الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تجاور الأشكال الشعرية في تجربة الجيل التسعيني اليمني(2-2 ) - علوان الجيلاني
الساعة 14:51 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


الشاعر محمد المنصور: على نفس منوال الشاعر الزراعي ومجموعته ((سيرة الأشياء)) التي ضمت أقلية تفعيلية لا تزيد عن أربع قصائد.. تقع كلها تحت سيطرة قصيدة النثر، لكن المنصور وإن كان يقدم مجموعته هذه خالية من العمود.. فإنه ينشر بعض النصوص العمودية المتباعدة في الصحف. 
 

التمثيل بالزراعي والمنصور بالذات سببه ثراء تجربتهما وقوة حضورهما داخل المشهد الشعري والثقافي اليمني من خلال ثقافتهما الواسعة ووعيهما بالدوافع والمرجعيات في الكتابة التي تمتد داخل الثقافة المجتمعية والموروث ورؤية المبدع المتغيرة للذات والعالم.. 
 

إنهما قادران على التبرير لما يفعلان.. ويعرفان جيداً حدود التداخل والتباعد بين الأشكال وموجهاتها ولحظات خلقها.. 
ومثلهما في هذا الاتجاه الشاعرة ابتسام المتوكل . 
ثمة أيضاً من يكتب قصيدة نثر ولكن بمعجم وصياغات تأتي من عالم العمود.. ونحن نتعامل غالباً مع نصوص هؤلاء الشعراء من واقع طرافة نصوصهم.. خاصة عندما تأتي من شاعر يمثل حالةً من أكثر حالات العمود تقليدية سواءٌ في اللغة أو الصياغات أو الوعي بالكتابة الشعرية.. أعني الشاعر فؤاد المحنبي الذي ترسخت صورته في أذهاننا شاعر مناظرات ومعارضات ومناسبات يقول المحنبي في نص من نصوص مجموعته النثرية الماثلة للطبع ((أشياء لا تهمكم أحياناً)):
تحجرت المعاني وأخذت الكلمات 
الذهب تتصاغر وتبهت.. 
هل الشعر يفي بشيء؟ 
لولا خشية انفجار شاعرٍ 
لما كتبت هذه الورود 

 

رابعاً: وجود مجموعة من الشعراء التسعينيين الذين بدأوا كتابة القصيدة في التسعينيات أو ظهروا في التسعينيات.. بدأوا كتابة القصيدة التفعيلية وظلوا على حالهم معها.. بعضهم يعادي قصيدة العمود وقصيدة النثر معاً، وبعضهم يعادي قصيدة العمود ويتقبل قصيدة النثر، وبعضهم يعادي قصيدة النثر ويتقبل قصيدة العمود، وبعضهم يتقبلهما معاً. 
 

ومن هؤلاء الشعراء: محيي الدين جرمة.. الذي عرف شاعراً تفعيلياً من أكثر شعراء التفعيلة بروزاً وانهماكاً في تجربته.. واشتغالاً عليها.. ولكنه.. مع ذلك يتمكن من إنتاج نصوص نثرية بالغة الجمال.. قد يبدو فيها تأثير اشتغالات الشاعر المتقنة على التفعيلة.. وهذا شأن كثير من كتاب قصيدة النثر الذين جاءوا من سلف تفعيلي.. 
يقول محيي الدين من نصٍ معنون بـ(نوافذ مائية): 
يد لا تقطف الورد
حديقة 
يد لا تصفق 
وطن. 
غير أن القاعة فارغة 
إلا من التصفيق. 

 

إلى جانب محيي الدين جرمة ثمة شعراء توازنت اشتغالاتهم على قصيدة التفعيلة مع اشتغالاتهم على قصيدة النثر.. فالشاعر والناقد أحمد السلامي الذي انحاز في السنوات الواقعة بين 98و2003م إلى قصيدة النثر بشكل كلي حتى أنجز من خلالها مجموعته ((حياة بلا باب)) التي فارق في نصوصها إلى حد كبير قوانين وصياغات التفعيلة المطورة التي كان يكتبها.
 

ها هو رغم كل الكتابات التي بشر فيها بقصيدة النثر وتناول من خلالها بعض التجارب المنجزة فيها داخل المشهد التسعيني اليمني، تلك الكتابات التي ضمها فيما بعد كتابة (الكتابة الجديدة) هوامش على المشهد التسعيني.. عاد ليؤكد أن التحول إلى كتابة شكل جديدٍ، وكذلك التبشير به والتنظير له. لا يعني تماماً القطيعة معه ومناصبته العداء.. 
 

عودة السلامي تمثلت في انكبابه على تجربته في قصيدة التفعيلة التي سبقت كتابة مجموعته ((حياة بلا باب)).. وهي الآن أي تجربته في كتابة التفعيلة ماثلة للطبع في مجموعته الجديدة ((ارتباك الغريب))( ). 
النموذج الثالث لهذه المجموعة يتمثل في أولئك الشعراء الذين بدأوا تفعيليين، ولكنهم كانوا قلقين غير مطمئنين رغم أن بعضهم قدم نماذج تفعيلية مثيرة في بداياته.. مثل نبيل سبيع الذي نشر في الثقافية قبل سنوات نصوصاً تفعيلية جيدة ولكنه ترك – على حد علمي الكتابة داخل هذا الشكل تماماً ليتحول إلى كتابة قصيدة النثر.. وكان الشاعر محمد الشيباني قد فعل ذلك من قبل.. وكلاهما يعادي بوضوحٍ الشكلين الآخرين التفعيلة والعمود.. ومثلهما فعل الشاعر علي المقري ولكن بدون حديّة في العداوة.. بل إن لعلي المقري محاولات ناجحة – كما قيل لي في كتابة القصيدة العمودية- ولكنه يفضل التستر عليها وعدم نشرها.. ونحن لسنا معنيين إلا بما ينشر..

 

خامساً: وجود مجموعة من الشعراء التسعينيين الذين بدأوا الكتابة في التسعينيات أو ظهروا في التسعينيات باشروا كتابة القصيدة التفعيلية.. ثم انتقلوا إلى قصيدة النثر.. بعضهم قطع صلته بالتفعيلة.. وبعضهم وقع في منطقة بينهما حتى ليلتبس على بعض المتلقين شكل القصيدة.. وبعضهم جاور مواصلاً بين الشكلين. من هؤلاء هدى أبلان في بعض قصائدها وجميل حاجب في بعض نتاجه. وطه الجند الذي كتب التفعيلة ثم انحاز تماماً إلى قصيدة النثر ، ولعل أكثر ما يميزه هو أسلوبه الخاص في التعامل مع الكتابة الشعرية بشكل عام .
 

سادساً: وجود مجموعة من الشعراء التسعينيين الذين بدأوا الكتابة في التسعينيات أو ظهروا في التسعينيات، بدأوا الكتابة من خلال قصيدة النثر وظلوا على ما هم عليه. مثل الشعراء محمد اللوزي وعادل أبو زينة وعادل قحطان. 
 

تلزم الإشارة إلى أن هذا التصنيف يتعامل مع التجارب الجادة المهمومة بمواقفها واختياراتها المثابرة على تقديم رؤيتها والتعبير عن وعيها سواء بالإبداع ومراكمته.. وقول ما تريد من خلاله.. أو بالإبداع والدفاع عنه والحوار حوله ومناقشته والكتابة عنه تنظيراً أو درساً أو تقديماً.. أما التجارب التي تعبر عن نزوات أو محاولات غير واعية ولا مثابرة ولا مهمومة.. فهذه ليست مجال هذا الاهتمام.
 

هذه محاولة مختصرة لقراءة تجاور الأشكال الشعرية في تجربة الجيل التسعيني اليمني - أعتقد أن لها ما يماثلها في أقطار عربية أخرى- خصوصاً في السعودية ودول الخليج والعراق - وهي أ ي محاولتي هذه- تحاول تخفيف قسوة التجاهل الذي صار يحيط بالشكلين العمود والتفعيلة في حمى الاحتفاء بقصيدة النثر.. هذا الاحتفاء الذي يغالط أحياناً في الحقائق نفسه.. بل إنه لينتج حالة من الإلغاء تشبه حالة الإلغاء التي عودتنا الأنظمة العربية على خلقها.. إزاء منجزات الأنظمة السابقة عليها..
 

ولا يجهل كثير من القراء أن أكثر الأصوات اجتراحاً للإلغاء في أي شكل من الأشكال كانت تتمترس في تلك الأصوات التي تمثل القطيعة التامة مع ما سبقها أو جايلها من تجارب أخرى لكتاب آخرين، وهي أصوات موجودة في كل زمان ومكان.. إنها أصوات لا تمثل المغايرة الواعية... وإنما تمتثل للمقولة الشهيرة.. المرء عدو ما يجهل.. إن أصحاب تلك الأصوات ليس لديهم الصبر والجلد على القراءة والتعدد.. ومحاولة فهم كل ما ينتج ومن ثم التعامل معه نصياً.. الإلغاء يتم حتى قبل القراءة والفهم..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً