الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
جهود التسعينيين في نقد جيلهم والاحتفاء بإبداعاته عبد الناصر مجلي نموذجاً(2-2) - علوان الجيلاني
الساعة 15:49 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


أما التناولات الخمس الأخرى فكانت تناولات لتجارب إبداعية، هي: (محمد المنصور .. فلسفة المعنى، وإدهاش اللغة!!! قراءة في أوراق شاعر يمني)، ثم أربع قراءات تموضعت مجموعات شعرية لعلوان الجيلاني بعنوان: (راتب الألفة وشعرية الأنا الفائضة عن الحاجة).. وجميل مفرح بعنوان: (على شفاه الوقت.. جميل مفرّح .. يجرّب صوته أمام فضاء صاخب بالمتناقضات)... وهدى أبلان بعنوان: (نصف انحناءة.. قراءة في سفر الغياب المضيء)، وعبد السلام الكبسي بعنوان: (مقاليد القبيلة.. الاحتفالية بقبيلة تحتضر خارج حدود التاريخ).
 

طبعاً يحفل الكتاب بتناولات نقدية لإبداع قصصي تسعيني، ولكن سياق التناول هنا خاص بالشعر فحسب..
****

 

تحت عنوان: (مقاربة في المسألة الثقافية اليمنية، هل يتسّيد الإبداع اليمني فضاء الأدب العربي في القرن الواحد والعشرين)..يذهب عبد الناصر مجلي إلى (أن النظرة المشجعة المجزوءة عن واقعها الاستقرائي، وكذلك الإشادة التي تتخذ صفة المجاملة للشأن الثقافي في اليمن، والشأن الإبداعي على وجه الخصوص، من قبل الأشقاء العرب، لم تعد كافية من حيث إنصافها القرائي والإعلامي، ولا محرزة، أمام نهوض مارد لم يمت بعد، لكنه أصيب بالمرض والارتكاس القسري عقوداً طويلة، ومن المراوحة في نفس المكان) رافضاً أن يتقبل المبدع أو الإبداع اليمني بعد ظهور الجيل التسعيني التناولات العربية، التي تميزت دائماً بنوع من العطف والتشجيع ظل يؤكد على تخلف المشهد الثقافي والإبداعي اليمني، وتبعيته لمشاهد المركز العربي، (فكلمات مثل: يا إلهي، أو رائع، غير معقول، مدهش، غدت إكليشهات فارغة لا معنى لها، لا تقول شيئاً.. بل هي (في واقع الأمر، تسيء إلى قائلها، وتسمه بالجهل لما يجري في أرض سبأ، من نهوض واثق الخطوة) مضيفاً أن تلك التناولات أصبحت معاذير نقدية (غير ذات صفة سوسيولوجية لأنها لا تعني أشياء محددة، في المحصلة النهائية) فهي (فاقدة لمعناها الشرطي، سطحتها النظرة المتعالية المسبقة، والاستكناه القاصر لقراءة شأن إبداعي بدأ المشي أو لنقل عاود المشي بقدمين قويتين، ربما كردة فعل إيجابي، وكصدى لما يحدث في الوسط الإبداعي العربي ككل، لكن المؤكد أنها ردة فعل واعية، تملك مقومات استمرارها وصوتها الخاص المختلف ذي النكهة الغير مجَّربة من قبل). 
 

 

وهو يعتبر هذا الموعد الناهض متأسسا في تاريخ الثقافة اليمنية منذ عقود القرن العشرين الأولى ولذلك يستعرض على صفحات عدة أهم مفاصل النهوض والتحول الذي شهدته الثقافة والإبداع في اليمن من ثلاثينيات القرن العشرين إلى فجر قيام الوحدة اليمنية المباركة..حيث شهد المشهد الإبداعي والثقافي اليمني عافيته الكبرى (فمن حسن حظ المثقف اليمني أن أحد شروط قيام هذه الوحدة هو حرية الرأي عبر جميع أشكاله) التي تتمثل في (عشرات المجلات والجرائد التي تنزل إلى الأسواق) كل يوم.. والتي كان يقابلها المبدع اليمني بفرح غامر، لا يمكن استغرابه ممن عانى (كثيراً من التهميش والملاحقة بل والحبس وأحياناً القتل، لذلك فقد خاض هذا المبدع حتى أذنيه في ما أتيح له من حرية تعبير حرم منها عقوداً طويلة)..
 

لم ينس مجلي أن يؤكد على نقطة مهمة وسمت الإبداع اليمني في الأجيال السابقة فقد (صنع انتظار الحلم الكبير ثقافة متأنية مستبصرة لا تستعجل، وإبداعاً ذكي القراءة والاستلهام لما حوله).. وهو يعتبر أن (كل تلك التراكمات والعقبات والدموع والقهر والندم).. التي تجرع مرارتها المبدعون اليمنيون عقوداً طويلة قد (مهدت الطريق أمام جيل بدأ قوياً يدرك تماماً ماذا يريد، جيل يبدأ من حيث انتهى الآخرون، جيل قفز قفزات مشهودة وملموسة ومرئية للعين، إنه جيل التسعينيات، المدماك، أو بطريقة أخرى، رأس الرمح الذي سينغرس في كبد القرن الواحد والعشرين الإبداعي، إنه رمح مشتعل سيلفت الأنظار، لما يمتلكه من موهبة صافية لم تتشوه بعد)..
 

كتب مجلي ذلك الاستبصار الرائع لمستقبل جيله قبل نهاية العقد التسعيني في فترة كان لا يزال البعض يشكك في قدرات هذا الجيل.. ولذلك فهو يتوجه إلى من لا يزال غير مقتنع بتساؤله الذي عنون به موضوعه (هل يتسّيد الإبداع اليمني فضاء الأدب العربي في القرن الواحد والعشرين؟!!) قائلا: (إن الإجابة على مثل هذا السؤال يستلزم حذراً ودقة في الطرح، لكننا سنجيب قائلين، اقرأوا إنتاج علوان مهدي، عادل أبو زينة، هدى العطاس، آمنة يوسف، وجدي الأهدل، الغربي عمران، عبد السلام الكبسي، نادية الكوكباني، أروى عبده عثمان، مختار الضبيري، سلوى القدسي، مها ناجي صلاح، المقالح عبد الكريم، محمد المنصور، محمد الشيباني، أحمد الزراعي، سميرة النهاري، بشرى المقطري، علي المقري، عبد الوكيل السروري، نبيل سبيع، هدى أبلان، محمد اللوزي، أضف إلى ذلك الأسماء المكرسة، عبد العزيز المقالح ، عبد الودود سيف، عبد الكافي الرحبي، عبد الفتاح البتول، محمد حسين هيثم، شوقي شفيق، أحمد العواضي، عبد الله علوان)... يضيف بلهجة تبشيرية (أسماء وأسماء وأسماء، إنني أتحدث عن جيش من المبدعين المتميزين القادمين، من مفاصل الحقب وشموخ التاريخ، ولو استرسلت في ذكر الأسماء فسأحتاج إلى صفحات كثيرة).
 

 

ثم (إنها عينة تكتب الشعر والقصة والرواية والنقد، وتنتج بشكل مغاير غير مسبوق، وإنه إبداع متصل وغير منقطع عما حوله وغير ملغ لما سبق بل معزز له ومؤكد ومجدد). 
ويختم مؤكداً: (إن القرن الواحد والعشرين سيشهد إنطلاقة إبداعية يمانية كبرى، سيكون لها شأن مدويّ في بنية الثقافة العربية، إنه إبداع يدخل إلى الساحة دون خوف أو رهبة، ترافقه في مسيرته هذه، مجلات، وملاحق، ومؤسسات، وجوائز ترعاها الدولة، فهل نكون عاطفيين ومغالين لو قلنا بأن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الإبداع اليمني؟ لا تستعجلوا الإجابة دعونا ننتظر وسوف نرى ماذا في جعبة حكماء أرض سبأ الجدد؟!!!)..

 

الموضوع الثاني بعنوان (الأدب التسعيني في اليمن ((الحداثة تخرج من رحم القبيلة)) يستعرض مجلي في مقدمة هذا الموضوع معوقات وصول الصوت الإبداعي اليمني إلى متلقيه العربي خلال عقود القرن العشرين التي سبقت عقد التسعينيات.. ويقسمها إلى قسمين: معوقات ذاتية ناتجة عن كسل المبدع اليمني وضعف استراتيجيته في الترويج لإبداعه.. ومعوقات اجتماعية وثقافية وسياسية تتحمل مسئوليتها المؤسسة الرسمية. 
 

ليصل من مقدمته إلى الإشادة بجيل التسعينيات (هذا الجيل المقاتل بشراسة في سبيل حقه الإبداعي في العيش، الرافض لكل الأعراف البالية والتقاليد الكتابية التي عفا عليها الزمن).
الجيل الذي يدرك أن (معركته معركتين، معركة الداخل وتأسيس القواعد لانطلاقته الكبيرة، ومعركة الخارج لإسماع صوته إلى أشقائه الناطقين بالعربية، من رمال الجزيرة وحتى شواطئ الأطلسي، عبر مشاركته في الدوريات والصحف والمهرجانات).

 

ورغم ملاحظته أن إقبال التسعينيين اليمنيين على النشر في الخارج ما زال خجولاً بعض الشيء، إلا أنه يراه (بداية لا عودة عنها).. مستعيداً نبرة التبشير والتفاؤل والحماس العالي الذي لا شك أنه كان ينبع من إيمان بالغ بهذا الجيل.. ومن استراتيجية تتأسس على انتقال عدوى هذا الحماس إلى زملائه القابعين في اليمن.. فجيل التسعينيات (جيل نقطة الضوء، الذي يحمل موهبة جيل السبعينيات، وإخلاص جيل الثمانينيات، وجمرالتسعينيات، إنه جيل الفراشات، التي تبحث عن النار والضياء، حتى لو أدى ذلك إلى احتراقها)..وهو (جيل متحدٍ لا يعرف الخوف طريقاً إلى قلبه، شديد الطموح، لو أتيحت له عدالة النشر والتواصل مع زملائه في بقية الأقطار العربية دون غمط حقه، لكان علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث في مدى الأعوام القادمة)..
 

وهو لا ينسى في غمرة حماسه التبشيري أن يؤشر على بعض سمات هذا الجيل المهمة: 
فهو (جيل متكامل، يطير بجناحين قويين)..
وهو (جيل الحداثة القاسية النضوج، القاسية الصراحة، العميقة الموهبة، القاسية الطرح)..
جيل (حداثة لا ترحم) جيل حداثة (غير نمطية أو اسمية، أو شكلية).. 
(حداثة خرجت من رحم قبيلة صعبة المراس تقف قصارى جهدها ضد عجلة التغيير، عبر ولادة عسيرة استمرت سنين طويلة، يقود لواءها مجموعة من الشباب، مؤمنين بواقع أفضل، وبمكان مشرف تحت الشمس)..

 

(جيل يرفض البابوية، شديد القسوة، يروم تغييراً شاملاً في بنية عقلية مجتمعه الذي تحكمه الأعراف القبلية)..
جيل يحاول (تغيير شكل الكتابة ذاتها عبر أساليب متنوعة تثير الدهشة).
وهو جيل الظواهر الفارقة التي أهم تجلياتها (ظاهرة المبدعات من الإناث) اللائي تبرجت إبداعاتهن قاصات وشاعرات بعد (حرمان طويل عانته المرأة اليمنية عبر عقود طويلة).. فقد ضرب جيل التسعينيات (عرض الحائط بكل ما يمنع الفتاة اليمنية من الانخراط في مجال غابت عنه قسراً دهراً طويلاً، وها نحن نشاهد ونقرأ أسماء حشد من المبدعات مثل: مها ناجي صلاح، أروى عبده عثمان، نادية الكوكباني، نجوى العمري، ابتسام المتوكل، أضف إلى الأسماء المكرسة من نفس الجيل، مثل الشاعرة والقاصة آمنة يوسف، والقاصة سلوى الإرياني، والشاعرة نبيلة الزبير، وهدى أبلان، فاطمة العشبي. والقاصة هدى العطاس، وغيرهن كثيرات).
****

 

 

من التناولات الأخرى المتعلقة بجيل التسعينيات الشعري سنتوقف عند التناولة الخاصة بالشاعر محمد المنصور بسبب كونها تحمل دلالة قوية في سياق ما يتغياه هذا الاستعراض.. عنوان التناولة: (محمد المنصور .. فلسفة المعنى، وإدهاش اللغة!!!قراءة في أوراق شاعر يمني)..
 

أهمية هذه التناولة التي أشرت إليها تعود إلى أسباب منها: أنه لا يتموضع المنصور وتجربته فحسب، بل يتموضع معه زميلين له هما: الراحلان عبد الرحمن الحجري، وأحمد شاجع، الأول عصفت به المنية بشكل غير طبيعي ومؤسف صيف 1994، والثاني سرقه منا داء الكبد خريف عام 1998م.. بل إن حديثه عنهما ليبدو أكثر أهمية لكون نصوصهما لم تجمع ولم تنشر حتى الآن.. ثم لكونهما من أهم مبدعي الموجة التسعينية الأولى.. ثم لكون النصوص التي يستدل بها لهما وللمنصور تعود إلى فترة ما قبل 1994 وهي بذلك بما فيها نصوص المنصور مما لم تطلع عليه موجات التسعينيين اللاحقة.. لأنها بعيدة بحكم عدم النشر عن متناول القارئ ناهيك عن كون مجلي يستحضر في قراءته لتلك النصوص خبرته ومعرفته بزملائه قبل أن يغادر اليمن إلى أمريكا سنة 1992م.
 

يقارب عبد الناصر مجلي عدمية محمد المنصور الصارخة، التي يحاول إخفاءها بذكاء وأيضاً ذلك السخط الذي يطال الأشياء حوله حتى ذاته القلقة..ذلك القلق الوجودي المؤرق ناحية الموت ويلاحظ تميز تجربة المنصور بالحركية وبتخليق الشعر من فلسفة المعنى وتبئير السؤال مؤكداً أن هذا (دأب محمد منذ بداية الثمانينيات، بداية نشره لقصائده العمودية إلى الآن، وهو في مراوحة جدية ودؤوبة بين الجديد والأجد، منذ شعره المقفى إلى شعر التفعيلة، إلى القصيدة النثرية، محمد يذهب باللغة إلى حدودها العالية دون أن يفقدها دهشتها أو حركيتها في السياق الذي يود أن يوصلنا إليه)..
 

ثم يستطرد بمناسبة حديثه عن المنصور فيتحدث –كما أسلفنا- عن صديقيه أحمد شاجع وعبدالرحمن الحجري. 
ثمة نص بديع للشاعر أحمد شاجع يعبر مجلي في تناولته عن افتتان بالغ به، بل ويعده بالنظر إلى لغته المتفردة التي تميزه من ناحية البناء والتمثيل عن لغة نصوص الآخرين من مجايليه، وبالنظر لما فيه من تناغم شعري مبهر (أقوى مقطع شعري يطلقه أحد شعراء الثمانينيات في اليمن قاطبة):
وطني

 

يا مسك الوحشة ، وختام الأنس،
أسألك التوبة، ما وسعت
عيناك الذنب،
وأسألك الرحمة
ما نبت البطش على كفيك.
وطني..
ذاكرة العمر الوهمي،
خشخشة الضوء على ورق الليل،
ونبوءة عراف أعمى،
ذاكرت فواصل عينيك البيض،
فانسدت عني الأضداد،
وطني المفعول على أمره،
وطني المغلوب على تعبي،..
يا وطن الحكمة

 

ويعتبر مجلي الشاعرين محمد المنصور وأحمد شاجع (أبرز صوتين في جيلهما)..مؤشراً على (صفتين هامتين هما الأساس الشعري الذي يعتمد عليه الشاعران شاجع والمنصور في بناء مداميكهما الشعرية ألا وهما صفتا البعد الفلسفي عند المنصور، والبعد الرؤيوي، أو التنبؤ عند شاجع).. 
 

أما عبد الرحمن الحجري الأقدم زمنا منهما كما يقول مجلي: (من نفس الجيل أو أبعد قليلاً) فهو (شاعر اللغة قبل أن يكون شاعر المعنى، وهو شاعر لا يقل عنهما في شيء إن لم يكن يجاريهما، بل ويسبقهما أحياناً في بعض قصائده الرائقة كما في قصيدة (فاطمة.. يا رماد اليدين) و(حطب العمر يا والدي) ثم هو أكثر منهما (تمسكاً وتمكناً من ناحية اللغة)، (فهو شغوف بالبناء اللغوي بضراوة إلى درجة تجعله أحياناً يُفرغ القصيدة من معناها في سبيل زخرفتها لغوياً على العكس من المنصور وشاجع اللذين يوليان المعنى النصيب الأوفر عند البناء الشعري)..
 

هكذا يسفر هذا الجزء من اشتغالات عبد الناصر مجلي على التسعينيين اليمنيين عن مقدار انهمامه الذي أبداه بهذا الجيل وحماسه البالغ له، كما يبين معرفته الواسعة به نصوصاً وشخوصاً مشارب ومرجعيات.. وهو لا شك أحد أبطال هذا الجيل مبدعاً، متعدداً، ومبشراً بزملائه، شديد الحفاوة بإبداعهم..يندفع إلى ذلك بروح نبيلة تتأسس في شخصيته المفطورة على الإنصاف، وتتعزز بالامتلاء الذي يفيض من صاحبه على الآخرين، تلكما الصفتان فيه دعمتهما ثقافته النقدية، وأججتهما غربته وبعده عن أصدقائه وزملائه في الحرف والوطن.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً