الاثنين 23 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
هل نحتاح إلى أدب "نظيف" أم إلى أدب جميل؟ - مصطفى لغتيري
الساعة 13:12 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



بين الفينة والأخرى ترتفع بعض الأصوات لمحاكمة النصوص الأدبية محاكمة غير أدبية، وغالبا ما تكون هذه المحاكمة أخلاقية بسبب مشهد"ساخن"هنا أو عبارة "قليلة الأدب"هناك، فيجد الأدباء والنقاد أنفسهم -نتيجة لذلك- في موقف حرج، مجبرين على التذكير بأن للأدب قوانينه الخاصة، وأنه يتعين على المتعاطي معه محاكمته بمعايير النقد الأدبي، الذي يراعي الصدق الفني في النصوص بدل الصدق الأخلاقي.

 


نظرا لأهمية الموضوع خاصة مع الموجة المحافظة التي تكتسح الوطن العربي، والتي لاشك تسرب بعض تأثيرها إلىالأدب والأدباء، طرحنا الإشكال على رواد "غاليري الأدب" لنعرف رأيهم فيه، وكانت الصيغة التي اخترناها لطرح الموضوع كالتالي:
- هل الأدب في رأيك ملزم بالتقيد بالصدق الأخلاقي لإنتاج ما يسمى ب" الأدب النظيف" أم أن المهم فقط هو الالتزام بالصدق الفني، وإنتاج نصوص أدبية منسجمة في بنيتها الداخلية وتوفر لقارئها المتعة والفائدة؟

 

 

وقد كانت الناقدة والمبدعة حسنة أولهاشمي عضو إدارة "غاليري الأدب" أول من قارب هذا الموضوع، مفتتحة كلامها بتوطئة نظرية تثير الانتباه إلى إشكال تسمية" الأدب"، التي قد تساهم في بعض اللبس باختلاط المعنى اللغوي بالاصطلاحي، فتقول بأن المتلقي أو القارئ لما له من دور هام في اكتشاف جمالية النصوص يختلف ذوقه كما تختلف رؤيته في تلمس طبيعة النص ،وهويته وشعريته وعمقه والأهم من كل هذا صدقه الفني، اختلاف قد يعود للمرجعية الثقافية بالأساس، ويحصل أن يتم الحكم على المادة الأدبية و نوعية الرسالة التي يحملها الخطاب أو الفكرة التي يعالجها انطلاقا من التعريف السطحي للكلمة- أي أدب تأدب- فيسقط النص في متاهة التضييق ومحدودية المعنى والعبارة، وتختنق روح هذا النص بمعايير سلوكية أخلاقية قد تفقره من صدق لازم و ضروري لضمان شفافية الإبداع وعفوية اليراع ليتحقق القرب الحميمي بين المبدع والمتلقي، صدق فني يبني أسوار الجمالية الثرية وينسج مصداقية ما أبدعه الكاتب المجبَر على الوفاء للعهد الذي أخذه على نفسه في تقريب الصورة وتعرية الخلل سواء في الذات أو الواقع أو القيم ..يحصل أن يجد الكاتب نفسه في وضع حرج - تضيف حسنة شارحة موجهة نظرها- حين يتناول عاهة ما في المجتمع، لكي يكون نزيها يصور تفاصيلها بجرأة وحدة يراهما المبدع لازمين لإيصال المغزى والهدف ما يجعله يُقذف بوابل من العتاب والرفض باعتبار ما أنتجه يمس "بنظافة الأدب" فتبقى حيرة السؤال مستمرة هل بالصدق يكسب المبدع قارئا يقدرحرية الجمال أم بالكذب الفني سيكسب قارئا يحجب حقيقة هذا الجمال؟؟
 

 

بعد هذه التوطئة تحسم الناقدة حسنة موقفها بنوع من التوازن فترى أن الأدب ملزم بالتقيد الأخلاقي والتقيد الفني، شرط أن يكون هذا التقيد رحيما ، وسَطا يعي مسؤولية الحكم على المقروء ويحترم في الآن نفسه حرية الإبداع ويقدس أهدافه ومراميه.. وتستطرد حسنة موضحة أن الصدق الفني في الكتابة ضرورة ملحة لنجاح العطاء ورقي المبدع وكسب ثقة القارئ وبالتالي الوصول لى جدوى الأدب، لكن لا يجب المغالاة في الجرأة والزيادة في جرعة "التفتح" الذي قد يكسر أو يخدش روح المغلف والمباح بطريقة تستفز الملَكات والحواس والإحساس وتمرغ روح الفكر والعقيدة وإنسانية الإنسان في وحل الالتباس والابتذال والتهكم.. والالتزام بالصدق الأخلاقي كذلك ضروري شرط أن يكون متناغما يخدم عمق الأدب، يعترف بالمخالف ويبيح له حرية الرأي ويمنحه حق الاعتراض..صدق أخلاقي نزيه يقارب الخطاب في جوهره، بعيدا عن كل حزازات تحكم وتحاكم الزبد والسطح وتهمل فحوى ولب الإبداع..
 

 

أما الأستاذ خالد مزياني فبدا حاسما وصارما في طرحه فقال بأنه يعتقد بأن ليس هناك أدب نظيف وأدب غير نظي، مؤكدا أن هناك أدبا جادا وملتزما بقضية ما، كما أن هناك أدباء جادين وملتزمين وأدبا تافه وأدباء تافهين يكتبون لمجرد الكتابة ليشار اليهم بالبنان، دون أن يحملوا مواقف حقيقية وقضايا يدافعون عنها. وهذا الأمر يقودنا للحديث- يضيف مزياني- عن رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري والضجة التي تولدت بعد إصداره وما لحقه من عتابات وهجوم. هنا أقول إن الأدب الذي لا يخدم المجتمع ويقدم حقيقته ويؤرخ لمجتمع ما كما فعل الخبز الحافي الذي" أرخ" لحقبة تاريخية من تاريخ المغرب المعاصر ونزع القناع عن الحقيقة التي يخفيها الساسة حفاظا على مكانتهم وربطات أعناقهم هو أدب لا قيمة له وأدب سيزول مع غروب الشمس. وضيف الأستاذ خالد موضحا وجهة نظره بأن الأدب هو نتاج مجتمع معين ولكي يكون نتاجا إيجابيا يجب أن يكون حرا وليلبس ما يشاء من الألبسة بعيدا عن القذف والتجريح لمجرد القذف او للبحث عن شهرة معينة .
 

 

أما القص حسن لختام الفائز بإحدى جوائز "غاليري الأدب" في القصة القصيرة، فيرى أن الأدب بصفة عامة يحتاج إلى فضاء لانهائي من الحرية كي يذهب أبعد وأعمق، لأن حدود الحياة الملموسة هي أقصى ما تطاله أيدينا، على حدّ تعبير أنطوني تابوكي. لكن في نفس الآن لابد من الصدق الأخلاقي ..لأن الأدب رسالة سامية..تسمو بالإنسان إلى مدارج الحب لو اجتمع الصدق الفني بالأخلاقي في العمل الأدبي، سيحقق مقصده ومبتغاه ورسالته الإنسانية وسيصير العمل الأدبي سردا مقدّسا، يقوم بتبليغ رسالته بطريقة روحانية.
 

 

فيما انطلقت القاصة والشاعرة رحيمة بلقاس من اللمقولة الشهيرة ، التي مفادها أن الأدب مرآة المجتمع، فهو يعكسه ويعكس معاناته، ويعبر عن قضاياه.فهو في رأيها "تاريخ "صادق يسجل أحداث المجتمع.
وتضيف مسترسلة بأن الأدب يدون حضارة هذا المجتمع أيضا، في كل المجالات : العادات، اللباس، المطبخ، الاعراس.... الحياة بصفة عامة.
ومن هنا- تستنتج الأستاذة رحيمة- بأن الأدب تعبير صادق يبوح بمكنون الواقع. ولا يمكن أن تقول أن هذا أدب غير أخلاقي يمس بالأدب، وهذا أدب نظيف، أو أن نقول هذا أدب نظيف مقبول والآخر ساخن مرفوض. بل علينا أن ننظر إليه من زاوية مدى جودته وصدقه ورقيه والتزامه بقضايا وطنه، ومدى تناوله لمواضع هادفة لها صلة بالمواقف والمبادئ والرأي فيما يعايشه الأديب من ظروف وأحداث أكانت سياسية او اجتماعية أو دينية أو اقتصادية...
الأديب جزء من هذا المجتمع ولا يمكن أن يكون إلا لسانه.

ـوتستدرك القاصة بلقاس قائلة بأنه لا يمكن أن ننكر أن هناك أدبا تافها ركيكا لا يحمل أي رسالة ولا قضية، وهذا الأدب مصيره الموت ولا يحتاج حتى الاشارة إليه ولا نقده ، ولا اعتباره أدبا.
ومن هنا يمكننا القول بأنه لا يخلد إلا الأدب الجيد والراقي الصادق مع نفسه .

 

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً