- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
-
حصاد العام الأول لحكومة بن مبارك10 قراءة
إيقاع وجد بخطى صامتة ، وجري هائم وسط صرخات ، وضغوطات عصر وسجن بأغلال التقاليد وسط دهاليز ضيقة مسدودة النهايات ، صرخات غير مجدية وهذيانات مستمرة لكسر أتون مفروضة تقابلها تحديات انسلاخ عن كل ذلك (إنني منتمي إلى الإنسانية / مريم البلقاء / ص6 ) ، خرابات تقابلها انتفاضات ورفض لقيود ألبست عليه قسرا ، ليبوح بوحا راقيا وليخرج بعده خالي الوفاض كما هو حال عنترة بن شداد ليعود بنوقه ولم يجد عبلته . إلا أن " السباعي " وجد نفسه الرافضة ، إلا للقيم والمثل العليا برغم أصوله البدوية التي ترتوي بدماء الثار والقتل ليخرج حاملا حبا (ما تزال أخلاق أبيه ... وقوله : بني لا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا أن الله لايحب كل مختال فخور /مريم البلقاء / ص7 )
من رحم رافض لكل ما تقدم ولدت " زليخات يوسف " الصادرة عن دار الشؤون الثقافية / بغداد / 2005 / بصفحات بلغت " 144 " من الحجم المتوسط ، وبمجموعة قصص بلغت " عشرة " ، حيث تمكن من توظيفه لدلالات تاريخية واجتماعية وسياسية ، وإحالات كثيرة تغني المتلقي ، يزجها ضمن ثنايا نصوصه ، ليثريها بتلك الاحتشادات التاريخية المتماهية مع واقعه ، بأسلوب شعري مكثف ، وبلغة ترتقي لتلك السلسلة اللغوية المدججة بالتورية والرمزية . يرقى بها لواقع تاريخي كان قد غادرنا ، مع إحكام الربط بوشائج تكاد تكون مخفية أحيانا ، بحبكة ومهنية تشير إلى ذلك الغدر والفجيعة أحيانا كما في " وتبقى قطام " ( سأحظى بمهر غال / وتبقى قطام / ص66 ) ـــ أي فجيعة قبالة مهر الخديعة ـــ حيث غرائبيات الخيانة وتهاوي المبادئ ـــ ( سنعيش بذلك محنة اينانا مع الرجال / وتبقى قطام / ص70 ) بعد أن يقول حال لسان المتخاذل ما أنا إلا خروف يخاف الخروج عن القطيع / وتبقى قطام / ص77) موغلا بروية لتلك الدسائس التي غادرتها بعض القصص ، معريا حقبة تاريخية من خلال حشد صور ودلالات وأحداث مخزونة في اللاوعي( كالوأد.../ وتبقى قطام / ص72 ) في محاولة للسمو عنها إلى عوالم حالمة بالخلاص من الظلم والاستبداد .
ويبقى أسلوب القاص السباعي جاد وملتزم ضمن سياحاته في فضاءات واسعة في محاولات لاستنطاق تلك الموروثات ضمن تقاربات بالاتكاء على رموز ودلالات (قطام / رمز وجب الخيانة... ) في توظيف مخيلته وما يملكه من رصيد معرفي ، لتبقى مجموعته تشع مع الأيام . هذيانات واعية تمكنه من مزج الشعر في قلب القصة ليعشق القصة القصيرة فهو لديه الإمكانية في منح متلقيه فرصة المشاركة والتخيل والتأويل ، فالتفاتاته الميثيولوجية الجميلة لتلك الشخوص المسحوقة والحكايات المتوارثة ليستقي من زفراتهم وآهاتهم زاده المعرفي والثقافي ، حيث غوره العميق فيها ، مثل: ( أبو طبيلة / ص58 ، ياحوتة هدية / ص64 ، الشميطرة / ص112 ، الكنين / 118 ، سنة لوعة )
أن المناخات السردية تكاد تشترك بثيمة مميزة في مجموعته حيث اللغة المتوالدة، والأفكار الهاربة المتموجة القابلة للتأويل . وان كانت قريبة إلا أنها كالسراب تكاد تمسك بشق الأنفس . إما لغته طيعة تنثال بسخرية لتتناغم وواقع مر عاشه :
( أنفقنا عمرنا في ظل الجب ، بداخله ، نبنيه ، نعليه حتى تطاول بناؤه حول قاماتنا ، آنئذ أمسى لكل واحد منا جبه الذي يقع فيه ، بئره ، سجنه / وتبقى قطام / ص77) ليجلد تلك المواقف الخادعة مستخدما عناوين مثيرة تحفز الذاكرة وتثير الفضول ، فخيوله الهاربة تشير إلى دلالات وإيحاءات .
ومريم ... تشكل خط شروع اخضراره ، بل بوابة أحلامه ، وصراعه المتأرجح بين كفتي : نياق عنترة / إلى وخزات الحب القاتل لجلال الدين الرومي ) الذي لم يزل يحبو إلا إن الأيام أجهضت ثمار وجده واقتضمت لباب حبه ، ولما تزل بعد طرية ليتحول فقدها ، إلى هذيانات مبثوثة في ثنايا نصوصه (... كانت خلاصة حياتي شبيهة بخلاصة حياة زهور حسين ، نصيبها الرقص فقط ! / مريم البلقاء / ص7 ) ، احتجاجات تنفذ بين الفينة والأخرى ، كمعادل موضوعي نتيجة ضغوطات نفسية ، لكنه يسوقها بجرعات صامتة . لقد وظف آهاته صرخات تنوء عنها صورا فنطازية بارعة الدلالة : (آدم يسير شرقا وغربا . خطواته حائرة ، دفعته شمس غروره ، لفه ليل ملغوم بالصمت ، صمت مدن تنتظر المخاض ، وأخرى حبلى باليأس ، شمالا أو جنوبا ، حركاته مذعورة ، جمدتها مدن أدمنت قضم الثلج بأسنان ضاجعها الدم ملهوفا . فابتلعته مدن تستحم بدفء الشمس على شطآن عذراء / وساخات ادم / 56) .
يتلمس المتفحص للمجموعة القصصية ، أنفاس مؤلفها الحزينة ، الذي تكمن من تسويقها ببراعة " رموزا وإيحاءات " لما تؤول إليه آهاته ، التي هي ، آهاتنا وحيفنا( المدينة ظمأى تبكي نهرها / عطش ذاكرة نهر / ص119 ) وهو ظمأ للحياة وللقيم وللأخلاق ، حيث هو جفاف وجدب ابلغ منه إلى جفاف لقمة العيش ، وهي صورة رامزة ودالة صارخة ، وهكذا يصل الإحباط والقنوط أوجه عند القاص ، ليهتف ( جئت لأموت . امنحوني قبرا / عطش ذاكرة نهر / ص122 ) وبعد أن يصل اليأس ذروته يستنطق شخوصه " المتسولة " أن يتذرعوا لباب الله أن يمنحنهم الموت هربا من الحياة ( الله يا محسنين قبرا لفقيرة ... !!! / عطش ذاكرة نهر / ص122 ) وهي صورة تفصح عن خواء الأنفس وجدب الهمم التي باتت عاجزة عن تلمس أسباب الحياة . لتمد يديها لله تعالى لمنحها حفرة صماء تلوذ بها . لتغطي سوءتها كما تفعل النعامة .
ويسدل ستارة الحزن على مجموعته بسمو يخيم على خاتمته ، يرفع عزاؤه " بكاء غربان " لمدن تنوء بحيفها ، ملونة بالدم ، تفجع ، ونعيب لأمواج متلاطمة في عالم الخوف والفجيعة ، الذي ينتفض من ضعفه بهتاف بائس : لماذا تذبحونا
وما كان جواب جلاديهم إلا أكثر وطأة وإيلاما : إما كفاكم هابيل ؟ / زليخات يوسف / ص139 ، لتظل تلك الجماجم معانقة لأرصفة البطالة ... تنتظر بزوغ شمس من بطن السماء بعملية قيصرية / زليخات يوسف / ص140 .
أن تفرد القاص " السباعي " بزليخاته " ما هي إلا بعث روح في أعجاز نخل خاوية، بل هي صارخات واستغاثات وان كانت لاتصل مسامع الموتى " الجماجم " إلا أنها تصل إلى أبواب السماوات ، أملا بفتح نوافذ الرحمة ، وهي إضافة تنظيرية وقراءة ناضجة بمنظار أنساني لمرحلة كان لابد أن ينفض عنها غبار القنوط ، ويسدل ستارها . وبقدر نجاح القاص في زج ومشاركة أخيلة شخوصه ، وإثارة فضول متلقيه ، إلا أن كشف تناصاته وتسمية مراجعه ، افسد متعة اكتشاف إلية التناص وعمله بالعودة إلى ما يسميه " نقاد التلقي ( ذخيرة القارئ ) ونلاحظ أن بعض هوامشه طويلة ، فقد يضطر قارئه إلى متابعتها في أكثر من صفحة ( ص8 / 9/ 10 ) ، أن إسناد وظيفة مزدوجة لنصه، ما نجم عنه كثرة الاستطرادات والاكراهات اللغوية والدلالية والإيحاءات ، وهو جزء من قلق القاص وخوفه المتأتي من عدم فقدان التواصل مع متلقيه .
أن ما سطره الرائع " السباعي " رموزا وإيحاءات ، بليغة ( قطام .. زليخة)، جديرة بان تترجم كتشخيص لمرحلة يباس وجدب للضمائر الخاوية ، التي نامت عند جلاديها آملة الرحمة منها ، وهي لعمري صرخة ويقظة ضمير بارعة لقاص واعد .
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
حصاد العام الأول لحكومة بن مبارك10 قراءة