الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
وجع الحياة في "نافذة موقوتة" للقاصة اليمنية مسيرة سنان - مصطفى لغتيري
الساعة 10:33 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


تتميز القصة القصيرة بقدرتها اللافتة على التقاط كل ما تزخر به الحياة من تناقضات، إذ تبدع في تصويرها ونقلها إلى القارئ من أجل تأملها، حينا والتماهي معها أحيانا، وغالبا ما تكون هذه التناقضات حصيلة مفارقات في الحياة، يكتوي بلهبيها الإنسان في عمومه، والإنسان البسيط بالخصوص، لذا قيل عن القصة القصيرة بأنها فن المهمش، وسقط متاع الحياة، فالقصة القصيرة جنس متواضع، يرافق البسطاء والضعاف والمهمشين، محاولا التقاط لحظات التحول في حيواتهم ، تلك اللحظات الهشة، التي قد تحدد مصير الإنسان في كثير من الأحيان.
 

ولعل هذا كله ما قد وعته القاصة اليمنية مسيرة سنان،  وعبرت عنه في مجموعتها القصصية الجديدة، التي اختارت لها اسم" النافذة الموقوتة"، فجاءت الأقاصيص التي تضمنتها محملة بالوجع الإنساني، في شتى تجلياته، وإن كان هذا الوجع قد ارتبط بالمرأة تحديدا في أكثر من نص، وأحيانا يكون الوجع مشتركا بين الرجل والمرأة، كما نجد مثلا في قصة"مسك" الرجل المفجوع بموت أبيه فإذا به في زيارته للمقبرة يلتقي بامرأة أخرى ، قد تختلف عنه في وضعها الاجتماعي، لكنها تتشابه معه في الفجيعة، وليست أي فجيعة بل فجيعة الموت تحديدا، يقول السارد:
 

"في القربِ من أحد تلك القبور، كانت هنالك امرأةٌ تجلس ببؤس، وكفاها تعبثانِ بالتربة ِ التي كانت  في ذلك القبر،بطريقة هستيرية ، والذي يبدو أن عهده قريب الدفن..
حاولت أن اقترب منها، وأسألها،لكنني لم أجرؤ على ذلك، رجعت للخلف خطوتين، وإذا بها لمحتني، فخفضتُ رأسي ،خشيةَ أن تظن بي سوءا، حتى قالت:
- اقترب يا أخ الفجيعة، استغربت ذلك منها، وأنا لم أتجرأ على الاقتراب..
قلت:-لماذا أنت هنا، ؟
أجابت:- وأنت لماذا أنت هنا؟!
قلت:- تواً دفنتُ والدي،..
قالت:- وأنا دفنتُ زوجي.!"

 

أما قصة "نافذة موقوتة" فيأتي فيها الوجع مضاعفا، إنها تحكي قصة الفتاة نجاة التي تهفو نفسها للدراسة والتعلم، فإذا بها تجد نفسها محاصرة في جو عائلي لا يسمح للفتاة بالتمتع بحقها في التمدرس، والأنكى من ذلك أن الفاجعة لا تأتي مفردة ، إذ سرعان ما تستدعي فاجعة أشد ضراوة، وهي فاجعة الزواج المبكر، بما يعني اغتصاب طفولة الفتاة، التي تحرم مثل مثيلاتها الكثيرات من حقها الأساسي في التمتع بطفولتها، وحرمانهم من نعمة العلم، الذي يمكن أن يكون لها سندا في الحياة. فلنتأمل هذا المقطع الحواري الذي يجعلنا وجها لوجه مع نجاة وهي تعبر عن مأساتها بكثير من العفوية والبساطة:
 

"تلمحها "هند "جارتها اللصيقة، وهي تنظر إليهن..
تناديها وتقول :
-ليش ماتجي تدرسي معانا يا نجاة..!؟
ترد نجاة:
:- قالت أمي أني راح أتزوج ..
ثم تترك تلك النافذة ، وتترك هند معلقة بالجواب ، تغلق النافذة تلك،   وتسد ثقوبها بصمتها الطويل، ذهبت تجلس  في زاوية بعيدة من النافذةِ المحمومة, تردد بصوت مرتعشٍ كئيب..:
-سأتزوج، سأتزوج، هكذا قالت أمي...."
وفي قصة صورة متحركة تستمر الكاتبة في رسم تفاصيل الوجع، وهذه المرة تختار أن تنقل وجعا غيريا وليس ذاتيا، حين تحمل ابتسام كاميرا وتتجول في سوق صنعاء فتقع عينها على ذلك الطفل الذي آخى الرصيف حتى أنه لم يعد يفارقه، وذلك من أجل أن يبيع بضاعته البسيطة، وهنا كذلك نجد أنفسنا أمام ظاهرة تشغيل الأطفال في سن مبكرة، لتضع الكاتبة إصبعـه على الجرح، فالطفل بدل أن يحتل مقعده في المدرسة يحتضنه الشارع بكل ما يمثله من إقصاء وإهمال وعنف.

 

 

وتستمر القاصة على هذا الديدن تنقل مآسي الحياة، في مختلف المجالات، مركزة تحديدا على الجوانب الاجتماعية والنفسية، وصراع القيم ما بين مجتمع متمسك بتقاليده، وبين طموح فئة متعلمة ومتنورة في الانفلات من الانغلاق الذي يؤدي ثمنه غاليا الإنسان البسيط، رغم عدم احتجاجه على ذلك، بل يقبله بصدر رحب  أحيانا، لأنه لا يستوعب أبعاد ما يعيش في كنفه من فقر وجهل وتخلف.
 

ومن جميل ما يسجل لهذه المجموعة رغم الحزن الطاغي على أجوائها، أن القاصة مسيرة سنان عمدت إلى تنويع صيغ الكتابة في أقاصيصها، فمنحت حقا لكل من السرد والوصف والحوار، وجاء كل ذلك بلغة بسيطة يهمها نقل أطياف الوأقع أكثر من أي شيء آخر، محاولة بذلك أن تكون لسان المفجوعين في الحياة، وكأن القصة هنا وسيلة وليست غاية في ذاتها.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً