الاربعاء 27 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
(جَوَّابُ العُصُور)* - يحيى الحمادي
الساعة 18:13 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


كان مِنكُم.. لكم يَجوعُ ويَعرَى
وإليكم يَجُوبُ عَصرًا فَعَصرا
.
حامِلًا في يديهِ أَرضًا, وشَعبًا
نابَ عنهُ الغُبارُ والرِّيحُ دَهرا
.
حاكِيًا لِلنجومِ ذِكرى صِبَاها
بَين جَفنَيهِ.. سامِعًا عنهُ بُشرى
.
صائِدًا لِلبُرُوقِ مِن كُلِّ صَوبٍ
عائدًا بالدُّخَانِ مِن كُلِّ مَسرَى
.
سائِلًا لِلرِّياحِ: مِن أَينَ جاءَت
دُونَ ماءٍ, ومُمسِكًا ذَيلَ أُخرَى
.
رافِلًا بالعُبَابِ, والعُشبِ, والجَمْـ
ـرِ الذي لَم تُحِط بهِ النارُ خُبرا
.
عازِفًا لِلرَّصِيفِ والجِنِّ لَحنًا
كاتِبًا عَن شيوخِ يأجوجَ سِفرا
.
مادِحًا كُلَّ كادِحٍ ماتَ جُوعًا
قادِحًا كُلَّ سارِقٍ مِنهُ أَثرَى
.
هكذا عاشَ حاضِنًا كُلَّ قلبٍ
وهو بُؤسًا يَذُوبُ قَلبًا وصَدرا
.
لَم يَكُن شاعِرًا على كُلِّ حالٍ
كانَ خَلْقًا بكُنْهِهِ اللهُ أَدرَى!
.
(جاءَ مِن نَفسِهِ إِليها وَحِيدً)
حاطِبًا عُمرَهُ صَقِيعًا وقَفرا
.
أَشْبَعَ الصَّبرَ جُوعُهُ, في بلادٍ
مِنهُ تَطهُو, وأَشبَعَ الجُوعَ صَبرا
.
(كانَ يَدعُو الرُّبَى: سُعادًا.. لَمِيسًا..)
كي يَرَى في الحَصادِ زَيدًا وعَمْرَا
.
غيرَ أَنَّ الرُّبَى لِمَن باعَ تَهفُو
لا لِمَن باتَ يَصهَرُ اللَّيلَ حِبرا
.
(كان أَنقَى بدونِ خَبْزٍ وأَكلٍ)
فهو أَحرَى بِمَوقِفٍ لَيسَ يُشرَى
.
كان يَحيَا كَمَوجَةٍ مِن سَرَابٍ
أَرهَقَتها الرِّياحُ مَدًّا وجَزرا
.
"لَم يَنَل ما يُرِيدُ.. حتى المَعَاصِي)!
فالمَعَاصِي بغَيرِهِ كُنَّ أَحرَى
.
إِنهُ أَصدَقُ المَجَانِينِ حُبًّا
(إِنَّهُ أَخطَرُ الصَّعالِيكِ طُرَّا)
.
أَيُّهُم خَطَّ لِلحَصَى مهرَجانًا
مِن طُيُوفٍ, وقالَ لِلمَوتِ عُذرا؟!
.

*****
 

 

كانَ كُلَّ البلادِ.. طِينًا ولَحمًا
وهو شَوقًا يَمُوتُ شِبرًا فَشِبرا
.
أَغلَبُ الظَّنِّ أَنَّهُ اشتاقَ مَوتًا
أَغلَبُ الظَّنِّ أَنَّهُ ماتَ قَهرا
.
لَم يَمُتْ بَعدُ.. لَم يَعِشْ بَعدُ.. قالُوا
عاشَ تَتْرَى.. وقِيلَ بَل ماتَ تَترَى
.
لَم يَزَل خَلفَ صَوتِهِ ذا تَصَادٍ
شارِحًا ما جَرَى وما سَوفَ يَطرَا
.
(جَرَّبَ المَوتُ مَحْوَهُ ذاتَ يَومٍ)
قالَ: أَنْسَى.. ولَم أَجِدْ بَعدُ قَبرا
.
(سَوفَ تَأتِي أَيَّامُنا الخُضرُ.. لكنْ)
حِينَ تَغدُو ضَمَائِرُ الناسِ خُضْرا
.
إِنَّ عُمرًا يَضِيعُ في غَيرِ حُلمٍ
يَشربُ الناسُ نَومَهُ لَيسَ عُمرا
.
هكذا عاشَ.. كُلُّنا فيهِ جُرحٌ
إِنَّما مَن لِجُرحِهِ اليَومَ يَقرَا؟!
.
لَو قَرَأنا جِرَاحَنا ما انهَزَمنَا
نَحنُ شَعبٌ يُريدُ بالجَهلِ نَصرا
.
هكذا الشِّعرُ دَفقَةٌ مِن شُعُورٍ
لَيسَ مَن حَكَّ شَعرَهُ قالَ شِعرا
.

 

 28-12-2016
ما بين قوسين مختارات من عدة قصائد للبردوني

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص