الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كوميديا وأحزان دفينة - بسمة النسور
الساعة 13:50 (الرأي برس - أدب وثقافة)





أفاد الممثل الكوميدي، جيم كاري، بأن اليأس مكون ضروري لخلق أي شيء، سيما في حقل الإبداع الذي يتطلب إنجازه جهداً نفسياً كبيراً. قال ذلك، في سياق تحقيق تلفزيوني، يطرح سؤالا عن مسبّبات الكآبة الحادة التي يعاني منها معظم نجوم الكوميديا، وهم الذين يبثون الفرح والأمل في النفوس، من خلال أعمالهم الممتعة التي تبعث على البهجة، فنتابعهم بشغف، سعيا إلى لحظة سعادة، يقدمونها بسخاء كبير، في حين يرزح كثيرون من هؤلاء المبدعين تحت ثقل إحساس باهظ بالحزن واليأس المتراكم عبر السنين، يدارونه بمهارة ونكران ذات نادرٍ، وإصرار كبير، فلا يحول دون مضي هذه الشخصيات المعذبة الموهوبة في تقديم إبداعاتها المختلفة المؤدية دوما إلى إضحاكنا ومساعدتنا في التخلص من الحزن الذي يكتنف أرواحنا أحيانا، على الرغم من أنها قد تؤدي بهم، في أحيان كثيرة، ولفرط الضغوط المتعلقة بالنجومية وتبعات الشهرة وظروف التنافس، إلى الإدمان والانهيار النفسي التام. وفي أحيانٍ، الى ارتكاب الانتحار المفجع والقاسي، كما جرى في حكاية عبقري الكوميديا روبن وليامز الممثل الأميركي الحائز على جائزة أوسكار عن أفضل ممثل ثانوي في فيلم "الصيد بنية حسنة"، وهو البارع في تجسيد أكثر الشخصيات تركيبا وغرائبية. 
 

الكوميديان الذي بدأ حياته مؤدياً وصلاتٍ كوميديةً لمّاحة ذكية، لا تخلو من مضامين سياسية لاذعة على المسارح، روبن نفسه الذي حقق الشهرة والمجد، والاعتراف بقدراته الهائلة، غادر عالمنا قبل عامين، مستعيناً بحزام جلدي، لا يتجاوز ثمنه بضعة دولارات، بعد فشله في قطع شريان يده اليسرى. اختصر على روحه المرهفة جحيماً لا يمكن تخيل مداه، وهو الفنان المثقف الموهوب الذي تصدّى لأكثر الأدوار صعوبةً وتنوعاً، حين تقمص، في سياق فيلم "مسز دواتفايز" دور الرجل الذي طردته زوجته، بسبب إهماله وتنصله من مسوؤليته تجاه عائلته، فانتحل شخصية امرأة مسنة ظريفة ذات كاريزما عالية، وحس كبير بالانضباط في عملها مربية أطفال، لكي يظل قريباً من أولاده، ليكتشف أبعاداً خفية في روحه، وليتعرّف على أطفاله أكثر، ويدرك مقدار حاجته إلى أسرته. وذلك كله ضمن أحداث كوميدية راقية خفيفة. وهنا تجلت براعة وليامز الدرامية، وقدرته غير الاعتيادية على الارتجال، حين قدم الشخصية النسائية بذكاء واحترام كبير، على النقيض من الأسلوب الكاريكاتيري النمطي التهريجي الذي يقلد فيه الممثلون الرجال أدواراً نسائية في العادة.
 

نال وليامز الإعجاب والتقدير من النقاد والجمهور، منذ دوره فائق التميز والتأثير في فيلم "جمعية الشعراء الموتى"، حين لعب شخصية معلم غير تقليدي، حملت كثيراً من ملامح شخصية روبن المغايرة، عمل على كسر النمط، وحث الطلاب على التمرد والاختلاف، فمزّقوا الكتب المقرّرة، وأحدثوا ارتباكا في المنظومة التعليمية المكرّسة، القائمة على التلقين والإملاء، مفسحا الفضاء أمامهم لطرح الأسئلة الصعبة، محفّزا إياهم على الشك بوابةً رئيسية للمعرفة. برع وليامز في تأدية شخصية المعلم الإشكالي، وهو شأن أي مبدع صاحب روح قلقة غير مطمئنة، قدّم، من خلال مسيرتة الفنية عشرات الأدوار، بلغ فيها حدا من الإدهاش، حين أدّى دور رجل آلي يُصاب بمشاعر إنسانية غير متوقعة في فيلم خيال علمي، أكّد روح المغامرة التي تحلى بها وليامز، جعلته يطرق الصعب وغير ألمألوف. وتظل أدواره الكوميدية الأبرز في سيرته المهنية، وهو المعروف بتطويع إمكانات جسده وصوته، خدمة للدور فنانا متفانيا محبا عمله، محرّضا على الانتباه لجماليات الحياة. 
 

من هنا، تأتي قصة انتحاره صادمةً وغير متوقعة، ذلك أنه أتقن، على الدوام، دور الرجل السعيد المقبل على الحياة، في حين كان روحاً مكسورة هشّة، مسكوناً بالقلق وخيبة الأمل، صريع الإحساس باللاجدوى. وقد عانى طويلا من مشكلات الإدمان على الكحول، وذلك كله في محاولةٍ للتخلص من حزن عميق، لازمه لعنةً متواريةً بخبث، خلف كل تلك القهقهات، ما يؤكد أنه ليس كل من يضحك سعيداً بالضرورة.
 

منقولة من العربي الجديد...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً