الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تجربة التسعينيين بين المعايرة والمعاينة القطيعة فعل احتجاج - علوان الجيلاني
الساعة 13:27 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


عندما نقول إن شعراء التسعينيات يغلب توجه ذواتهم إلى نفسها محتفين بقضايا هذه الذات يسقطونها عبر دورانها اليومي في الحياة-مستجيبين – بعضهم بوعي والبعض الآخر دون وعي.. أو إيمان – لمهيمنات المرحلة وخيباتها الكبرى.... منذ سقوط الأيديولوجيا عند أول تسعينيات القرن العشرين.. وما صاحب ذلك من أحداث جسيمة نالت صميم المبدعين فإننا لا نعني أن إسقاطهم للأحداث أو الوقائع السياسية والتاريخية والهموم الاجتماعية أنهم ليسوا معنيين تماماً بما يحدث على الكرة الأرضية..
 

قد يبدو ما يفعلونه احتجاجاً، وقد يكون رفضاً.. وقد يكون انكباباً على بناء عوالم صغيرة يحتمون بها من انهيار العالم الكبير، وقد يبدو ما يفعلون فعل تخريب وتدمير يوازي الفعل الذي يقوم به الساسة والقائمون على العولمة والتحكم في العالم.
 

بل إنه قد يقرأ بوصفه جزءاً من التخلي عن الهويات الجمعية الحادة التي تتمظهر في تراث وهموم وشروط مجتمع ما أو أمة.. لصالح... الهوية العالمية.. والتوحد الكوني.. كأن الشاعر فرد من هذا العالم.. بمعنى آخر همومه صغيرة ولكنها إنسانية.. أيضاً وكونية.. وعندما يشعر بما يحدث حوله.. فهو يشعر به من واقع إحساسه بمسئولية خاصة.. ولو كانت محدودة... إن لم يكن تجاه الأحداث، فعلى الأقل تجاه التفسيرات التي يمكن أن تعطى لها.
 

إن تيار القطيعة الإبداعية الثقافية في الجيل التسعيني الذي يتمثل في نبيل سبيع ومحمد اللوزي، وعمار النجار وفتحي أبو النصر ، ووضاح اليمن الحريري وآخرين.. هم أكثر كفراً بالتاريخ الرسمي، وبمحاولات ربط الأدب قسرياً بهاجس النضال الوطني من حيث اتصال ذلك بالسلطة.. وما تمثله السلطة بوصفها قيّمة على إرث النضال والمنجزات وغيرها.. وهم في هذا قد يلتقون مع زملائهم في بلدان عربية أخرى.. ممن يبحثون عن فن خالص من أي شائبة.. فالشاعر لم يعد مهموماً بغير معابده الخربة التي تتداعى في داخله.
 

لم يعد الشاعر مشغولاً بقضايا كبيرة في ظل انسحاق وجوده –خاصة- وقد أصبحت أكثر القضايا الكبرى فارغة من معناها بعد أن تحولت إلى منابر للمزايدة ووسيلة يهدر باسمها الوجود الإنساني، ولا شك أننا خلال العقود الماضية قد راكمنا تجارب كثيرة-مرة- أسفرت عن هذا الوعي الذي عبر عنه الشاعر جميل حاجب في أكثر من نص في مجموعته الأولى ((أعالي)) بشكل يفضح مقدار الخسران الذي انحدرنا إليه:
آه
يا بلد
لأنك صخرة
غدونا كلنا سيزيف..
وإذا كان جميل حاجب يتعامل مع هذا الوضع بجدية وشعور فيه قدر كبير من الحزن الرومانسي، فإن الشاعر طه الجند سيعتبره وضعاً وغداً.. وسيتعامل معه بسخرية بالغة تتناسب والمستوى الذي وصل إليه كما في خطابه هذا الموجه للوطن:
كم تبدو لبقاً على الخريطة
وسمجاً في الكتب المدرسية
بربك هل هذا يكفي
لإنضاج المناسبات الخرساء
ومطاردة الشتاء القادم.

 

لقد تغيرت إذاً الكيفية التي صار الشاعر يتعامل من خلالها مع مفردات هذا العالم بأشكالها المختلفة التي تبدو مفروضة عليه، غريبة عنه، أو غير متاحة له، إنه وجود مغاير وسط هذه الفوضى والتكريس لما ليس مجدياً من مفردات تحول الوجود إلى خراب وزيف وظلام، تجعل الشاعر جميل حاجب يصرخ:
يا الله
كم نتشابه بالحفر
الأصدقاء بقعة سوداء
وأنا لست المعني
بهذه النار..
غير أن هذا المنحى الذي يمكن أن نقرأه في سياق سمات التسعينيين بشكل عام وبشكل خاص في سياق مجانية قصيدة النثر ولا غرضيتها لا يطرد في الحالة اليمنية خاصة عند كتاب قصيدة النثر.. فهؤلاء الشعراء الذين ترتبط كتاباتهم الأخرى بمحاولات التعبير الاجتماعي والسياسي المتصل بقضايا اللحظة الراهنة.. التي تظهر أكثر في مقالات نبيل سبيع، وعمار النجار، ومحمد اللوزي، ومحمد المنصور، وأمثالهم.. خاصة تلك الكتابات التي احتفت بها صحف المعارضة كثيراً أعوام 2004، 2005، 2006م.. ستجعل نصوصهم ونصوص آخرين مثل طه الجند، علي جاحز، محمد العابد، ابتسام المتوكل، علي دهيس، وغيرهم حوامل لخطاب ثقافي أو سياسي انشقاقي، يتميز عند طه الجند بارتفاع صوت الفكرة، وبالجدل مع النقيض:
لا نحن فقراء بما يكفي
ولا أنتم أثرياء كما يجب
ما يجمعنا هو الغبن
دعوا لنا إذاً شيئاً من الرصيف
ستدركون كم نحن مهذبون
حين نمد أيدينا مثلكم بسلاسة
للمحسنين!

 

 

ويظهر عند المنصور متورطاً في طرح أسئلته العميقة حول الوجود من باب التباس هذا الوجود بالصراعات الاجتماعية والسياسية والثقافية:
يا للفئران التي تشمخ هنا وهناك
تعبث في أحشاء القدم
كيف تفنى الأيائل، وتبقى الفئران طليقة دائماً ...؟
إنه منحى يعبر من خلال تجلياته المختلفة عن صيرورة، أو على الأقل هو بحث عن صيرورة أخرى.. كأنها خروج الحي من الميت.. أو كما يقول الشاعر خالد الشامي:
يخرج الضوء من كنف الحشرجات
وينساب غيماً بلا مطر أو نساء
ومن لغة لا تفتش عني مساوؤها
أفر إلى لغة لا تموت

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً