الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
فؤاد أفرام البستاني رائدٌ منسيٌ من روّاد الأدب العربي المقارن - د. يوسف بكّار
الساعة 13:46 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

 الدكتور فؤاد أفرام البستاني (1906-1994) لبناني، ولد في قرية «دير القمر» في منطقة الشّوف الجبليّة جنوب شرقي لبنان في 15/8/1906 وتوفي في شباط/فبراير عام 1994 بالنّوبة القلبيّة.
درس في مدرسة الأخوة المريميين (الفرير) في بلدته، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القدّيس يوسف (اليسوعيّة) ببيروت وتخرّج فيها، ثم عمل فيها مدرّسا للأدب العربي إلى أن انتقل عام 1933 إلى معهد الآداب الشرقيّة لتدريس اللّغة والحضارة الشرقيّة. وعمل منذ 1945 في عدد من المعاهد والكليّات اللبنانيّة والفرنسيّة إلى أنْ عيّن عام 1953 رئيسًا للجامعة اللبنانيّة لسبع سنوات، واستأنف في هذه المدّة إصدار «دائرة المعارف»، التي كان يصدرها عمّه بطرس البستاني (1819 ـ 1883) وتوقّفت بعد الجزء السّادس، وأوصلها هو إلى الجزء الخامس عشر.

 

كان ذا إسهام فاعل في مجلة «المشرق» التي كتب فيها نحو ثمانين بحثًا ومقالاً، ناهيك من الإسهامات الأخرى وبما كتب عن أعماله فيها.
كان أوّل عربي ينتخب في أوائل سبعينات القرن العشرين عضوًا في جمعية المستشرقين الألمان. منح درجات دكتوراه فخريّة من جامعة «ليون» (فرنسا 1957)، وجامعة سان إدوار أوستين (تكساس 1958)، وجامعة جورج تاون (واشنطن 1958)؛ ومنح عدّة أوسمة لبنانيّة في عهود رئاسات مختلفة.

 

كان متعدّد التخصّصات، إذ جمع بين الأدب والتّاريخ واللّغة والنّقد والشّعر والقصّة والصّحافة. وقد خلّف فيها جميعًا ما يربو على المئة كتاب عدا البحوث والمقالات بالعربيّة والفرنسيّة، لعلّ أشهرها سلسلة «الرّوائع» التي انكبّ على تأليفها منذ 1927 حتّى 1982. ومن آثاره الأخرى: تاريخ التعليم في لبنان قبل مئة سنة، والأدب العربي في آثار أعلامه، والمتنبي والشّعر الصّافي، وأبو العلاء المعريّ: رسالة الغفران، ومع جبران خليل جبران، و «لماذا؟» (رواية لبنانيّة تاريخيّة).
٭ ٭ ٭

 

لفؤاد أفرام البستاني مقالٌ عنوانه «بين المعريّ والخيّام: فكرة الموت ومصير الأجساد» نُشر في مجلة «المشرق» عام 1928 (السنة 26. ص441-450)، وهو أستاذ الآداب العربيّة في كليّة القدّيس يوسف التي كان «آباؤها» يديرون المجلّة.
المقال يدخل في عمق الأدب المقارن، لأنّه عندي، والعبارة لحسام الخطيب «نصّ عربي مفهومي في موضوع الأدب المقارن»، ولأنّ صاحبه، الذي يعرف الفرنسيّة، كان يعي مفهوم المقارنة وإنْ لم يستعمل الاصطلاح بل استعمل «المقابلة». يظهر هذا في قوله: «أن يتفق المعريّ والخيّام في تصوير أهوال الموت وسلطانه القاهر ووحشة القبور، فهذا ما لا غرابة فيه ولا حاجة إلى نسبته إلى النّقل… أمّا ما يستحق درسًا خاصًا، فمقابلة بين الشّخصين، فهو ما نسمّيه مصير الأجساد وما تتفق فيه آراء الشّاعرين من ذكر مآل الرّفات بعد الموت وتحوّله إلى تراب وخزف وآنية تتفرع عنها.

 

ونحن نرى أنّ الخيّام استفاد من المعريّ في هذا الموضوع، وهو كان يتقن العربيّة وله فيها تآليف وعاش بُعيد موت المعري في عصر شاعت فيه شهرته، وتنوقلت أخباره، وسارت آراؤه. كلّ ذلك يظهر في المقابلة التي سنأتي بها بين أقوال الشّاعرين فنعرضها بطريقة وضعيّة ونترك للمطالع حقّ الحكم فيها، لمشاركتنا الرأي أو معاكستنا». (ص 442). 
 

فالواضح من النّص أن «المقابلة» تعني «المقارنة» بالمفهوم الاصطلاحي لا اللّغوي. يؤكد هذا استعمال البستاني نفسه، بعد سنتين، الفعل «قارن» إلى جانب «المقابلة» و«الموازنة» ـ بالمفهوم المقارني ـ في «المشرق» نسفها (السنة 28 / 1930. ص936)، وهو يلخص بحثًا طويلاً نشر في هذه السّنة للأديب العراقي المحامي أحمد حامد الصّراف عنوانه «مقارنة بين المعريّ والخيّام»، لأنّه رآه متمّمًا وسندًا لبحثه هو، وقد يكون الرّجل ـ إلى الآن ـ أوّل من استعمل «المقارنة» بالمعنى العلمي الاصطلاحي. يقول فؤاد أفرام البستاني «نشرنا سابقًا في المشرق… مقابلة بين المعريّ والخيّام قارنّا فيها بين آراء الشّاعرين في فكرة الموت وما وراءه من مصير الأرواح… وأنّنا… بلقاء… الأستاذ أحمد حامد الصّراف فأكبرنا جهوده…، وأخذه في الأبحاث بناحية من المقابلة والموازنة تكلّل الدّروس الأدبيّة الحقّة».…
 

وواضح منه، كذلك، أنّ البستاني بنى «استفادة» الخيّام ـ وهي أداة مقارنيّة مهمّة ـ من المعريّ على معرفة الأول «العربيّة» وأنّه عاش، زمنيًّا، بعد المعريّ الذي كان معروفًا بآرائه وآثاره. وهذان الأمران: اختلاف اللّغة، والصّلة التاريخيّة أو التّأثر والتّأثير هما الأساس المنيع الذي تستند إليه المدرسة الفرنسيّة في الأدب المقارن ويتكئ عليه أتباعها.
 

وإذا ما أخذنا بالمبدأ المقارني الذي لا يكتفي بالكشف عن وجوه الاتّفاق والافتراق أو حدود الشّبه والتّمايز، ولا بتفسير النّص بوساطة نصّ آخر أو إنتاج نص بوساطة مصادره ومنابعه حسب، إنّما يسعى إلى الكشف عن الطّاقات الجديدة وأبعاد توجهاتها، كما يرى مناف منصور (مدخل إلى الأدب المقارن. ص120-121. مركز التوثيق والبحوث ـ بيروت 1980) نجد أنّ البستاني، والصّراف كذلك، لم يقف عند حدود العادي والمألوف من وجوه الاتّفاق بين الشّاعرين في قضية «الموت» وبعض قضيّة «المصير»، إنّما يتجاوزها في «المصير» إلى الكشف عمّا للخيّام فيها من طاقات وأبعاد جديدة. يقول: «إلى هنا ينتهي الشّبه، على ما نرى، بين المعريّ والخيّام. فيقف الشّاعر العربي لدى هذه الاعتبارات المحزنة، العميقة، الملآى بالهيبة والرّوع ويتجاوز زميله الفارسي تلك المحطّة من مصير الأجساد إلى ما وراءها، فيصور النّاس يصبحون غذاء للنّباتات: «وأصولاً يغدون للأشجار» (شطر من رباعيّة للخيّام في: رباعيّات عمر الخيّام. ص84. ترجمة وديع البستاني. المكتبة الحديثة ـ بيروت. د.ت) ثم لا تلبث تلك الأغذية النباتيّة أن تصير بدورها إلى نبات منوّر، فتصبح ثغور الأموات ثغورًا جميلة من الأزهار وتتحول دماء الملك المقتول إلى وردة ناضرة، والخال الجميل في الخدّ إلى زهرة من البنفسج، وذلك قوله (المصدر نفسه. ص 54): 
حيث تلقى الورد النّضير الجميلا
فمليك هناك خرّ قتيلا
ولكم خِلْتَ ما اقتطفت بنفسجْ
وترفقتَ أنّه بين عوسج
وهو خالٌ نامٍ بخدّ فتاةٍ
بَدْرِ حُسْنٍ في ظلمة القبر غابًا»
الشعر وشروطه

 

في ظلام الليل الهادئ، تحت النجوم المترجرجة، الوهاجة، لدى الغيوم المتقطعة هنات شفافة أو المتكاثفة أطواداً شامخات، أما وقفتم متأملين؟
على شاطئ البيداء المتماوجة، تجاه ما تغمره الأمواج من درر وصدف وأبرياء ومجرمين، بين القوارب الدقيقة تنساب آمنة جذلة والبواخر الضخمة تغالبها العناصر القهارة، أما فكرتم باهتين؟
أمام جمال الطبيعة المتنوع، وجمال الخلق البشري الكامل بتقاطيعه وتناسبه، وجمال العواطف السامية برقتها ولطفها، أما طربتم معحبين؟

 

في زاوية الشارع الصاخب، تحت حنيّة القصر الفخم، بين ضجة المتعاركين في الحياة وسخط اليائسين، حين استقر نظركم على تلك المتسولة الشاحبة اللون، المنقبضة الجلد، الواهية العظم، تمد اليمين للاستعطاء، وتجرّ خيال ولد بالشمال، ترد الدمع فينفر، وتخنق الزفرة فتتقطع، أما أسفتم متألمين؟
 

وفي هيكل الخالق الجبار، وسط الحفلات الدينية، تصعد النور صلاة والبخور دعاء، لبارئ النسم، إذ تجلى لكم ينبوع التوبة والغفران، ومثال المحبة والسلام، أما خشعتم ساجدين؟
بلى! وفي كل حالاتكم هذه لم تكونوا إلا شاعرين!
سكون الليل، عظمة البحر، هيبة الجمال، ألم الشقاء، خشوع الصلوة!
كلها ينابيع للشعر! إذ كلها يروع الفؤاد، وما راع الفؤاد فهو رائع، وكل رائع يحرّك مواطن الشعور. وما الشعر إلا من الشعور، بل هو الشعور ذاته تفيض به النفس، فيتحد بنغم يوقعه الشاعر على أوتار قلبه، ويحمله على أجنحة مخيلته، فيولد ما يدعونه بالقصيدة.
فؤاد أفرام البستاني ـ مقدمة «الشعر الجاهلي: نشلأته ـ فنون ـ صفاته»، 1937

منقول من القدس العربي ..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً