الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تجربة التسعينيين بين المعايرة والمعاينة أفق الاختلاف من العناوين.. إلى النصوص(1-6) - علوان الجيلاني
الساعة 13:14 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


كان لا بد من دراسة أكبر قدر من المنتج التسعيني دراسة نصوصية فاحصة.. وكان لا بد من دراسة عدد كبير من المبدعين كلاً على حدة قبل مقارنته بالآخرين.
ولم يكن ثمة بد من إجراء حوار داخلي بين النصوص المختلفة... لانتزاع المقولات من داخلها... لا من خارجها.

 

وهو إجراء عندما نجربه سنعلم كيف يفضي بنا إلى إدراك أن مقاربة المنتج الشعري للتسعينيين اليمنيين يحتاج إلى قراءات تتخلى ولو جزئياً عن إسقاط القراءات المتعلقة بتجارب أخرى في أقطار عربية مختلفة، كما يحتاج إلى ترك الالتزام أو الاحتذاء المرتعش للتقاليد الموروثة والشائعة.
مقاربة المنتج الشعري التسعيني تحتاج إلى قراءات نصوصية واسعة تستجلي مواطن التجاوز، وكذلك مواطن المخالفة والموافقة، وخطوط المغامرة الإبداعية كماً وكيفاً.

 

فـ(المحفوظات الإجرائية التي أدت مهمتها بكفاءة في مراحل سابقة لم تعد قادرة على التعامل الصحيح مع شعرية الحداثة الممتلئة بالمغامرات التجريبية والتجاوزات الإبداعية التي نقلت الشعرية نهائياً من منطقة (الغيرية) إلى منطقتها الأثيرة (منطقة الذاتية)" ( ). كما أنها لم تعد قادرة على التعامل الصحيح مع شعرية أصحاب التجارب القوية في العمود والتفعيلة من التسعينيين الذين لم تعد تجربتهم تمثل تواصلاً امتثالياً مع تجارب الأجيال السابقة عليهم.. معجمياً وأسلوبياً.. وأيضاً موضوعياً؛ إذ أن أصحاب هذه التجارب لم يعد يهمهم بأي حال من الأحوال.. تلك التصنيفات المبتذلة مثل (الصدق الكلاسيكي) أو (الذاتية الرومانسية) أو (نقد الواقع في الواقعية).. لأنهم أصبحوا إلى حد كبير يكتبون نصوصاً تمتثل لمرجعيات خاصة.. وتشكل جغرافيات فردية أو شللية داخل المشهد الجغرافي العام للمشهد الشعري التسعيني.
 

فلكل واحد من هؤلاء تجربته ورؤيته التي ينتج فنه وفقها دون الخضوع لمهيمنات عربية بالشكل الذي كان يحدث سابقاً.. الأمر الذي ينطبق أكثر على كُتَّاب قصيدة النثر الذين كانوا أكثر محاولة للاختلاف عن مجايليهم في اليمن وفي الأقطار العربية أيضاً..
وعندما تطرق أحمد زين ذات مرة إلى أن قصيدة النثر التسعينية في اليمن (تحاول طرح قيم جمالية أكثر اقتراباً مع المحافظة على خصوصيتها وهويتها) رأى الناقد حاتم الصكر في ذلك (التشخيص محاولة لعزل تجارب قصائد النثر اليمنية عن التجارب العربية في هذا النوع).

 

ولم يكن أحمد زين يريد ما فهمه الصكر، بل كان يريد – كما أفهم- الإشارة إلى خصوصية يمنية في كتابة قصيدة النثر.. ولعل ما ذهب إليه أحمد زين هو نفسه ما أدهش الشعراء الشباب العرب المشاركين في ملتقى صنعاء الأول سنة 2004م، فقد بدا لهم المشهد التسعيني اليمني مبهراً من ناحيتين:
الأولى: أنهم لم يكونوا يتوقعون هذا العدد من الشعراء الذين يكتبون قصيدة النثر.
الثانية: أنهم لم يكونوا يتوقعون هذا المستوى من التميز، حتى إن العناوين كانت بالنسبة لهم صادمة جداً، فيما بعد ستتوقف تناولاتهم طويلاً عند عناوين من نوع (تنوين الغائب، صعوداً إلى فردة كبريت، مسحوق التعب اليومي، جرح آخر يشبهني، كم الطعنة الآن، الصيرورة شجرة تثمر فؤوساً، الشباك تهتز، العنكبوت يبتهج، حياة بلا باب، مشهد خاف أن ينتهي، على شفاه الوقت، الألم أناقتي، نسيانات أقل قسوة، تكييف الخطأ، أوسع من شارع.. أضيق من جينز، دون أن ينتبه لذلك أحد، حمالة النهدين).. وقد لاحظوا في تلك العناوين تماسات سريالية تنطلق (من جماليات النص إلى ما يحدث في الواقع والعكس.. أو تفسيراً لذلك الواقع بفطنة اللغوي)( ).. كما أنها في جانب منها تشكل تجابهاً صارماً مع واقع صارم يرفض التغيير ولا يقر المغايرة( ).. أو إفراطاً في النثر كمماهات للحياة..أو تأويناً للأنا بالمدهش من الصور( ).. أو (مثاقفة واعية لمفارقات الحياة من خلال وعي ينشق على نفسه) ( ) ... ولعل هذا يمكن تفسيره من خلال قراءة جغرافيا الكتابة العربية التي تتوزع الكتابة الشعرية فيها على دوائر تكتفي بنفسها –غالباً- وتتواصل مركزياً مع هوامش خصوصية بسيطة؛ لأن المركز دائماً لا يرى إلا نفسه، فمن يقرأ التسعينيين المصريين –مثلاً- سوف يجد تشابه التقنيات خاصة في نواحي السرد واضحة جداً عندهم، أما تجربة التسعينيين اليمنيين فبسبب هامشيتها فإنها لم تكن تكتفي بنفسها، فهي تقرأ الجميع وتحاول التميز عن الجميع، وكانت رؤيتها للمشهد العربي كله إضافة إلى هامشيتها تجعلها أمام تحد أدى إلى أن تكون أكثر إخلاصاً لنفسها ولتحققها، بمعنى آخر معظم النتاج العربي الذي يصدر –خاصة على صفحات الصحف والمجلات- يستطيع دائماً الوصول إلى اليمن، فيما الإبداع اليمني لا يصل إلى الآخرين إلا نادراً حتى المجلات العربية ذات التوزيع الكبير والدعم الأكبر لم تكن تحتفي بنصوص اليمنيين احتفاءها بنصوص غيرهم من العرب ما أدى إلى إحساس المبدع اليمني دائماً بشعور خاص إزاء نصه فهو يشتغل عليه ويقارنه دائماً بنصوص الآخرين حتى يكون له نصيب في الحضور.

 

* الصورة المرفقة " سدرة الأدباء " للفنان الكبير شهاب المقرمي

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً