الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
القلق مرض العصر - مصطفى لغتيري.
الساعة 13:47 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


"القلق مرض العصر" كثيرا من ترددت على أسماعنا هذه العبارة، التي تعني مما تعنيه أن هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي توغل عميقا في التطور الحضاري والتمدن، أصاب الإنسان بالقلق، وذلك نتيجة لعدة أسباب متداخلة ومركبة، ومن الصعب فصلها عن بعضها البعض. 
وحين نتحدث عن القلق فإننا لا نقصد الخوف، الذي غالبا ما تكون أسبابه واضحة ومفهومة، ويمكن التغلب عليه بسرعة، كما أنه أي الخوف يتميز بطابعه اللحظي في كثير من الأحيان عكس القلق الذي غالبا ما يكون مزمنا.

 

ويمكن تعريف القلق باعتباره حالة نفسية معقدة، يشعر صاحبها بعدم الارتياح وبالتوتر دون أن يدرك سببا لذلك، وهو بالطبع حالة مستعصية عن الحل، وقد تلازم الفرد عمره كله. 
وفي محاولتنا لحصر أسباب هذا القلق يمكن أن نتحدث عن عدة نواحي، نراها مؤهلة لتكون أسبابا عميقة لخلق هذا القلق وتنميته، وفي رأيي المتواضع يعتبر الخوف من الفشل في المستقبل من أهم أسباب القلق، خاصة في مجتمعات أصبحت تتخذ النجاح المادي والمعنوي مقياسا للحكم على الأفراد داخل الأسرة وخارجها، رغم أن هذا النجاح قد يكون زئبقيا وغير محدد المعالم، ولا يمكن لأي أحد التكهن به، حتى وإن كان الجميع مطالبا بتحقيقه.

 

و يمكن بالدرجة الثانية التحدث عن رهاب الموت، الذي لا يمكن إلا أن يكون مصدرا مهما لقلق الفرد، فحين يتطلع المرء من حوله ويرى أن الموت حقيقة لا يعلى عليها، وهو المزود غريزيا بحب البقاء، فضلا عما يكتسبه ثقافيا بهذا الخصوص، فإنه لا يملك سوى أن يصاب بلوثة القلق، التي تزداد حدة كلما فكر الإنسان في هذا المصير، الذي يعد هو والعدم سواء، رغم المحاولات التي تتغيا التقليل من حدته.
 

ودون الخوض كثيرا في الأسباب الأخرى، التي يمكن أن تسبب القلق النفسي والوجودي للإنسان، وهي كثيرة ومتنوعة، وتختلف من شخص إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، فقد يصبح حدث عاد في بيئة غير مناسبة مدعاة للقلق، كاللقاء بأناس غرباء أو إلقاء كلمة وسط حشد من الناس، أو التفكير في الزواج، هذا فضلا عن الأمراض العضوية والنفسية التي يصاب به الشخص أو يتخيل نفسه مصابا بها في المستقبل، ومن ذلك التفكير في الشيخوخة، وافتراض فقدان الجمال في مرحلة من العمر بالنسبة للأنثى على الخصوص، وما إلى ذلك من الأسباب، وهكذا يمكننا القول إن القلق بطبيعته لا يمكن إلا أن يصاحب الإنسان في مسيرته في دروب الحياة ، وهو ليس بالضرورة سلبيا، إن كان متحكما فيه ولا يتجاوز حدودا معينة، و لا يتأتى هذا التحكم إلا باشتغال المرء على ذاته، وخاصة فيما يتعلق بالشعور بالذنب المرضي تجاه أي خطأ يرتكبه، وفي كثير من الأحيان حتى تجاه أخطاء لم يرتكبها، لكنه يتحمل وزرها بفعل تراكمات نفسية وثقافية معينة.
 

كما يتعين على المرء تطوير استراتيجية في التعامل مع يواجهه في الحياة من صعوبات، فالقلق المبالغ فيه تجاه أمور بعينها قد تستهلك منه كثيرا من الطاقة، التي هو في حاجة إليها، كما يمكن أن يعيقه على التصرف المناسب تجاهها، لذا تعد أول خطوة في مسار التخلص من حدة القلق الاقتناع أولا بأن لا فائدة ترجى منه، وأن يقنع المرء نفسه بأن أي مشكل سيحدث مستقبلا ، حتما سيجد الحل المناسب له، لكن بعد أن يحدث وليس قبل ذلك، لأن دراسة المشكل جزء من الحل، وبالطبع لا يمكن دراسة مشكل لم يحدث بعد، وقد لا يحدث أبدا. كما على المرء درءا للقلق من التقدم في السن، أن يقتنع بأن لكل سن حلاوته ، بل هناك من يعتبر الشيخوخة -من منظار معين- العمر الذهبي للإنسان، حيث النضج والهدوء والحكمة والتأمل العميق بعيدا عن ضغط الصراع المحتدم من أجل الحصول على مكاسب الحياة كما يكون عليه الحال في مرحلة الشباب.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً