الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
علي صالح الخلاقي من الترجمة إلى الانثروبولوجيا - أ.د. مسعود عمشوش
الساعة 13:59 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



ولد الأستاذ الدكتور علي صالح الخلاقي في قرية (خلاقة) بيافع عام 1956، ودرس المرحلة الإعدادية في لبعوس، والمرحلة الثانوية في زنجبار وعدن. وعمل في اللجنة المركزية لاتحاد الشباب لليمني الديموقراطي بعد الثانوية العامة وترأس وفداً طلائعيا إلى بغداد، في يوليو عام 1978. ثم عمل في مجال الصحافة والإعلام أثناء فترة أدائه الخدمة العسكرية. وبفضل أدائه المتميز تم تكليفه بتقديم برنامج (جيش الشعب) في إذاعة وتلفزيون جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وانضم حينها إلى منظمة الصحفيين اليمنيين، ومثلها عام 1984 في المؤتمر الدولي للصحفيين الذي عقد في بيونغ يانغ كوريا الديموقراطية. ثم غادر إلى الاتحاد السوفييتي سابقا وهناك تحصل على شهادة الماجستير في الصحافة الدولية عام 1992، وعلى شهادة الدكتوراه في التاريخ عام 1996.
 

الخلاقي وسقطرى:
يذكر أ.د. علي الخلاقي، أن اهتمامه بجزيرة سقطرى يعود إلى أواخر عام 1979، حينما وطأتها قدماه لأول مرة، وأتيحت له فرصة التعرف عليها. وبعد عودته منها كتب مقالا في صحيفة (14أكتوبر) الصادر في 1 يناير 1980 بعنوان (تعالوا نقرأ معاً صفحات جزيرة العطور والبخور والسمك) وعنوان فرعي آخر (سقطرى.. من شجرة دم الأخوين إلى آمال الجزيرة السياحية). ويضيف "ثم تكررت زياراتي لها بعد ذلك عدة مرات أثناء عملي الإعلامي في إعداد وتقديم برنامج (جيش الشعب) الإذاعي والتلفزيوني حتى منتصف الثمانينات. وقد أسرتني منذ الوهلة الأولى بطبيعتها الساحرة ومناظرها الخلابة.. ونقاوة وصفاء سكانها ونبل أخلاقهم، وهو ما جعلني مشدوداً إليها ومتابعاً لما يُكتب أو يُنشر عنها".
 

وشارك الخلاقي في الندوة العلمية التي نظمتها جامعة عدن حول سقطرى عام 1996 ببحثين: الأول بعنوان (سقطرى في صفحات التاريخ) والثاني (الثقافة الروحية للسقطريين)، كما شارك ببحث عن (الزواج لدى السقطريين) في الندوة الدولية العلمية الثانية حول (الاستراتيجية التنموية لأرخبيل سقطرى والجزر اليمنية) التي عقدت في رحاب جامعة عدن في ديسمبر2003.
 

 

الخلاقي مترجما
كان علي صالح الخلاقي، خلال دراسته في الاتحاد السوفييتي ثم في روسيا، ينقب في المكتبات الروسية عن كل ما كُتب عن بلاده بدافع معرفة ما يقوله الآخرون عنها، وبعد تمكُّنه من اللغة الروسية، قام بترجمة عدد من الموضوعات الروسية عن سقطرى في عدد من الصحف المحلية. وذات يوم لفت انتباهه كتاب بعنوان (هناك حيث ولدت العنقاء)، لفيتالي ناؤمكين، وهو أول كتاب روسي صدر عن سقطرى، وذلك عام 1973، وقد ضَمَّنه المؤلف انطباعاته ومشاهداته عن زيارته الأولى للجزيرة. ويقول الخلاقي: "فقرأت الكتاب بنهم، ثم تعرفت على مؤلفه شخصيا، وأبديت له رغبتي في ترجمته إلى العربية، فرحب بذلك، وأعطاني موافقة خطية بذلك. وقبل أن أكمل دراستي العليا كنت قد استكملت ترجمته وعرضت الترجمة العربية على المؤلف فاستحسنها. وفي إجازتي الشتوية فبراير 1994، سلمت النسخة المترجمة جاهزة للنشر للأستاذ د. صالح علي باصرة وكان حينها نائب رئيس جامعة عدن لشئون البحث العلمي، ووعدني بنشره متزامنا مع انعقاد الندوة الدولية العلمية الأولى حول جزيرة سقطرى (الحاضر والمستقبل).. وحين جئت من موسكو للمشاركة بتلك الندوة التي عُقدت في جامعة عدن خلال الفترة من 24-28 مارس 1996، فوجئت بعدم صدور الكتاب عن مركز جامعة عدن للطباعة والنشر، وعلمت من د. باصرة، رئيس الجامعة حينها أن النسخة التي سلمتها له قد فُقدت بسبب الحرب والنهب الذي تعرضت له مرافق الجامعة، وغيرها من مؤسسات الدولة في الجنوب بعد حرب صيف 94، التي ألقت بظلالها على كثير من مجاري الحياة.. فتحسَّرت كثيراً لأنني لم أحتفظ بنسخة مصورة، لثقتي حينها أنها ستصدر بكتاب.. فما كان مني إلا أن شرعت فوراً بترجمة الكتاب مجدداً، وقبل تسليمه للطبع احتطت في هذه المرة بحفظ نسخة مصورة. وقد نُشر الكتاب عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر عام 1999".
 

ومن الكتب الروسية التي شدت انتباه الخلاقي (إثنوغرافيا حضرموت الغربية: المكونات العامة والمحلية في الثقافة السلالية) الذي نشره ميخائيل روديونوف عام 1992 باللغة الروسية، ويتضمن نتائج الأبحاث الميدانية التي قام بها المؤلف في المناطق الواقعة بين حورة ووادي عمد في غرب حضرموت، وذلك في إطار البعثة السوفييتية من 1983 إلى عام 1990. ومن الواضح أن طبيعة محتوى الكتاب هي التي شجعت د. علي الخلاقي على القيام بترجمته إلى العربية. فهو يؤكد أن (محتواه قد راقه). وفي الحقيقة يتناول الكتاب التركيبة الاجتماعية التقليدية في غرب حضرموت والحرف والصناعات التقليدية، وأسلوب الحياة التقليدي، والأعراف والعادات الشعبية، ونماذج من الشعر الشعبي، وملاحق عن التقويم المحلي والمقاييس والحكم والأمثال. 
 

وقد فضّل د. علي الخلاقي أن يترجم العنوان على النحو الآتي (عادات وتقاليد حضرموت الغربية: العام والمحلي في الثقافة السلالية)، وقد برّر المترجم ذلك قائلا في التقديم: "ترددت كثيرا في كتابة هذا التقديم، لأنني أشعر أن الكتاب ينبغي ان يقدم ذاته إلى القارئ مباشرة، بيد أن ما دفعني إلى هذا التقديم هو الشعور بعدم الرضى عن بقاء مصطلح اثنوغرافيا متصدرا لعنوان الكتاب، بعد تعريبه، ومبعث عدم الرضى أن هذا المصطلح الذي قد يفهمه القارئ الروسي ببساطه لأن مدلوله معروف في لغته، فهو مصطلح أجنبي بالنسبة للقارئ العربي، جاف المعنى ويشوبه الغموض، لاشتقاقه من الكلمتين اليونانيتين (اثنوس ومعناه شعب وغرافيا ومعناها وصف). فضلا عن ذلك، فأن المصطلح الشائع في روسيا بصيغته ومعناه، يقابله في بعض اللغات الغربية اثنولوجيا. كما أن عدم وجود معايير دقيقة لمثل هذه المصطلحات أو حدود فاصلة بينها وبين المواد المتاخمة أمر يجعل القارئ المهتم أسير عدم الفهم، ناهيك عن غموض المعنى بالنسبة لقطاع عريض من القراء، بفعل الأمية الهجائية والثقافية، ممن لا يعرفون ما تعنيه كلمة اثنوغرافيا. وهكذا رأيت أن أستبدل هذا المصطلح بصيغة عربية تجعل عنوان الكتاب أقرب إلى فهم القارئ العربي ووسمته بـ(عادات وتقاليد حضرموت الغربية) وأظنني لم أذهب بعيدا عن معناه، لأن الروس يطلقون مصطلح اثنوغرافيا على دراسة الثقافة الشعبية المادية، التي أراها تتجسد هنا بصورة جلية في العادات والتقاليد الشعبية، المادية والروحية، وهي الموضوعات التي يتناولها المؤلف في فصول هذا الكتاب، والتي أعفي نفسي من الحديث عنها، حتى لا أفسد على القارئ متعة القراءة والفائدة من خلال الإبحار بين دفتيه، وهي المتعة ذاتها التي حفزتني للإقدام على ترجمته فور الانتهاء من قراءتي لطبعته الروسية".ص7-8
و(السقطريون: دراسات إثنوغرافية-تاريخية)، الذي نشره باللغة فيتالي ناؤمكين عام 1992 هو الكتاب الثالث الذي قام د. علي صالح الخلاقي بترجمته إلى اللغة العربية، وهو أيضا يتضمن أبحاث عليمة ميدانية للبعثة اليمنية الروسية خلال الأعوام 1983-1987. وقد صدرت ترجمته الإنجليزية في لندن عام 1993م باسم (Island of the phoenix, أي جزيرة الفينيكس). وهذا ما حفزني أكثر لترجمته، فقد عزّ عليّ أن يُترجم إلى لغات أخرى ولا يستطيع القارئ العربي أن يحصل عليه بلغته الأم. فرأيت من الواجب أن أترجمه وأقدمه بصيغته العربية للقراء والمهتمين والمعنيين بهذه الجزيرة المدهشة.

 

ويعترف الخلاقي أن هذا الإنجاز هو "الأصعب في تجربتي المتواضعة مع الترجمة، لأنه أخذ مني وقتا وجهدا كبيرين، خاصة وأنني شرعت في ترجمته مع انشغالي في عملي الأكاديمي في جامعة عدن – كلية التربية – يافع. ومع ذلك لم تخُر عزيمتي أو تضعف همتي، وصبرت وصابرت على إكمال ترجمته. وللتدقيق بالترجمة تطلب مني الأمر السفر إلى سقطرى للتحقق من المسميات المحلية التي وردت كثيراً في فصول الكتاب بصيغتها الروسية، سواء أسماء المواضع أو البلدات والقرى والقبائل أو أسماء الحيوانات والأدوات والأثاث وغيرها مما ورد في فصول الكتاب. فمن غير المعقول أن أنشر مسميات سقطرية دون تحرٍ وتدقيق وعلى غير ما ينطقها السقطريون الذين لا أعرف لغتهم فكان عليَّ العودة إليهم لضبط هذه المسميات، خاصة حين تكون هناك عدة احتمالات لترجمة بعض الكلمات.. فعلى سبيل المثال تُنطق كلمة "دعرهُو" بالروسية "دئِرخُو" وهذا ما يبعدها كثيرا عن اسمها الحقيقي، وقس على ذلك كثيراً من الكلمات والمسميات الأخرى. ذلك أن الحاء والخاء والهاء تُنطق جميعها بالروسية بحرف واحد هو الخاء فقط. وقد مكثت أسبوعين في سقطرى لهذا الغرض اتنقل في عاصمتها حديبو بين حوانيتها وشوارعها، وذهبت إلى ضواحي حديبو وكذا إلى جبال دكسم وعدة بلدات في محيط حديبو والتقيت بكثير من السقطريين الذي كانوا يتجاوبون معي ويلتفون حولي يسمعون مني ويصححون ما التبس لدي من مسميات.. وكنت أدونها أولاً بأول كما أسمعها من شفاههم وأقوم بتشكيلها لتُقرأ بشكلها الصحيح. كما حرصت أيضاً أن أعود إلى المصادر العربية التي أخذ عنها المؤلف، فمن غير المنطقي أن أترجم أنا العربي عن الروسية ما اقتبسه المؤلف من مصادر المؤرخين والجغرافيين العرب أمثال: الهمداني، ياقوت الحموي، المسعودي...الخ. ولهذا عُدت إلى مظانها الأصلية واستقيت منها الاقتباسات كما وردت في الأصل العربي".
 

وإضافة إلى مقدمة المؤلف، يحتوي الترجمة التي صدرت عد دار جامعة عدن للطباعة والنشر عام 2013، على فصول ذات طبيعة اثنوغرافية وتاريخية واقتصادية وثقافية حول جزر سقطرى وعبدالكوري. كما يتناول الخصائص البدنية للسقطريين والحفريات. ولم يتردد المترجم أن في تضمين ترجمته للكتاب مجموعة من الصور التي التقطها نفسه في زيارته الأخيرة لسقطرى.
 

ومما لا شك فيه أن قيام د. علي صالح الخلاقي بترجمة ثلاثة كتب ذات طبيعة اثنوغرافية، أي تتناول العادات والتقاليد والتراث المادي والروحي الشعبي في بعض مناطق بلادنا قد شجعه على دراسة العادات والتقاليد الموروث الشعبي في مسقط رأسه: يافع. فهو يعكف منذ مطلع هذا القرن على جمع وتدوين وإصدار الموروث الشعبي التاريخي ليافع، ومن أبرز أصداراته في هذا الجانب: الشائع من أمثال يافع، الطبعة الأولى، دار جامعة عدن، عادات وتقاليد الزواج وأغانيه في يافع. 2006، و (شل العجب.. شل الدّان، ديوان يحيى عمر اليافعي وسيرة حياته) (ط1) 2006، (ط 2)2012، شاعر الحكمة صالح سند "خير من نشد"،2006، و فراسة شاعر ساجل نفسه -حقيقة ما دار بين الخالدي والقيفي من أشعار، 2006، والشيخ أحمد أبوبكر النقيب.. حياته واستشهاده في وثائق وأشعار, 2007. و (أعلام الشعر الشعبي في يافع) مركز عبادي 2009، والحكيم الفلاح الحميد بن منصور- شخصيته وأقواله. طبعة ثانية, 2011، ومُعجم لهجة وتراث سرو حِمْيَر – يافع، وشذرات من تراثها. الطبعة الأولى 2012. 
 

وفي عام 2013 منحت مؤسسة السعدي الثقافية الدكتور علي صالح الخلاقي جائزة أحمد بن عبدالحكيم السعدي للتفوق العلمي وذلك تقديرا لجهوده المتميزة في الترجمة وتوثيق وتأليف ونشر عشرات المؤلفات في التاريخ والتراث المحلي.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً