أجل يا سيدي
نرفلُ في سقطتنا العظيمهْ
كأننا شواهدٌ قديمهْ
تعيشُ عمرَها لكي
تُؤَرّخَ الهزيمهْ!!
لا جمرَ في عظامِنا ولا رمادْ
لا ثلجَ لاسوادْ
لا الكفرُ كلّه ولا العبادَهْ
الضعفُ والذّلّة عادَهْ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً