الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مشهد اللاحياة في مدينة التسعينيين اليمنيين صنعاء من الأسطوري الباذخ إلى الوحشي المتآكل(1-3) -علوان الجيلاني
الساعة 14:42 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


إذا وضعنا في اعتبارانا أن عدداً كبيراً من شعراء المشهد التسعيني اليمني قدموا إلى المدينة (صنعاء) غالباً من قرى غارقة في ريفيتها، فإن بإمكاننا أن نتلمس أن هؤلاء الشعراء وقعوا تحت مؤثرين: المؤثر الذي طالما تحدثنا عنه وهو الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي جدت بعد عام 1990م محلياً وعربياً ودولياً.
- ومؤثر الانتقال للعيش في المدينة.... والتعرض لمفاهيم جديدة عليهم.. وإن لم تكن جديدة قياساً بمدن أخرى عربية.. ناهيك عن المدن العالمية بحكم واقع البلد الفقير المتخلف.
ما نتج عن هذين المؤثرين هو أن هؤلاء الشعراء بدأ يتكون عندهم ما يسميه (هايك كرانغ) بـ(بنية من الإحساس) الجديد فثمة تقابل وتضاد بين حياة المدينة التي تشعرك بالوحدة والغربة، بينما أنت في خضم هادر من الناس، وحياة القرية التي تحس فيها بالجماعة والحميمية وسط عدد محدود من الناس تعرفهم ويعرفونك.

 

حياة المدينة تبدو (عالماً من الغرباء) بل هي سلسلة من الاحتكاكات مع أناس تعرف عنهم القليل ويعرفون عنك القليل.
أما حياة القرية فتواجه فيها كل شيء وأنت تعرفه.. وتستطيع التنبؤ ولو نسبياً بما يؤول إليه كل شيء ولذلك تستطيع عيش كل شيء بعمق واطمئنان معززاً بذاكرتك التي تفتحت على المكان ونمت فيه ووعت كل جزئياته وعياً حقيقياً.

 

مقابل حياة المدينة التي تعيش فيها عزلة وسط تجارب سريعة ومتشرذمة لا تستقر ولا تدوم.
البيت في القرية غالباً بيتك الذي ولدت فيه وتربيت.... والجيران غالباً أقاربك إن لم يكن أهل القرية كلهم..... الأفضية التي تلعب فيها.... يملكها أهلك.... والأرض التي تأكل منها غالباً أرض أبيك وجدك وأرض أهلك وأقربائك.... كل رائحة تشمها اختزنتها ذاكرتك منذ أول يوم في حياتك على الأرض.
البيت في المدينة غالباًَ بيت إيجار... علاقتك به نادراً ما يتوفر فيها معنى (السكن)، المؤجر يذكرك أول كل شهر أنه ليس لك.. ستتذكر دائماً أن عليك تقديم تنازلات كثيرة لصاحب البيت وللجيران.
فضاء شقة في عمارة في المدينة.... يختلف تماماً عن فضاء البيت في الريف.. في الريف أنت لا تزعج أحداً مهما فعلت... أما في المدينة فكل حركة محسوبة.

 

الجيران غرباء وذوو طبائع مختلفة.. وكل يعيش حياته وفق اشتراطاته... ومرجعياته... حياتك وما تتعرض له لا تهم الآخرين وأنت قليلاً ما تبالي بهم.
أما إذا وضعنا في اعتبارنا أن شريحة من هؤلاء التسعينيين جاءوا إلى المدينة (صنعاء) نهاية الثمانينيات أو مطلع التسعينيات للدراسة الجامعية أو بحثاً عن عمل... أو وجودٍ كانوا يبحثون عنه -ومعنى ذلك أنهم جاءوا في بداية شبابهم-، فإن معظم هؤلاء سكنوا غرفاً أرضية، أغلبها كانت دكاكين في الأصل، ومعظمها تنقصه الحمامات والتهوية وتفوح منه روائح العطب والعفونة.... وإذا كنا نعرف أن معظم هؤلاء عاشوا سنوات طويلة... يرزحون تحت ظلام هذه الغرف.... ويتجرعون الغربة في زحام الأسواق.. والتسكع على الأرصفة ومقاعد البوفيهات والمقاهي والمقايل.. ثم الكتابة المترافقة مع هلاوس الصوطي( ) وروائح أقدامهم المتسلخة.

 

لقد أصبح هذا النوع من المبدعين بالذات نموذجاً شعبياً للمبدع التسعيني في مدينة صنعاء.. ذلك المبدع الذي يقضي وقتاً طويلاً في ممرات كلية الآداب... يراقب الطالبات اللائي لا يطمعه مظهره ووضعه حتى بالتفاتة من إحداهن... ثم يذهب غالباً إلى مقيل إحدى الصحف ليناقش ويصرخ ويحتج على كل شيء في الدنيا حتى إذا (قرحت) التخزينة( ) انكفأ على نفسه يكتب ويجتر سيرته اليومية المحزنة.
 

وقد تراه بعد المغرب على مقهى من المقاهي يراقب الدخان المتصاعد من كأس شايه ويحصي في غير مبالاة السيارات والناس ولافتات المحلات.....وخيباته التي لا تحصر، كما في هذا النص:
الفوضى مرتبة كما ينبغي
ولن يطرأ شيء إلا في أوراق الهواجس
اللعينة
عند الصباح كما كل يوم
لن يكون ثمة وفرة
في المياه
مع ذلك سأفعلها
ولو مسحاً للوجه
وبلاًّ للرأس
سأقف أمام
المرآة
ستكون ملامح وجهي أشبه بحروب مهزومة 
أو هو قد غدا ميداناً صالحاً لكل المعارك
سأقرأ أسرار ما يخبئ بداخله
وأبتسم
ولكون جيبي فارغاً تماماً كعادته
سأتذكر جيداً 
كيف أنسى موعد الفطور.
صفيراً كثيفاًً سأعلق
على طرف اللسان
وألعق أغنية تليق
سأذهب إلى كلية الآداب فقط
لمغازلة الأشجار وبعض الأصدقاء المسنين حدّ الخرف
هناك ما من فتاة سيبدو لها 
ما يغري فينا
كلماتنا بالتأكيد تالفة تماماً مثلما بقية الأشياء.
أجسادنا المتداعية هي الأخرى
غير صالحة للاستخدام الغرامي
سيحدثني البعض
عن فتاة بالطبع لا يراها: تشابه غزالة ربما أيضاً لم يرها.
وكيف افتتن بها؟!
سيبدوا قاصاً ماهراً لم يكتشف –بعد-
-كانت العلاقة بها لأول مرة ذات اصطدام بمؤخرتها
عند الممر الأخير من مدخل الكلية الشمالي.
شعرت كأن يدي غاصت
في كثافة من لدانة.
غضبت هي
فيما كنت فرحاً
مع ذلك إلا أني...........
ولم أعتذر
اليوم التالي رسمت رموشها أغنية ولا .................
................؛....................
سيكون سعيداً بوهمه الكثير
بدوري سأبادله بعض الوهم
وأشير إلى أقرب فتاة تمرُ
وأقول هذي كاترينا. إنها صديقتي 
كانت معي بالأمس أذاكر لها
أوووووووووووف
نهدها
مادة صالحة للكتابة
و............؛.................
............؛.................
................ وما يومئ ويعطي انطباعاً بأني لعين وصياد من طراز رفيع.
وبحيث لا يسمعني أحد

 

سأردد:
كم أنت جميل ورائع أيها الوهم
وفيك الكثير من القشات المتينة
عند الظهيرة وحين أحاول الإفاقة
سيدهمني سؤال وجبة الغداء
يا الله ما هذا!!!!!!!!!!!
((يلعن إله اللجاجة))
سأقضي انفراط تسكع
لكني سأظفر بالاهتداء إلى طريق
ساحمل (ربطة الصوتي)
وأقتحم تجمع الجاوي ومنتداه
ومثل كثيرين هناك سأتبجح حديثاً عن الشعر
والسياسة
والمعرفة –هم سيتحدثون عن الاقتصاد الوطني،
وأنا سأبكي عليَّ لا على وطني
هز الرقاب وهبوط وتصاعد الرموش.
بالتأكيد سيكون سبباً كافياً لأن أدخل مدارات غيبوبتي وانتشائي الزائف.
يمنة ويسرة...
ليس ثمة
عبد الملك ضيف الله
علي الحترة
منصور الحاج
منصور هائل
وأمضي إلى (الدائري) راجلاً. لا بأس فالحقيبة ملأى بنشوة الوهم.
عند المساء 
كما كل ليل
لن تكون ثمة امرأة ولو مستخدمة
لذلك
سأستحضر أشياء (الكلية)
وأذرع أنفاقاً في الخيال لرسم (.........) مع اكتمال الصورة
بعناية سأضع عليها اسم (كاترينا)
وبكل ارتياح وسرور سأمارس (أشيائي الخاصة جداً)
ثم أنام.
يييييييياه
كم نحن محظوظون.
(بعض تفاصيل ما سيحدث في يومي الذي هو كل يوم، للشاعر علي دهيس، صحيفة الثوري، العدد (1913) 25 مايو 2006م).

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً