الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كهنوف قراءة انطاعبية واستنطاقية لما بين سطوررواية كهنوف .. - فاروق مريش
الساعة 17:46 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


في البداية أعجز أن أقول في حضرة الاختصاص وأصحاب الأقلام الساحرة ما يبطل أسحارهم , وإنما سأحاول جاهداً أن أضع بين أيدكم ما استطاعت مخيلتي أن تستلقفه من أبعاد ورؤى وخيال هذه الرواية الجديدة في الأسلوب , والغريبة في المضمون والعجيبة في السرد , والمترابطة بالأفكار , والمتداخلة في الشعور والمنسجمة في الطرح والمتوحدة في الغاية والهدف والاحساس .
آملاً أن أوفق في استنطاق نص مملوء بالتعاويذ , وفي فك رمز معقد الشفرة ومسبوك الحبكة .

 

كهنوف , وما أدراكم ما كهنوف .. فعندما استلمت هذه الرواية لأول مرة تبادرني سؤال ملح ما هو هذا الكهنوف والاسم الذي يوحي بعمل له ارتباط وثيق بالحداثة والتجديد والخروج عن المألوف .. فقلت هل هوى إسقاط لثقافة الكهف على المدنية أم هو حروف مبعثرة سأكتشفها من خلال قراءتي لما تخبئه جنبات تلك العين المريبة التي تزين الغلاف ..
 

أم أن كهنوف هو تشبيه باستخدام أداة التشبيه حرف الكاف والهنوف كما هو معروف في لغة العرب أنه صوت الضحك فوق التبسم أو صوت المناجاة الهامس .
السؤال الآخر الذي استوقفني لماذا عدد كتاب هذه الرواية بلغ 19 ولم يكتمل الكاتب العشرون , فقلت في نفسي لعلها دعوة غير واعية وبشكل سريالي كما هو أسلوب هذه الرواية , وتخاطر عقلي اللاوعي بأن أكون أنا الكاتب المكمل للنص والموفي للعدد والشارح للأبعاد التي تحدثت عنها الفصول بقصد أو بدون قصد .

 

لم يقف فضولي عند هذا الحد من الجدل , أمسكني هذا الفضول من حلقومي وقال سأمنعك من مسايرة الحروف إن لم تشف غليلي في سؤال مفاده : هل لهذا النموذج من سابق عهد , وهل للرواية المشتركة بهذا الكم من الأمزجة المتباينة سنة قد سبقت ؟
أجابه شرود جعلني أبحث عن هذه المتاهة التي تبدو أنها ستجرني قسراً إلى كهف من الحيرة أعمق من كهف كهنوف , حتى أُلهمتُ القول له ناقلاً عن صاحب الحضارة قوله : ( اقدم الروايات الصينية رواية شوي هو جوان أو قصة حواشي الماء التي ألفها رهط من الكتاب في القرن الرابع(
بل كانت الملاحم والأساطير اليونانية كالإلياذة والأوديسة وغيرهما مما يرويه الناس، ويتناوبون في الإضافة عليها جيلاً بعد جيل إلى أن تهيأ لشاعر مثل هوميروس أن يدونها، وينظمها من خلال الشعر. وأنا أعتبر أن الأساطير والخرافات والأمثال الشعبية من النصوص التي لم يكتبها كاتب واحد بل قام بصياغتها ضمير جمعي ممتد في الزمان والمكان هي من هذا النوع , وهذا ما تؤكده مقولة الشاعر الفرنسي لوتريامون: (يجب أن يُكتب الشعر من الجميع. لا من واحد( .

 

واليوم وأنا أقف أمام هذه التجربة الفريدة والعميقة فكرةً وسرداً وصياغة , لأنحني إعجاباً أمام هذا المزيج القومي الذي يجسد بكل رقي وحدة الشعور والانتماء , ووحدة الهم والمصير والحلم الذي ينتاب كل إنسان فطري يحمل في طياته روح وضمير وفطرة المخلوق الأزلي ( كهنوف ) .
فمن هو كهنوف أيها الأعزاء :

 

كهنوف هو الضمير الغائب للحضارة الإسلامية والإنسانية منذ أن غرقت بغداد والخلافة بدماء التتار ولا زال ذلك الصراع سائحاً في دهاليز القرون الدموية إلى اليوم .
كهنوف هو الكابوس الجاثم على الحياة التي تحاول اليقظة , وهو الأمل الذي يطاول الشمس لينتزع من نارها بصيص نور يجمل به ظلام الأفق .

 

كهنوف هو السلام في زمن الحرب , وهو الحب أثناء الكراهية , هو الحركة وقت الجمود , هو التعايش وقت الاقتتال هو العقل بين المجانين , وهو الرجاء عند الخيبة هو الشك عند اليقين , هو الحقيقة عندما تتجلى الشبهات وهو الراسخ عند حلول الآفلين وهو الجمال والابتسامة والخير والاحساس ورائحة العطر حين مرور عفن الباروت ونتن الدواعش وأنصار الشيطنة .
 

كهنوف كما وصفته الرواية صفحة 6 بأنه تصغير كهف , وفي صفحتها 76 بأنه سريالي الروح مرئي الجسد في آن .
كهنوف هو الجدل مع مسوغات الإرهاب , وهو الكشاف الذي يسلط الضوء على الذرائع المتعددة بحسب كل قطر عربي لتخدم ذات الهدف الموصل لأنهار الدماء التي تسكب في الفرات والعاصي والنيل والبحر الأحمر .

 

فيا ترى ما هي قصة هذا المخلوق الذي عاش على محور الزمن كما قال اينشتاين , وسار عبر الأزمنة بسرعة التخاطر التي تتجاوز سرعة الضوء , وتلون بين عوالم الأشعة فوق الحمراء وما تحت البنفسجية ؟
بدأ رحلته من آخر مكان نام فيه حيث استيقظ بعدها بقرون في ذات المشهد ونفس الكارثة ولكن بعد أن تغيرت اللغة والأشكال ووسائل الغزو والمواصلات .

 

فحرب التتار كانت أرحم على قلبه كونها من عدو خارجي متربص ترفع راية هولاكو وجنكيز خان , لكن تتار الحاضر ومصاصوا دماء اليوم يحملون راية الرب يقتلون بالتكبير يتقربون إلى الله زلفى بدماء الأبرياء , يشبعون غرائزهم .. يملئون خزائنهم .. يستثيرون نهمهم , بأشداق أنيابهم التي تضحي بكرامة الخلق بدعوى إرضاء الخالق .
 

في صراع طويل مع عوالم متداخلة وكوابيس مزعجة ودوائر تتضاءل مراكزها لتخنقه مراراً يحاول كهنوف كل مرة أن يقول للعالم مشكلتنا مع من يدعون أنهم أوصياء الله , ورجالاته الذين يحاولون حمل رسالاته بمظاهرهم , كان يصرخ كل مرة أين أنا باحثاً عن الحقيقة عن الخالق ومظاهره التي تتجسد في مخلوقاته , لكنه لم يعثر عليها في العراق ولا سوريا ولا حتى في أرض النبوءات , لم يجدها في كنيسة القيامة ولا وسط الحضارة الفرعونية , بحث عنها بعين ثالثة عله يجدها بين سطور السحرة وأسرار الأشباح وقاع المحيطات وأصقاع الأرض حتى في حالمة المدائن ومكة المحرمة , فكانت كل مرة وكل محاولة تزيد من توسع الهوة بينه وبين السؤال الذي قد يبدو للبعض أنه مسوغاً لقتله , لم أجد الإله الذي خلقنا , فقط وجدت إلهاً أنتم خلقتموه ! 
 

الإله الذي خلقتموه يشبهكم تماما .. كاذب، مُتصنّع، يعطي وعوداً كاذبة، يلبي رغبات الأغنياء يرسل الرياح لترفرف معها الرايات السوداء , ويضع الفقراء على قائمة الانتظار، أما الإله الذي خلقنا فأضع كل ثقتي به، يدعونا إلى مساعدة الفقراء، يدعونا إلى حُسن المعاملة، لا يطلب أموالاً ولا قرباناً ولكن كل ما يطلبه هو طاعته في الخير وحب الناس .. هذا هو إلهي.
 

أما من حيث أسلوب السرد لهذه الحزمة من الأقلام المارقة عن عادات وأعراف السرد النمطي والمنطقي .. فإني أشبهه بسباق التتابع , ما أن يصل المتسابق الأول حتى يسلم الراية للذي يليه , فيكمل مشوار الحبكة بأسلوبه الذي يخدم هدف السياق والسباق معا , ويجعل لطابعه مساحة وحرية ذات ماركة مميزة للقلم القارب الذي يحمل بين جنباته الشخصية فيحركها بكل ذهول ودهشة بين زمكان ولا زمكان هذه الرواية المثيرة والمذهلة , واسمحوا لي أن أعترف بأني فقدت البوصلة في بعض الأحيان وقد كنت أحس أني أدور في دائرة مغلقة حول كهنوف الذي لم يعد يتحرك من مكانه , حتى جاءت الصفحة 61 لتلقي في عالمي الشارد قنبلة اليقظة ولتصرخ في أنفي الموصل لأذني قائلة , إعطس .. وقل الحمد لله فقد بلغت الذروة .
 

الذروة بكل ما تحمله الشمس من سطوع وبكل ما ينقله الضوء من معرفة ..
وأدعي أن هذا العمل المعجز والمبهر كان ينقصه مايسترو يعيد تناسق الأوزان في آلات الفرقة الموسيقية , أو كما يسميه الرياضيون يفتقد لصانع الهجمة وكابتن الفريق الذي ينقل الكرة التي استمرت طويلاً في خط الوسط ولم يتحقق الهدف إلا بعد أشواط إضافية طويلة .

 

تنتهي هذه الملحمة في طريقها نحو الحقيقة التي لا تعتريها شكوك وباتجاه السطوع الذي لا يخفت , كان الضمير الغائر في الروح الباحثة عن الخالق يبحث عن مولاه في مكة , أرض القداسة وطهارة زمزم واضعاً كهف الغار الذي هبطت إليه حروف الحياة ,محل مقارنة مع كهف الموت في بلاد الرافدين .
 

لكنه حتى وهو في سلام الزمان والمكان وجد داعش الفكر وجراثيم الحس الإنساني وعشاق الدم والدمار يلاحقونه ويصنعون قرناً للشيطان يمد وشاحات انتقامه حتى في البقاع المباركة , ولذلك كهنوف الرمز , وكهنوف الروح الهائمة بحثاً عن الفردوس المفقود , وكهنوف السلام والتعايش والكرامة والعدالة وثورة القيم والإنسانية يتذكر ما صاغته الكلمات الأولى للرواية : ( الوعي شفاء , قبل أن يلفظ فصله الأخير دهساً تحت أرجل العباد والنساك , السلام موجود في دواخلنا , فلا نبحث عنه في الخارج ) .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً