الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
" عضارس سوداء " " أو حين تورق فلسفة السواد دهشة الرحيل في الذات والقيم " - حسنة أولهاشمي
الساعة 17:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


ليس هينا أن يجد المرء نفسه وجها لوجه أمام ذات ، يزيح كل الجدارات السميكة التي قد تمنع الرؤية الدقيقة ليتأملها بتأن، يشيد كل جسور الوصال ليقترب أكثر إلى لب طبقاتها العميقة ، ليس يسيرا أن يقتحم المرء حقائق هذه الذات فتخنقه أدخنة الحيرة والأسئلة المربكة ويواصل بشغف مغامرة التشظي بين دروبها الملتوية .. في " عضارس سوداء " -وهي أضمومة شذرية صدرت سنة 2015 عن منشورات" ديهيا " للقاص والشاعر عبدالغني صراض- لامسنا قدرة الشاذرالمحيرة في مداهمة الخيوط الرقيقة الناسجة لخبايا الذات ، كما أركيولوجي خبير، تداعب أصابعه برفق تراب الروح ، ينقب الكاتب عن ميتافيزيقا السؤال ، يختزل امتداد الحياة في مسافات السواد الفاصلة والمتصلة بين الذات والوجود ، هي مسافات زاجرة لكل تضييق جوهري لثنائية التضاد بين مركبين أساسيين في التركيبة البشرية ، السواد / البياض ، الشاذرفي هذه الأضمومة جعل القارئ يتخطى عتبة الوفاق الدلالي السائد ليستفز إدراكه الميال للأمان ، من أغلب الشذرات التي بين أيدينا تسيح كيمياء السواد والقلق والضجر الروحي والتذمر الجواني ، كيمياء حين نتمعنها ندرك جسارة ذكاء الكاتب في تمكنه من تذويب هذه السمات السوداوية المفحمة، وتقطيرقطعها لتصبح في نهاية المطاف، صرخة قوية لتقويم أعطاب الروح وترميم شروخ الذات الأيلة للإنسحاق.. هي دعوة ظاهرة ومبطنة لإنقاد القيم من دوامة التلاشي والتلف المحقق .. في مساحات ثلج المعنى الشاسعة التي ينبت في قعرها سواد الفكرة تتخصب رؤيا قبل الرؤية ، رؤيا حمئة ، تجدد النبض والحياة في حقائق قابلة لإزهارشك لذيذ ، يفتت بيقين فلسفة السواد البانية لجدليات الموت الحي اللانهائية..

 

عبدالغني الشاذر كان حريصا لتقريبنا من كينونتنا الهشة ، الضاربة في الزيف والعلل ، بحبره "اللاذع " استطاع أن يخلخل موطن العطب ويزيح ضبابية الدواخل ليشع الضياء المشتهى المشيد لركائز المبدأ الحاد والقوي ، المبدأ الذي يشكل نخاع بنية الإنسان كإنسان .. الكتابة الشذرية عند مبدعنا تحرض الحواس على افتعال جريء ونشيط للفكرة ، تهب العقل حرية الغوص في دلالاتها وإيحاءاتها ، كتابة لا تجمد الفكرة بقدر ما تمنحها هواء طليقا يشبه فتنة استعارات الحياة والمجاز .. هي كتابة " 
 

كتابة/قراءة تحاول أن تنتج العملية الفعلية للكتابة الميتافيزيقية ذاتها، والتي ليست هي عملية إظهار وتملّك المعنى الوحيد كما تريد الميتافيزيقا، وإنما عملية لتوليد الاستعارات procés de métaphorisation . ولا شك أن الكتابة الملائمة للمشروع الجنيالوجي–بما هو مشروع يروم تقويض الميتافيزيقا وسنّ سياسة جديدة للفلسفة تساؤلا وتفكيرا وتأويلا وتقويما وكتابة[iii]- هي الكتابة الشذرية aphoristiqueأو المقطعية التي تنبذ الاستمرار والوصل . كتابة تقحم داخل النص زمان العود الأبدي [iv] بدلا من الزمن الخطي الميتافيزيقي، وهو زمن ينخر الحضور ذاته ويجعل الهوية مفعولا لاختلاف، والوحدة نتيجة لتعدد، والعمق فعلا للسطح[v]. كتابة تحاول أن تقضي على الوهم الأفلاطوني لمعرفة/ذاكرة، لتنظر إلى النسيان" (1) .
 

 

" عضارس سوداء " منجز إبداعي ثري وقعه مبدع يبصم أثره الجمالي بتريث و وعي ، مبدع يرى في الكلمة نضال خالد وفي سرها شارة حب ووصال سرمديين . 
..................

 

-1 : جينيالوجيا الكتابة / الباحث الأستاذ محمد الأندلسي / مجلة ملتقى ابن خلدون للعلوم والفلسفة والأدب.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً