الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
روح الأدب والثورة - سهير السمان
الساعة 20:45 (الرأي برس - أدب وثقافة)


الحياة مسرح كبير، تتعدد فيه الوجوه، وتتشابك الأحداث، وتتنوع الشخوص، وتحتاج لمن يراها بعين المعرفة الإنسانية، بإحساسها المتقد، والأدب مرآة ذلك . وقد كان الأدب في جميع مراحله منبرا للروح البشرية الذي يصل للنفس ويحفر فيها بأروع النماذج الأدبية من قصة وشعر ورواية ومسرح.

 

وما خلفته البشرية من نفائس إلا نتاج تفاعل الأديب مع محيطه ومعاناة البشرية من حوله، وقد حفل الأدب بنماذج رائعة من الأدباء استطاعوا أن يوثقوا عمق رسالته التي لا تقل عن رسالة الطبيب حين يفتح جرح المريض ليطهره ويعالجه، فالمرض حين لا يكتشف ويعالج يقتل صاحبه، كذلك الأمراض الاجتماعية التي تعتري الحياة حين لا تجد من يخرجها للناس ويعالجها تستشري كطاعون تهلك الحياة، إنّ تأثير الأدب لا يقتصر على إحداث تغيير في المجتمع والمجموعات، بل يمتد تأثيره ليشمل حياة الأفراد في أعمق وأدقّ جوانبها؛ فهو - أي الأدب – يُشبع ا لعديد من الحاجات النفسيّة لدى الأفراد، ويقوم بعملية "تطهير" وتنقية للكثير من المشاعر السلبيّة التي تستحوذ على النفوس، وله دور في إثراء عالم الروح وفي توسيع الآفاق. إن الأدب فطرة متجذرة في روح الإنسان فبواسطته يستطيع أن يعيد صياغة الكون من حوله، يخرجه من إطار المألوف إلى غير المألوف، وبنظرة الأديب الثاقبة، وحسه المرهف، وتلمسه للأحداث يستطيع أن يصيغ جواهر من عمق التجربة الإنسانية، ومعاناتها. 
 

وأهم ما في الأدب حين يعكس ثورية الإنسان، ويترجم تلك الثورة بأبعادها ومراحلها. 
وكما قال أحد الكتاب: إن لكل ثورة أدباؤها ولكل حدث بديع في تاريخ الإنسانية من يشتغلون على تدوينه، بشتى الوسائل المتاحة، حتى يخلد ويبقى إرثاً لا تطاله أيادي التقادم. ولأن رسالة الأدب، في المحصلة، تتجاوز الحيز الجغرافي الذي يُولَدُ فيه، ليعانق الانشغالات الإنسانية بمعزل عن المكان الذي احتضنه واللغة التي أُنتج بها والثقافة التي آوته بما يشكله من تعبير عن المشترك الإنساني في قوالب إبداعية تمنحه الخلود. فالأدب ينقل التجربة الإنسانية من مستوى الحدث العادي إلى المتخيل، والمسافة الفاصلة بين الواقع والخيال هي بالضبط التي تمنح لهذه التجربة مغزاها وتجردها من الزمان والمكان لتسمها بالخلود وتصبغ عليها طابع الأنسنة. كل الأحداث التي شكلت منعطفاً مهماً في تاريخ الدول والشعوب، إذا لم نشأ قول الإنسانية، استلهمت الكثير من مصطلحاتها وتعبيراتها المهمة من كتابات الأدباء والمفكرين ومن أقوال الشعراء و"إمديازن". كما أن العكس حدث أيضاً، إذ أن القمع السياسي والتعذيب وكل أشكال الظلم ألهمت الكثير من الأعمال الأدبية التي شكلت سجلاً أساسياً لمعرفة تاريخ مراحل مفصلية من حياة الشعوب. ولنا في تاريخ أمريكا اللاتينية أحسن مثال على كتابة هذا التاريخ الأدبي الشعبي المناضل. وبما أن العالم العربي مشتعل بلهيب "الثورة" من أقصاه إلى أقصاه، يظل سؤال الثورة والأدب مطروحاً على مستويات متعددة ومركبة تتطلب مناقشتها جرأة كبيرة تسمي الأشياء بمسمياتها دون خوف من إغضاب الكثير من تجار الكتابة و"الثورجيين".

 

فالأدب الثوري هو الذي يرفض التخندق، أو الولاء لطائفة أو قبيلة أوحتى عرق ودين، الأدب إنساني في نشأته يخترق تلك الولاءات والرؤية الواحدية، والعصبية، وما كان خالدا منها هو ما قرأته البشرية وبقى خالدا ليحفرفي النفس البشرية على مر العصور، ذلك الأدب الذي يلتزم بقضايا الإنسان 
ومن مقال الأستاذ : إبراهيم الكبلي 

 

لقد كان الكاتب الاسباني المقيم بالمغرب خوان غويتصلو أول من طرح سؤال الأدب والثورة في العالم العربي بعد ثورتي تونس ومصر. فبحسه الأدبي الفذ وببراعته المعهودة طرح سؤالاً مستفزاً على ما يقارب ثلاثمائة مليون من البشر، ومشى. نعم، طرح علينا سؤالاً شقياً ومشى في حال سبيله، لكن السؤال ظل عالقاً وبدأنا نرى ما يحمله في طياته من توقعات لم تخطر على بال الكثيرين في حينه. مشى غويتصلو إلى حال سبيله، منشغلاً باجتراح بعضاً من روائعه من خياله الخصب، إلا أن السؤال، بالنسبة لنا نحن العرب المعنيين بالتغيير الذي يحدث في منطقتنا، لم ينته ولن ينتهي في الأمد القريب. ظل يستفزنا ويتحدانا أيما تحد. هذا السؤال هو بداية مشكلة، أو في الحقيقة هو سؤال- مشكلة- لأن المهمة ليست بالسهولة التي يظنها البعض من الباحثين عن السبق أو من مقتنصي الفرص للانتفاع المادي. فاستغلال ملحمة الشعوب العربية لكتابة "أدب" تحت طلب دور النشر لإغراق السوق، خاصة في الغرب، حيث الحاجة لمن يكتب لكي يبيع، للاستفادة المادية من الاهتمام الشعبي بما يحدث في العالم العربي، لا يمكن إلا أن يكون "أدبا" لقيطاً لا يستوعب أهمية اللحظة وخصوصيتها وفرادتها في تاريخ الإنسان العربي المقهور للمئة سنة الأخيرة على الأقل. كما أن أدباً مرتجلاً بهذا الشكل لا يمكن أن يجسد ما تمثله هذه الثورة في اللحظة التاريخية التي نعيشها من انبعاث للروح والفكر في جسد عربي حنطه القمع لعقود وساهم الاستعمار، الداخلي والخارجي على حد سواء، في خلق كل شروط الهزيمة النفسية والفكرية التي لولاها لما استمر الوضع على ما هو عليه لكل هذه العقود.
 

فإن يطرح علينا كاتب إسباني هذا السؤال في هذا الوقت بالذات يعني أنه اِسْتَشْعَرَ باستشراف الكاتب المحترف أن معركة الثورة في المستقبل سَتُكون في ساحة الفكر والقيم. ولعمري، هذه المعركة أشد وطأة وخطراً على مصير المجتمعات من كل أسلحة الديكتاتورية. أستشعر خوفاً دفيناً في سؤال غويتصلو عن هوية المجتمع بعد الثورة وعن التهميش الذي يمكن أن يطال أصحاب الأقلام النزيهة التي تستطيع بالفعل تجسيد ملحمة الثورة أدبياً وقيمياً.
 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً