الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
فيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن” للمخرج المصري يسري نصرالله باريس ــ حميد عقبي
الساعة 15:46 (الرأي برس - أدب وثقافة)



يأتي عرض فيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن” للمخرج يسري نصر الله بعد فترة طويلة لم نشاهد فيها فيلماً مصرياً بقاعات العرض الفرنسية، لعل ذلك بسبب الضعف الفني والجمالي والفكري للسينما المصرية، والفيلم من بطولة ليلى علوى ومنة شلبى وصابرين وباسم سمرة وأحمد داود ومحمد فراج وأنعام سالوسة، تأليف أحمد عبد الله ويسرى نصر الله، عن فكرة باسم سمرة، من إنتاج أحمد السبكي.
 

سنحاول التوقف لقراءة ومناقشة هذا الفيلم، فالحكاية بسيطة ورغم وجود تعقيدات عميقة ورصد لبعض المتغيرات الجديدة التي يمر بها المجتمع المصري إلا أن المعالجة لم تتعمق لهذه المواضيع الحساسة ومارست نوعاً خفيفاً من العرض لها، فمثلا مواضيع الحب والرغبة والخوف هي حاضرة ولكن الكثير من التفاصيل الثانوية طغت على الأساسيات وكثرة الشخصيات وتنوعها كانت من الممكن أن تقفز بالفيلم لكن بعضها ظل بلا قيمة، نشاهد الكثير من المشاهد لتحضير العرس وتجهيز الأطعمة وحركة الشخصيات هنا وهناك وبعض النقاشات كانت سطحية لا تختلف كثيراً عن تلك الأفلام التي ينتجها السبكي والذي تعود في كل فيلم أن يقدم لنا راقصة وحفل عرس وغرزة حشيش وفيلا فاخرة وهكذا يتم عجن أفلامه، نندهش بشدة أن يلتقي يسري نصر الله والذي لها نمطاً خاصاً ولغة سينمائية محترمة وفنية مع المنتج السبكي صاحب الخلطات التافهة.
 

أحداث الفيلم الذي ينتمي الطابع الاجتماعي تدور حول يحيى الطباخ الذي يعمل مع ولديه في تحضير وجبات الأفراح والمناسبات ثم يدخلون في صراع مع أحد الاثرياء أبو ريه الذي يريد الاستحواذ على منزلهم ليقيم مشروعًا للأكلات السريعة.
تدور أحداث الفيلم في مدينة بلقاس بمحافظة الدقلهية أي أننا سنعيش في الريف المصري ونُحسُّ بجمالياته وبساطة أهله وخضرة زرعه لكن هذا لم يظهر في الفيلم ولم نشعر أن هذه الشخصيات ريفية في تصرفاتها ولا لهجتها ولم تدخل الكاميرا أي بيت ريفي بسيط وكانت لدى المخرج فرصة خلق الكثير من الدلالات والرموز، لكن يبدو أنه لهذه العناصر، كما أن المخرج تأخر كثيراً في عرضه للصراع والقضية الأساسية أي طمع أبو رية في لوكندة الطباخ وطموحاته بعمل مصنع وجبات سريعة تحل محل الأكلات الشعبية والذبح والطبخ وما تصاحبها من طقوس، فلماذا أغرقنا الفيلم في هذه البداية التي لم تقل شيئاً؟ وكذلك النهاية يبدو أسلوب تنفيذها ضعيفاً للغاية وبطريقة نعجز أن نقتنع أننا مع حضرة يسري نصر الله.

 

يسري نصر الله بعد غيابه أكثر من أربعة أعوام وكان الجميع ينتظر منه عملاً فنياً ولكن بحسب أغلب النقاد أن النتيجة مرتبكة والفيلم مترهل بلا هوية، وحتى المشاهد الجريئة لا جديد فيها وتبدو الشخصيات هشة ومما زاد الطين بلة أغنية بلا معنى لمحمود الشاذلي مع راقصة قدمت عرضاً شهوانيا بعيد جداً عن روح الرقص الشرقي كما أن ذلك الخلط الغريب في سرادق الفرح ومنصته وهنا نلمس مسحات سبكية خالصة.
 

عندما نتعمق في الشخصيات وتحاول تحليلها لا تساعدك هذه الشخصيات لا تساعدك كونها فقيرة البناء فمثلا رفعت (باسم سمرة) نراه مبتسماً طوال الوقت ولم يقدم دوراً مختلفاً عن أفلامه السابقة وكذلك منة شلبى لم يكن لديها دورا حقيقيا، جلال أي الشقيق الذي يختلف عن رفعت لم نرى التناقضات ولم تولد صراعات صغيرة مثلا وظلت العلاقات داخل الأسرة تنسكب بشكل ميكانيكي لا يُحدث ردود فعل كبيرة، بشكل عام كل العلاقات ظلت جافة فمثلا شادية (ليلى علوي) شخصية متعلمة ومثقفة وتجد شخصاً يحاول القرب منها أي رفعت وهناك فوارق ثقافية كبيرة وكان رفعت يشعر بالفوارق ولكن فجأة في النهاية عندما يرمي الجميع بأنفسهم بالترعة أي في الدقيقة الأخيرة يصبح كل شيء ممكن وتحدث المصارحات ثم الملامسات والعناق كأننا مع فيلم هندي من تلك الأفلام التجارية درجة عاشرة.
 

في حوار مع المخرج بمجلة تليراما الفرنسية يصف الفيلم بأنه الأكثر شعبية، وأبسط في علاقتها مع المشاهد وأن رغبته الأولى أن يتحدث عن ما يجعله سعيدا أي الطبخ، الحب والجنس في مصر، ويوضح أن الناس تصفه أنه لا أخلاقي بسبب عرضه لبعض الرغبات الجنسية لنساء متزوجات وعازبات، ثم يقول:ـ “المصريون لا يحبون ذلك! لكنني أعرف جيدا أن المصريين يحبون ذلك! هذا هو النفاق العام الغريب، وهذا ليس هو اليمين الديني الذي هاجمني”.
 

ثم يتحدث عن حرمة ومنع الرغبة فيقول هي ممنوعة قليلاً ولها عواقب سلبية جدا. نسمع الكثير عن المرأة والتحرش في الأماكن العامة، وهذا يدلل عن العنف الداخلي لدى الناس، لا يمكنك الوصول إلى رغبة شخص، أو رغبتك غير المشروعة، والمعاملة بالمثل التصريح بالرغبة شيئا نخجل منه وللتعبير عنها نستخدم العنف. والمجتمع كله يصبح عنيفاً. ولكن في مصر، كما في أماكن أخرى، أشعر برغبة لاستعادة جزء إنساني وبشري. هذا هو ما أريد أن أفعله مع هذا الفيلم.
 

من هنا نفهم أن المخرج كان يطمح أن يحقق كل هذه الأفكار، لكن هذا الكلام الذي يصرح به في الخارج لا نرى أنه تحقق في الفيلم وللأسف نشعر بالخسارة فقد سقطت لغة نصرالله وطغت عليها سطحية السبكي وتفاهته.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً