الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تجربة التسعينيين بين المعايرة والمعاينة نقد القراءة الأفقية (2-2) - علوان الجيلاني
الساعة 17:34 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


إن ما يورطنا في الفرح بإطلاق آراء أو إصدار أحكام حول وقائع نحسبها جديدة فيما هي أقرب إلى البديهيات لقوة مشابهتها لوقائع تكررت في أزمنة وأمكنة مختلفة هو اتكاؤنا كثيراً على القراءة الأفقية وانقطاعنا عن القراءة العمودية.
 

القراءة الأفقية توسع المعرفة بالحاضر... وتقف عند مظاهره، حيث يستوي في عينها الآني والخادع والزائف والقشوري.. بالجوهري والصيروري الدائم؛ لأنها عاجزة عن استحضار الأشباه والنظائر.
لقد شهدت ثلاثينيات القرن الماضي قيام حركة أبو للو، والقارئ حين يرجع إلى مجلة أبوللو، المجلة التي كانت منبر تلك الحركة... سيجد أن ثلثي الأصوات التي كانت تشارك فيها.. قد سقطت من ذاكرة المهتمين إلا في نطاقات ضيقة.. لأن منها أصواتاً كانت تكرر وتجتر أصواتاً وتجارب من أجيال سبقتها.. ومنها أصوات كانت تشارك في الزفة دون إبداع حقيقي.. وأصوات كانت شديدة الوعي بما يحدث، ولكن قدرتها الإبداعية كانت ضعيفة جداً...إلخ. مثل ذلك حدث مع حركة الشعر الجديد التي كتبها وتحمس لها في العراق عشرات، وربما مئات الشعراء في الأربعينيات والخمسينيات، فأي ذاكرة سوى ذاكرة الدارس المختص (جداً) تحتفظ بأسماء غير أسماء (السياب، ونازك، والبياتي، والحيدري، ومردان، وشاذل طاقة...)إلخ.

 

ولكن السلامي كاتب ذكي ففي نهاية موضوعه تلافى بعض آرائه المتعجلة باستدراكين:
الأول: ذهب فيه إلى أن الوقت كفيل بفرز الأسماء والنصوص، وأنه لا بد من إرجاء محاولة تقييم تجربة أدباء التسعينيات إلى وقت لاحق؛ لأن هذا ليس أوانها... 
والثاني: نبه فيه إلى أن القارئ قد يلحظ بعض التناقض بين ما طرحه في الموضوع الأول من الكتاب.. وبين ما طرحه في المواضيع اللاحقة مسبباً ذلك بكون طرحه إنما يقدم من داخل الجيل والمشهد للانتقال بالجدل من طور المشافهة إلى طور الكتابة.

 

 

وأول التناقضات التي يمكن أن نلمحها في كتاب السلامي سيكون بين ما سبق أن أوردنا من اعترافه في ص 13، بأن (محاولة تقييم تجربة أدباء هذا العقد في الوقت الراهن مسألة سابقة لأوانها؛ لأن هذا الجيل ما يزال بحاجة إلى عقدين من الزمن على الأقل لتتضح صورته من بعيد). (أو أن الوقت كفيل بفرز الأسماء والنصوص)، وقوله في ص 21: (إن غياب العملية النقدية المواكبة (لما نشره التسعينيون) يؤدي إلى التأجيل المستمر لإحداث عملية فرز داخل الأسماء الجديدة لتشذيب الغابة الكثيفة التي يشكلونها، ومن ثم تحديد النخبة التي تبشر نصوصها بأنها قادرة على تقديم إضافة جديدة إلى المنجز الشعري المحلي لمواكبة الحركة الشعرية العربية الراهنة.
 

إن القراءة العمودية لتاريخ الحركات الشعرية العربية –خاصة القرن الماضي- تثبت أنه في كل الأجيال الشعرية المفصلية حدثت الغربلة لاحقاً، فلم يتبين للناس أن عبد الرحمن شكري هو الشاعر الحقيقي بين جماعة الديوان إلا بعد مرور أكثر من عقدين على تشكل هذه الجماعة سنة 1921م، عند صدور كتاب الديوان.. فقد كان صوت العقاد هو المهيمن.. يليه صوت المازني... فيما بعد انصرف المازني عن الشعر وثبت باعترافه أنه كان سارقاً محترفاً لنصوص أثبتها لنفسه، بعد أن ترجمها عن شعراء إنجليز.. وخفتت هيمنة العقاد رويداً رويداً حتى جاء من ينكر عليه الشعر من حيث المبدأ.. وبقي شكري وحده شاعر تلك الجماعة الذي تعترف به الأجيال اللاحقة.
 

وفي كتابه قصيدة ((النثر في اليمن أجيال وأصوات)) يوافق حاتم الصكر أحمد السلامي على (غياب فاعلية النقد.. ويعد إسهامه جدياً في رصد التحولات الأسلوبية ودراستها نصياً، ورتابة الذائقة التي تتلقى النصوص الجديدة بمعايير النظم السابقة، فترفضها وتعاديها وتحرم كتابتها).
 

ولا بد أن الصكر كان متعجلاً. لم يلتفت إلى منطق الحياة وطبيعة الأشياء.. كما تحدث دائماً.. فهناك فارق زمني بين اللحظة التي رصد فيها الصكر المشهد واللحظة التي رصدها السلامي.
عندما كتب السلامي كان ذلك في نهاية التسعينيات، أما الصكر فقد كتب سنة 2003م بعد أربع سنوات وهو فاصل زمني حدث فيه الكثير.

 

عندما كتب السلامي كانت أغلب الأسماء التسعينية التي تكتب قصيدة النثر لم تقم بعد بنشر مجموعاتها.. وعندما كتب حاتم كانت أغلب تلك الأسماء قد نشرت مجموعاتها الأولى.. وبعضها كان قد نشر المجموعة الثانية وربما الثالثة.
 

ببساطة عندما كتب السلامي مقالته تلك التي لم يعدلها عند نشرها في كتاب ((هوامش على المشهد التسعيني)) سنة 2003م.. كانت أسماء مثل الزراعي، المنصور، الشيباني، اللوزي، حاجب، النجار، السروري لم تكن قد نشرت مجموعاتها الأولى، حتى السلامي نفسه.. لم يكن قد نشر مجموعته الأولى ((حياة بلا باب)) التي صدرت عام 2002م.
 

ولا يجب أن ننسى أن طرح مشكلة الكتابة التسعينية من خلال قصيدة النثر كاختيار حاد.. لم يطرح إلا بعد منتصف التسعينيات.. أكاد أجزم أن عام 1996م كان بداية الاحتدام الكتابي والمقايلي حول هذا الموضوع.. الذي تنامى أكثر عامي 97-1998م ليصل ذروته أعوام 99-2000-2001م.
 

وعندما أهلّ عام 2001م كانت مظاهر انتصار هذا التوجه قد بدأت تتلامح في الملفات والملاحق والشهادات التي احتفت بها الصحف والمجلات، وكان ثمة أسماء تشكل استقطابات بكتاباتها وتوجيهاتها مثل حاتم الصكر، أحمد زين، محمد الشيباني، محمد المنصور، وكان ثمة أسماء تدير النقاش دائماً مثل أحمد السلامي، ونبيل سبيع، وكان ثمة شِلَل تتشكل على هذا الأساس الذي أسفر منذ بدايات عام 2002م عن انتصار واضح لهذه الموجة، التي لاحت طلائع إصداراتها الأولى مع عام 1999م عندما صدرت مجموعة عادل أبو زينة ((أشياء الطائر))، والمفارقة أن عادل أبو زينة كان قد انصرف عن الظهور الشعري والثقافي منذ سنة 1996م تقريباً.. ولم يكن له دور يذكر في هذا الضجيج الذي شهدته نهاية التسعينيات حول قصيدة النثر، وقد قُدِّر له أن يفتتح الموجة بهدوء منذ أول التسعينيات، كما قدر له أن يفتتح إصداراتها بهدوء أيضاً من خلال مجموعته التي لم تكد تثير الانتباه في نهاية التسعينيات.
 

ثم بدأت الإصدارات تتواتر عام 2001م لتنهمر بكثافة خلال عامي 2002-2003م، وليتم ربيعها في ربيع عام 2004م بملتقى صنعاء الأول للشعراء الشباب العرب... الذي بدا وكأنه احتفال وفرح بهذه القصيدة وإنجازاتها.
 

بعد ذلك سيلخص الشيباني ما حدث قائلاً: (بعد جيل السبعينيات الشعري لم يحظ جيل آخر بالقراءة والمتابعة مثل جيل التسعينيات الشعري، "صحيح أن كتاب النص الجديد - قصيدة النثر- كانوا أصحاب الاهتمام الأكبر في القراءة والمتابعة بسبب قدرتهم على فتح نوافذ للتواصل مع الخارج، غير أن الشعراء الذين يكتبون القصيدة البيتية وقصيدة الوزن "قصيدة التفعيلة" سجلوا أيضاً حضورهم الخاص تحت لافتة التبجيل الشعري التسعيني، وأنتجوا أيضاً قاعدتهم القرائية الخاصة، لهذا السبب يعتبر جيل التسعينيات الشعري في اليمن جيلاً متعدداً ومتنوعاً وحتى متعايشاً على عكس الخصومات التي جرت في مراكز ثقافية عربية وكرست كتاب قصيدة النثر على حساب التحيزات الشعرية الأخرى.. وهذا الجيل استطاع أن "ينتج" نقاده ودارسيه من ذات البنية التكوينية والزمنية، بمعنى آخر، إن هناك نقاداً اهتموا بتجارب شعراء التسعينيات خرجوا من هذا الجيل ومن سياقه الزمني وتكوينه الثقافي)( ).

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً