الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
عناصر القصة القصيرة جداً ورمزيتها في أعمال القاص حسن علي البطران - علي أحمد عبدة قاسم
الساعة 13:02 (الرأي برس - أدب وثقافة)

المقدمة:
لا يخفى على أحد البدايات الأولى للقصة التي ظهرت بقصة زينب لهيكل، ثم تتابعت في الاكتمال في الأطوار والمذاهب الأدبية المعروفة حتى أصبحت ناضجة متنوعة المشارب والمذاهب، وظهرت في الفترة الأخيرة القصة القصيرة جداً، والتي تعتبر امتداداً للقصة القصيرة وجنس أدبي جديد يفرض قوته على المشهد الأدبي السردي العربي بعد جدل النقاد ما بين مؤيد ومعارض، حتى فرضت جنسها على المشهد الإبداعي، سواءً كان نقدياً أو كتابياً، وأصبحت جنساً قصصياً ممتعاً له مميزاته الخاصة ومريديه. 

القراءة:

ولأن هذا الجنس السردي المبهر له مزاياه المكثفة مما جعلها تحتل مكاناً مميزاً في المشهد السردي والنقدي خاصة وإن كثافة وتشعب ورحابة دلالاتها ومقاصدها التي تتميز بالقصر الذي يناسب العصر، فقد عبرت موضوعاتها عن الهموم والقضايا الإنسانية المختلفة، وأصبح لها جمهورها وكتابها البارعين في أقطار الوطن العربي وبأسلوبها القصير السريع المدهش، ناسبت الزمن وتواكبت مع السرعة التقنية والانفجار المعرفي والمعلوماتي السريع بمفارقات وترميز مختزل مدهش.
وللقاص السعودي/ حسن علي البطران ثلاث مجموعات قصصية هي: "ماء البحر لا يخلو من الملح، بعد منتصف الليل، نزف من تحت الرمال".
وسأبدأ بالنص القصصي "وقف أمام الطلبة في الاصطفاف الصباحي
ورفع يده اليسرى،
وفي اليمنى كتاب…
الطلبة ينظرون وينتظرون
بعد صمت وعمق نفس
أنزل يده ووضع الكتاب أمامهم وغادر المكان" ص14.
من الملاحظ أن النص يتحدث عن المدرسة من خلال "الاصطفاف الصباحي" إشارة اليد اليسرى تدل على التوقف والانتباه ليأتي بنوع من الصراع والجذب في عبارة "الطلبة ينظرون وينتظرون" يأتي الحل بعد "صمت وعمق نفس، أنزل يده ووضع الكتاب أمامهم وغادر المكان"، لعل القصة ترمي إلى التوجه إلى العلم والتلازم والإقبال عليه في "وضع الكتاب أمامهم" ولكن تأتي جدلية أخرى "غادر المكان" وكأنه تركهم بغير مرشد ومعلم وهادٍ.
مما سبق، يمكن أخذ إشارات أخرى، تتمثل بـ: رفع اليد اليسرى إشارة للانتباه والالتفات والسكوت، لكن الطلاب "ينظرون وينتظرون، وبعد صمت وعمق نفس" إشارة إلى دلالة الرأي الواحد دون الاهتمام برأي الطلاب، لذلك تم ترك الكتاب أمامهم وتمت المغادرة وكأن النص يرمي إلى مضمون ورسالة أن أقوالنا لا تطابق في كثير من الأحيان أفعالنا، وللنص دلالات رمزية واسعة وكثيرة يمكن أن تتأول بآفاق متعددة وما يطرحه النص قد يعطي أطروحات مستقبلية كثيرة.
وإذا كانت القصة القصيرة جداً تطرح الكثير من الهموم الإنسانية فإن النص في أعمال الكاتب تجلت هذه الخاصية بتكثيف دلالي واسع..
"أحتاج مغامرة في وسط جبل أصم… توغل فيها..
طابت له السكنى
أعطى الكثير لتحريرها
أصر على البقاء
والاحتلال بحجة تعميرها…
اتفقوا على بقائه حتى يظهر تعميره لها" ص13.
من البنية اللغوية "اجتاح مغارة، توغل، أعطى الكثير لتحريرها، والاحتلال لها"، وبنية أخرى مقابلة "البقاء، التعمير، تعميره، يظهر، يدعي".
فإذا كانت الكثافة دلالات وآفاق متشعبة ولا تستقر على حال، فإن النص يوجز رسالة للمتلقي هي "غباء فهم الذريعة" بوصف إشارات ودلالات اللغة تعكس ذلك من خلال "مغارة وسط جبل أحم"، "أصر على البقاء، حتى يظهر تعميره لها "كما يدعي"؛ لأن الجبل الأصم فيه إشارة لقسوة الطبيعة وتلاشي الخصوبة، وكانت النتيجة "أعطى الكثير لتحريرها" علاوة على الإصرار على الرأي "أصر على البقاء"، كان الاحتياج والتوغل والإصرار والاحتلال لا يمكن أن يثمر الخير والتعمير، خاصة وإن اللغة في السرد تشير إلى الانفراد بالرأي لمطاردة الفهم، فالاحتلال بحجة التعمير وكأن التعمير شعاراً والنص يناقش الذريعة السياسية للاحتلال أو السياسة، فكان اختيار "المغارة" فيه إشارات ودلالات التمترس والاحتماء، ومن الدلالات البصرية في نهاية القصة "اتفقوا على بقائه حتى يظهر تعميره لها كما يدعي!"، لعله يشير إلى عدم إدراك المغزى من اختيار المغارة بالاحتياج، والتوغل وخسارة الكثير والاحتلال بحجة".
فاللغة وعاء لإبراز رسائل عميقة للاحتلال العسكري والسياسي الذي يأتي بذريعة دون أن تدركه الشعوب، لذلك كثافة الدلالات في القصة رحبة جداً قد لا يتمكن القارئ من الوصول للمسكوت عنه بسهولة خاصة وإن الرمز وكثافة أبعاد وفضاءات دلالية يتخفى النص وراءه ليكشف حقيقة ما، أو يلمح لخطر، أو يخاطب الأفهام، والمتلقي كرسالة إنسانية يتوجب عليه قولها، فالاحتياج فيه ترميز وتكثيف لغوي للاحتلال والجند والعسكر، ومثله التوغل فيه ترميز حربي وعسكري وأطماع سياسية.
"حجة: فيها كثافة وترميز للذريعة السياسية والشعار الخادع.
أعطى الكثير: فيها كثافة دلالية للغائية والأهداف المبيتة.
اتفقوا على بقائه: فيها تكثيف وتصوير لعدم فهم العامة للمقاصد السياسية وفيها نوع من التحدي. 

ولأن القراءة قد أخذت جانب البوح والاستفاضة من خلال الأسلوب الخبري، فإن أقصوصة "بقايا لبن" بالأسلوب الإنشائي الملغز والمشفر، ومن خلال العنوان "بقايا لبن" يكتشف القارئ أن بقايا الآثار المتبقية في الإناء خاصة واللبن رمز الخصوبة والفتوة والشباب والخير مما يحيل أن البقايا هي ما ترسب في الذاكرة والمشاعر من صور الحب الفتية في مرحلة عمرية ولم يعد ذلك العشق الفتي الخصيب، فكانت البقايا إشارة دلالية رمزية لماضي الحب المتلاشي.
"سألته: هل تحبني؟!
قال: وهل تمطر السماء ذهباً؟
بكت، بكى
امتزج الدمع.. احمرت العيون
سألها: هل تحبني؟!
قالت: وهل ترضع الأنثى من لا تحب؟! ص26.
النص ملغز ولكن من خلال البنية اللغوية والرموز يمكن فك مضمون القصة، فمن خلال رده بالاستفهام "وهل تمطر السماء ذهباً"، فإذا كانت السماء معادل رمزي للرجل فإن الإجابة أتت بالاستحالة؛ لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، والقلب والمشاعر لم تعد مخضرة بالحب، وجاء جود بها بالاستفهام "وهل ترضع الأنثى من لا تحب"، مما يشير إلى إمكانية حبها له واستحالة حبه لها، فقد أشار النص للرجل بالسماء، لكن النص صرح بـ"الأنثى" ولم يقل الأرض".
أيضاً استخدم النص الفعل الماضي ليشير إلى ماضوية الحب "سألته، قال، بكت، بكى، امتزج الربع، احمرت العيون، قالت" في حالة الاستفسار عن الحب.
لكن في حالة الرد استخدم الفعل الماضي الذي لا يدل على الاستمرارية بالاقتران بالجملة الاستفهامية "وهل تمطر السماء ذهباً"، مما يحوله إلى ماض ثابت وجامد مما يعكس قحط الحب وعقم المحبة، وخاصة وإن النص امتزج بالدمع ولم يقل امتزجت القلوب والمشاعر.
وتقديم الاستفهام منها "هل تحبني؟" يدل على بقاء حبها واقتران الرضاعة بالحب يشير إلى ذلك الحب، وبالمقابل الفعل "تمطر" يعكس عدم الخصوبة والاخضرار، فإن الفعل "ترضع" موازٍ له في حالة وجود الحب ومنفصل عنه في حالة تلاشيه وتلاشي الحب، لذلك كان وحدة لغوية متكاملة تعكس رسالة ومضموناً ماضٍ خصيب للحب وحاضر عقيم للحب في تشكيل لغوي مدهش وملغز وتحفز القارئ تكشف مضمونها الجدي والعميق بفارقة مذهلة بين الحب واللاحب وبين الماضي والحاضر وبين شخصية هي ما يزال لبن القلب مترع وما بينه سماء قلب أجدبت من الحب؛ لأن القصة القصيرة جداً تعتمد على الاقتضاب بعيداً عن الوصف والتصوير وكأنها لقطة أو ومضة لموقف ما أراد النص السردي أن يرسمه للمتلقي فإنّ نص البطران تميز بهذه الخاصية، فمن خلال قصة "واجب منزلي" التي تقول "سأل المعلم الطالب: لماذا لم تحضر الواجب…؟ أجاب الطالب: أحمر الشفاه لأمي انتهى تاريخ صلاحيته…!" ص56.
من خلال العنوان "واجب منزلي" وهو ذلك التعزيز بل التقويم للدرس المأخوذ في الفصل ليرسخ في المنزل ويرتبط بالطالب والمعلم والأسرة، ولكن هنا يتعدى الواجب الطالب ليكون دلالة الواجب المنزلي الأسري نحو الأبناء من الآباء والأسرة عموماً، ولكن تأتي الإجابة مخيبة وخارجة عن النطاق ليكون أحمر الشفاه العذر لماذا؟ أظن أحمر الشفاه يحيل إلى: 
الإهمال الأسري من الأب وله امرأة أخرى.
الولد من غير أم بوصف "انتهى" تحيل لذلك.
اهتمامات الطالب خارجة عن المدرسة وتعكس صورة عن اهتمامات الأسرة عموماً.
سخرية النص من الطالب والأسرة.
فهذه بعض الإحالات أو الإضمارات التي يمكن الخروج بها من الومضة الملغزة.
وعلى الرغم من قصر القصة، إلا أنها امتلكت الحكاية دون تطويل وأوصاف وإسهاب ممل وفيها من السخرية والمضمون الكثير من الدلالات واستطاعت أن تأخذ القارئ وتؤثر في ذهنه بإشارة مذهلة وتجعلنا في حيرة وتعجب.
ولأن الإثارة والمفاجأة سمة من سمات النص القصير جداً في تركيب البنية السردية للنص، مما يخلق تفاعلاً ذهنياً ووجدانياً معه ويندفع المتلقي لقراءة النص والاشتباك معه، ففي نص (قناعة) يمكن أن نستخلص ذلك "تقف أمام المرآة تتأمل جمالها… تلتفت خلفها، ترى شكله المناقض تماماً لشكلها، 
تكسر المرآة
وتبتسم له…!" ص36.
من الملاحظ أن النص جاءت آثاره في عبارة "تقف أمام المرآة تتأمل جمالها وبين العبارة المناقضة "تكسر المرآة" لاسيما وأنها تتأمل جمالها ولم يقل شكلها، لذلك جاءت العبارة القصصية "تلتفت خلفها، ترى شكله المناقض تماماً لشكلها"، وبالتالي فإن النص يندب الحظ التعيس المجبر الذي لا يتمكن من الخلاص من قدره فكان تكسير المرآة تعبيراً عن ذلك التناقض ما بين صورة الحلم وحقيقته البشعة في الواقع، ولأن الإثارة انجذاب تبرز من خلالها المفاجأة، فقد جاءت "تبتسم له.."، إحالة للاستسلام للواقع الذي ربما أن العنوان اختزله "بقناعة" قناعة بتناقض الحلم الراسخ في المشاعر وقناعة بأنه ليس الحلم وقناعة ورضى به في الحياة، وقناعة بتناقض الشكلين، مما أفضى إلى إثارة ذهنية وتفاعل وجداني واشتباك ذائب بالنص يعكس تأدب المرأة مع زوجها.
وقد يحتمل تكسير المرآة أنها القبيحة وهو القسم الوسيم، خاصة وتكسير المرآة يحيل لعدم الرضا بالشكل والابتسام في قوله "وينقسم له…!"، إشارة للخداع وتمويهاً حتى لا ينكشف مستور النفس، فاجتمع المفاجآت والإثارة والغموض ليكون مفتوحاً بفضاءات تأويلية رحبة، ولكن العنوان "قناعة المرتبط بالابتسام" ليشير للحب والرضا بقدر الحياة ليشير إلى التزام أخلاقي وديني من المرأة.
والقصة القصيرة جداً تعتمد على المفارقات والجمع بين المتناقضات لتوليد حالة من الإدراك لموقف المضمون الذي ترمي إليه القصة، فإن النصوص تميزت بالمفارقات لتكون نصوصاً سردية فارقة لتخلق أبعاداً وفضاءات بين الحقيقة والوهم وبين القدرة والعجز وغير ذلك، ولعل نص "ماء البحر لا يخلو من الملح…"، وهو عنوان المجموعة الأولى للقاص المبدع، حيث تقول: 
"أذاب الملح في ماء البحر، وكأنه يخلو من الملح
ينقش أوهامه في صخر جمجمته..! في النهاية
أدرك أنها أوهام
أراد أن يغرس الثقة في أصنامه فأغلقوا الأبواب في وجهه..
اختبأ في صومعته يصنع المفاتيح لتلك الأبواب
فاصطدم بصلابة الحديد" ص17.
مما سبق، يمكن القول: صراع بين الوهم والحقيقة، بين الواقع والعجز، من خلال:
"ينقش أوهامه في صخر جمجمته..! أدرك أنها أوهام
أراد أن يغرس الثقة في أصنامه، أغلقوا الباب
اختبأ يصنع المفاتيح لتلك الأبواب فاصطدم بالصلابة.
ومن ذلك يتضح استخدام الألفاظ الدقيقة "ينقش" لكن في صخر رأسه، وكأن الراوي يعكس صورة عدم الفهم والتمييز. وهنا إتهام لها بفكره وعقله، فإذا كانت الإرادة قوية والغرس أبدي لكنه في الجماد الذي لا يغني ويضر ولا ينفع، والاختباء والصناعة إبداع لكن الأبواب كلها مغلقة في النجاح الموهوم الواهم، لذلك كانت المفارقات الملغزة في حركة التراكيب والأفعال التي أعطت إشارات التناقض ما بين المستحيل والواقع وما بين البديهي والمجرد لتعطي أبعاداً لمضمون فحواه مقارعة الحقيقة الطبيعية يفضي لانسداد كل الطرق مما يترتب عليه توهج في الترميز يفضي إلى إبهار، خاصة وإن صلابة الحديد أقوى من صلابة الجمجمة والأصنام التي لا تفهم وإن كانت لها حركة الإنسان ليرتد في ذات المتلقي نص مدهش في الصور المتشابهة والمتنافرة في سياق السرد.
إن ما يتميز به النص القصير جداً الإرباك الدلالي والعبارات التي لا تستقر دلالياً بحيث تنفتح على آفاق تأويلية ولها قصدية ومسكوت، لكن قدرة المبدع في النص يتمكن آثاره وأبهر المتلقي وسآخذ نص من مجموعة أخرى هي بعنوان "عمق حب":
"أحببتها كحبي لحليب
أمي
أنتظر منها مجلة كلمة أحبك
تعيش وحيدة
وأعيش مخلصاً لحبها" ص51.
من العنوان "عمق حب" يشير إلى ترسب الحب في الأعماق الغائرة في النفس وحتى في حركة عروق الحياة إنه حب ذائب، وجاء العنوان مركب من كلمتين، عرفت الثانية الأولى، وبنكرتين ليكون الحب لا محدود وبلا مقدار ليكون حب خاص وحب أخوي عائلي.. وبالتأمل في النص يلحظ القارئ:
أنه حب عاطفي بين عاشقين "أحببتها"، ويلاحظ الارتباط ما بين المحبين لكن التشبيه "كحبي لحليب أمي" حوله إلى حب خاص.
معاناة المحب بإخلاص "أنتظر مجاملة أحبك" وكأنه محترق من تجاهل الحبيبة، لكن السرد يوضح خلاف وجفا أخوي "تعيش وحيدة" وكأنه يقول "أريد لي أو عندي مستقرة.
"أعيش مخلصاً لحبها" فالقارئ قد يقول أنه حب عاطفي مخلص لحبيبه معشوقة لكنها هذه هي أخت أو أم أو قريبة. 
والذي أعطى عدم الاستقرار والإرباك الدلالي هو التنوع في جسد النص منذ بدايات الحب الراسخ والمعاناة بإهمال أو تجاهل المحب، فهو منتظر مقابل الحب الصافي الخاص ولو مجاملة حب "أنتظر منها مجاملة كلمة أحبك"، ثم يأتي بعد الجفا والتنافر بالعيش بالفراق، لذلك كان هناك إدهاشاً ومفارقة ما بين البداية والنهاية وإرباكاً دلالياً بحيث لا يكتشف المسكوت عنه بسهولة.
ولأن القصة القصيرة جداً من سماتها استخدام علامات الترقيم بصورة، بوصفها علامات سيميائية تعطي إشارات ودلالات قرائية لتفسير وتحليل النص الأدبي وفي الوقت الذي تقرأ فيه نصوص البطران تلمس الالتزام باستخدام علامات لتشكل دلالة وإشارة تزيد من أبعاد النص وتفسيره علاوة على المزج ما بين الجمل الخبرية والفعلية ليعطي التقاطات جذابة ومدهشة، فمن حيث علامات الترقيم غالباً ما يستخدم علامة "……" والتعجب (!) والاستفهام (؟)، والفاصلة (،) والنقطة (.)، ونادراً ما يمر على القارئ القوسين (( )) والحاصرتين [ ]، بوصف هاتين العلامتين لا تتواكب كثيراً مع النص القصير، ففي قصة "رائحة نفاق"، يقول: 
" رأيه يُسمع، ينفذ
أخلاقه بعيدة عن الجمال
يُلبس ذاته أبهى الحلي…
يعيش وسطهم سعيداً (!)" ص51.
مما سبق، استخدم النص الفاصلة ما بين "يسمع، يُنفذ" لأن الجملة قصيرة، ويمكن أن تحل محله واو العطف لأن العطف قد يقلل من سرعة التركيب ويعطي شيئاً من الفصل وجاءت الفاصلة أيضاً في "بعد الجمال" حتى تكون القصة أشبه بنص مدور لا يتوقف القارئ عنده. وجاءت علامة الحذف (……) بعد الحلي لتشير إلى عبارات كثيرة محذوفة يمكن قولها بعد "يُلبس ذاته أبهى الحلي…"، بما يعني زد أمثال هذه العبارة جاءت علامة الحذف والتعجب بعد "يعيش وسطهم سعيداً…!"، ليدل على الاستغراب والتعجب واستعظام الفعل المشين المناقض للحقيقة، مزج الكاتب ما بين الجمل الخبرية التي تدل على الثبات مرتين "رأيه يسمع، ينفذ، أخلاقه بعيدة عن الجمال"، ليدل على ثبات السجية والطبيعة وزحزح جيلاً ولا تزحزح طبيعة أو منافقاً استخدم الفعل الماضي المبني للمجهول ثلاث مرات "يُسمع، يُنفذ"، وذلك للتحقير وعدم تخصيص إنسان بعينه، استخدم الفعل المبني للمعلوم مرتين "يلبس ذاته" ليعطي تكثيفاً على النفاق ومميزاً للزيف في الفعل "يُلبس" وكذلك الفعل "يعيش ليدل بالفعلين على الاستمرارية وديمومة أخلاق الشخصية الزائفة.
وإذا كانت الرمزية تشكل علامة بارزة في النصوص بوصفها تركض وراء الغموض والإغراق في مضمون النص، فإنّ معظم الأقاصيص اشتملت على الرمز ليكون النص علامة نخبوية ويشكل مدرسة خاصة بالمبدع ففي أقصوصة "ندف الثلج" فإن ندف الثلج فيها ترميز للجمال والمتعة واللذة، وترميز للمقياس والمزاج وفيها بعد لما هو ترفي، ولكن في القصة كانت الألوان هي التي أخذت الرمز "عصير الرمان" معادل رمزي للون الأحمر الذي يشير للإثارة والجمال والمحبة والرقة أو البحث عن الهوى والمتعة، ومثله "غصن الياسمين" معادل للمحبة والحب والرقة والعطرية المتميزة، لكن القصة من خلال ألفاظها تدل على الإثارة وتعمد الإثارة، مما يفضي أن "تلون الوجه" اختلاط الألوان وأيضاً اللون الأحمر إضافة إلى "اللسان" التي تشارك في اللون فكان الرمز مترابطاً بالعنوان "ندف الثلج" ليعكس إشارات وآفاق تأويلية للرمز قد تخرج الحب والمحبة إلى الانحراف، خاصة إذا تأمل المتلقي في الألفاظ "النادل، لكون وجهه، تلون وجهه وبلع لسانه" ليشير إلى التلون غير الخجل بوصف فيه تأدب لكن التلون يعكس الريبة، فكان الترميز فيه إشارات السخرية ورسم لوحة غير مستقيمة للمروي له الذي لم يظهر إلا بضمير الغائب.
لذلك يعتبر الرمز الوسيلة التي يلجأ إليها النص للتعبير عن موقفه من خلالها وهي الوسيلة المثلى لرسم الموقف، ففي أقصوصة "صبر أبيض" التي تقول: 
"بكت خديجة… أغلقت محلاتها لبيع الأكفان
وتلاعب أطفالها بخيوط تلك الأكفان
شجرة خضراء الطول قرب منزلها أوراقها
بدأت تتساقط
تعرت الشجرة ولُفت أغصانها بخيوط الأكفان
نبتت شجيرات زيتون بقربها…".
فإذا كانت الرموز عميقة التأثير والتأويل فإن ألفاظها كثيفة الدلالة ترسم لوحات من مشهدية في مخيلة المتلقي "الأكفان" معادل رمزي للثوب الوحيد الذي يصطحب الإنسان للحياة ولونه الأبيض دلالة تفاؤل وإن كان "بيع الأكفان" فيه إشارات رمزية للتشاؤم إلا أنها من الناحية نوع من الممارسة الدينية وتذكر، فكانت "خديجة" معادل للخير وتذكر الموت والبحث عن الثواب وليست كمثل المرأة الجاهلية "منشم" التي يضرب بها المثل في الشؤم حين تعاهد مجموعة من الأفراد في الجاهلية من عبس أو ذبيان على القتال وغمسوا أيديهم في عطرها فهلكوا وهلكت القبيلتان.
وإذا كانت "الشجرة" رمز الخير والكبرياء والعطاء وهي معادل رمزي لشخصية القصة "خديجة" فإنها تعرت تلك الشجرة لتكون إشارة رمزية على التحول والتجدد فلم يقل "ماتت الشجرة" بل "تتساقط، وتعرت"، مما حول المكان إلى سلام وسكينة وخيرية من خلال "نبتت شجيرات زيتون"، فكان الزيتون رمز السلام ورمز البقاء والاستمرارية معادل الخير ومقدس في الدين "والتين والزيتون".
لعل الرمز في هذه الأقصوصة له أبعاد تاريخية ودينية وتقديس للتحول والتجدد المتجذر، فأشجار الزيتون المتجددة الخالدة المقدسة فكان الرمز وسيلة وحيدة للتعبير عن رؤية الكاتب، وكان الأطفال معادل رمزي للشجيرات، فلفظ الأطفال يساوي لفظ "شجيرات الزيتون" من حيث النمو والعطاء.
ولأن الرموز أيضاً ترسم المشاهد الاجتماعية لتكون رؤية عصرية بكثافة وعلامات سيميائية لها إشارات، فإن النص القصير في أعمال المبدع رسمت مشاهد لعالم العصر وأزمة الذات وأزمة الواقع وأزمة القيم، ففي نص عاصفة: 
"نهضت من نومها فزعة
شرشف أبيض تزينه رسومات
بجوارها..
قطة سوداء تتلاعب به
تجره خارج الغرفة
عاصفة تنقله إلى مكان آخر
إلى سرير آخر
في غرفة بعيد".
إن النص برمزيته في هذيان سردي ليرسم لوحة عصرية لعدم الاستقرار للتبدل والتحول من الجمال إلى القبح ومن التفاؤل إلى التشاؤم، ومن الخير إلى الشر، ومن الاقتراب إلى الاغتراب، وبالتأمل يلحظ القارئ كثافة الرموز: 
"فزعة" رمزية حرفية للقلق والخوف وتلاشي السكينة.
"شرشف أبيض" رمزية للجمال والأمان والاستقرار والذائقة.
"قطة سوداء" رمزية للتشاؤم والتحول إلى عالم ميتافيزيقي، خاصة والقط رمزي الألفة فتحول للوحشة والرعب.
"عاصفة" رمزي للغيبية الميتافيزيقية التي لا سيطرة عليها.
"سرير" رمز الاستقرار والسكينة والألفة والمودة، فتحول إلى غرابة واغتراب ونأى بالروح إلى الوحشة.
ولعله يناقش موقفاً خاصاً لشريحة من المجتمع أو النوع من الأذى المرتبط ب التخلف والشعوذة ليعكس الارتباط بالعالم الخاص والتحرش بالعالم الميتافيزيقي القائم على التخرصات والشعوذة أو يرسم عقلية بعينها مذعورة أو يرسم عقلية غبية متحجرة..
"يتخفى خلف عباءته
يدس رأسه
رياح عاتية سلخت عباءته
ووري الثرى".
لعل الرمز هنا يناقش التستر الغبي الذي يفضي إلى الموت ليكون الرمز مواكباً وموازياً للتستر وراء قوة ما..
"عباءته" رمز الاستتار ورمز الانتماء والولاء، فكانت معادل رمزي للفكر والعصبية.
"يدس رأسه" معادل رمزي للغباء لأن الذي يدس رأسه النعامة ويأخذها الصياد.
"رياح عاتية" رمز التحول والاقتلاع والقوة العجائبية القدرية.
لذلك كانت العباءة مسلوخة كالشاة مما يفضي إلى القتل والموت، مما ترتب عليه مواراة الشخصية الثرى، فكان النص تجسيداً للموقف الغبي الذي يتمترس ويتحجر وراء رأيه الوحيد المطلق.
والقراءة في النصوص يمكن أن تخلص لما يلي: اتسمت النصوص بآفاق تأويلية واسعة عكست عمق في الدلالة وعمق في الالتقاط، وقد طرحت الكثير من الهموم والقضايا الإنسانية، سواءً كانت إنسانية أو اجتماعية أو عاطفية أو حتى التقاط فكرة تستحق الرسم بإلفات وكثافة لا تستقر على حال مما يحول المتلقي إلى مشتبك بالنص فامتزج المسكوت بكثافة الدلالة، وكانت النصوص سريعة آخذة عناصر القصة جداً باقتدار، فضلاً عن استخدام الألفاظ والتراكيب بدقة علاوة عن كثافة الرمز الذي يطغى في النص بشكل ملفت ليكوّن حقائق أو أفكار أو مضموناً يرسله النص في المتلقي، وكان الرمز مأخوذ بعناية، ليتأتى التأثير بعمق حقيقة الرسالة التي يرغب بها النص، مما يترتب عليه متعة وتشويق عند قراءة نصوص المبدع.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً