الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عبدالعزيز المقالح وجه اليمن المشرق !! - صلاح الأصبحي
الساعة 14:55 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


لعل هذا الزمن الرديء قد صنع منا نموذجاً سيئاً, وصبغ كل تفكيرنا ونظرتنا لمن حولنا بنفس النمط وبهذا الشكل , جعلنا نشكك بذواتنا بوعينا برموزنا , بل أفقدنا الرؤية والرؤيا, صرنا نخدش وجوهنا قبل أن يتجرأ الخصم لغرز أصابعه فيها , حالة من الجنون والتهاوي واليأس وسوء تقدير للذات, إلى هذا الحد تمكن الخصم من تلويث عقولنا وتمزيق نسيج وعينا وثقافتنا , جعلنا نمهد له الطريق ونستقبله عرايا , ليس هناك ما يدثرنا من شرارة ناره , هل من سبب أجل وأنصع يفسر تلوثنا الذي لم يدرك الكثيرون مخاطره ؟ وما زالوا في دربه مقيمين . 
 

لم يعد أمامنا إلا افتعال الخصومة وخلق الأسباب للولوج في معارك يجني الآخر ثمارها , ونحن نشعر أننا حققنا مكسباً مهولاً منها , وهل ذلك علامة للتصحيح الثوري أو التصحيح الإبداعي .
 

أن يترجم شاعرٌ بحجم عبدالعزيز المقالح أنينه الذي صار حنيناً للنهاية, ويتم تأويل ذلك موقفاً ساذجاً , أن نشكك في وطنيته , أن نقلل من قيمته , أن نسخر من ألمه الموجع وحبه الساطع لوطنه الحزين , أن نعاتبه بتبجح , أن نتجاوزه كرمز وطني وإنساني , كشعار لوطن وحلم لدولة , كيف نقبل أن تصيبه سهام من هذا النوع .
 

المقالح أحد أفراد الجيل السبتمبري الذين كان حبهم للوطن وثورته أسطورياً , جيل النقاء الخالص الذي كانت عاطفة حب الوطن متدفقة كموج البحر جعلتهم يتمسكون بمبادئ سبتمبر كمتنفس وحيد ومنفذ أوحد للعبور إلى المستقبل .
 

المقالح الرجل الذي نهضت على عاتقه دولة وربت أحلامه بها لم تبتعد عنها قيد أنملة, منذ خمسينيات القرن العشرين ,الذي صرخ في وجه الظلم والقهر والاستبداد , ماذا لو كان المقالح واجهة قديمة للزمن الغابر؟ ماذا لو كان جمهورياً نهاراً وملكياً ليلاً , ماذا لو كان شيخاً كبيراً أو زعيماً دينياً , ألا تدرون أن سنان أبو لحوم تشابك بالأيادي مع يحيى منصور ثاني أيام ثورة سبتمبر متهماً له بلبسه البذلة معتبراً ذلك تقليداً غربياً , كان طريق سبتمبر هو استمرار العمامة للأبد لو لم يكن أمثال المقالح ودماج والبردوني من أقطابها .
 

من خلال شخصيته , ومن خلال تعامله , ومن خلال فكره المهذب , ومن خلال لغته العطره الشيقة التي يعشقها القلب , ومن خلال وجوده كفرد وسط مجتمع ممنهج بالجهل والفقر والأصولية , لا شيء ينجيك سوى التمسك بوطن تحلم به , ولا شيء أطهر منه عنده .
 

منذ خمسة عقود يمثل فيها عبدالعزيز المقالح واجهة ثقافية وفكرية وأدبية لليمن , شخصية جعلت لهذا البلد التعيس حضوراً إقليمياً ودولياً , شخصية ثبتت على رماد من الجهل والتخلف والغياب, سنفتخر أننا من بلد الشيخ عبدالمجيد الزنداني أو من بلد الشيخ الأحمر , البلد الذي كان يحرم قصيدة النثر ويعتبر فيه الكِتاب آخر الأشياء المطلوبة في احتياجاته .
 

هل نشكك بمن يقول : 
جمهورياً جئتُ 
وجمهورياً عشتُ 
وجمهورياً سأموت .
نشكك بمن يقول في ثورة فبراير :
هذا زمن التغير 
إذا لم تتغير تتعفن 
تتخطاكَ مواقيت الصحوة .

 

ليس هناك من نافذة تمنحنا الحق في التطاول والطعن في المواقف الوطنية لأي رجل , لماذا نفترض أن النضال له طريقة واحدة؟ أو أن الزمن يتساوى مع كل شخص , أيطلب منه أن يقود جبهة أو يحمل السلاح أو يكون بوقاً متجولاً لكي نعده وطنياً ونضمه إلى قائمة الوطنيين, يا للهول من الرعونة والتسطح وصياغة المفاهيم الأحادية للوجود , وحينما يأخذ صورة المتحدي غير الآبه بما يصنعه , هل هناك صراع بين توكل كرمان وعبدالعزيز المقالح , يالها من حقيقة غائبة , كنا نجهل عداءه للثورة والجمهورية , وهنا يتخفف الحزن على رحيل مطهر الإرياني وأحمد قاسم دماج قبل أن يكونوا (بلاطجة) ورجعيين .
 

أيها الأب الروحي للثورة والجمهورية, للنضال والكفاح ,تسري الثورة في دمك وتنبض الجمهورية في قلبك , كنتَ وستظل قدوتنا للأبد , أستاذاً للأجيال ونوراً للحروف والكلمات , وصدراً حنوناً لليمن الذي حَلمت به .
 

أقدر تشظيك والهاوية التي تتسع داخلكَ كلما وجدت حلمكَ يتمزق , أسري بجواركَ أقتفي خيوط جراحاتكَ من كلماتكَ, كلما زاد وجه الوطن عبوساً وقتامة , ستبقى كغيمان شامخاً ,مهما تهاوت كل الأمنيات , وتلوثت كثير من الوشيات , لست فرداً بل وطناً , لست ثائراً فحسب بل ثورة وجمهورية , إنساناً خالداً كما عرفك رفاق دربك وأبناء جيلك .
 

لا تأبه بمن حولك فالكل مجدب ومتحدب , ولتنصت لصفاء سريرتك وتسبح بعالمك الروحي , مثلما قلتَ:
إلهي
أنا شاعر يتحسس بالروح عالمه
يكره اللمس
عيناه مقفلتان
وأوجاعه لا حدود لأبعادها
وتضاريسها
كَرِهتني الحروب
لأني بالحسرات
وبالخوف أثقلت كاهلها
ونجحت بتحريض كل الزهور
وكل العصافير
أن تكره الحرب
أن ترفض الموت.

 

كلماتي هذه ليست سوى دموع وجدتني ألملمها هنا , واسمح لي أن أغوص إلى أعماقك أتجول بين أحلامك الوردية وأبحث عن صفحات قلبك البيضاء التي لم ينكتها الزمن ولم تعبث بها الخيبات عسى أن أجد واحدة منها لتكون سفري في هذا الزمن المسحوق , كم كان قلبك مشعاً بالحب, فياضاً بالبياض الوردي, الذي منحك خلوداً مكانياً وزمانياً ,يتسع لكل العوالم والحكايات والمرايا المختلفة .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً