الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مدخل تاريخي بانوراما أجيال الشعر اليمني في القرن العشرين(6-6) - علوان الجيلاني
الساعة 11:59 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


أخيراً.. لا بد من إنهاء هذا المدخل التاريخي بملاحظتين مهمتين لجهة توضيح منحى الاشتغال عليه:
أولاً: لا شك في أن سمة جيل من الأجيال الشعرية لا يصنعها كل الشعراء الذين تعايشوا في ذلك الجيل.. بل يصنعها أهم المشاركين فيه حتى وإن اختلفت طرقهم في الاشتغال.. ولذلك فكل ما أوردناه سابقاً عن كل جيل من الأجيال التي عرضنا لها هو في النهاية نسبي لا يحتمل منطقه التعميم مائة في المائة..

 

من أجل توضيح ذلك، ولو على وجه التقريب سأورد هذا المثال: تعايش في الجيل الأربعيني (جيل الرومانسية والتجديد) على الساحة اليمنية الشاعر الإحيائي الضخم محمد محمود الزبيري.. والذي يمكن لمح رومانسية خفيفة في قصائده.. كما اشتمل على شعراء رومانسيين بمعنى الكلمة.. مثل: إبراهيم الحضراني، أحمد الشامي، عبد الوهاب الشامي، حسن السقاف، علي محمد لقمان، محمد عبده غانم، صالح الحامد، إدريس حنبلة، لطفي جعفر أمان.. واشتمل أيضاً على شعراء يمكن تصنيفهم شعرياً من الدرجة الثانية، إما لكونهم علماء ينظمون الشعر حسب التقاليد الموروثة في اليمن، بوصفه جزءاً من أدوات العالم القاضي، الذي هو جزء من النخبة السياسية، ومن حاشية الحاكم، من أمثال: القاضي عبد الرحمن الإرياني، والقاضي عبد الله الشماحي.. وإما لكونهم معلمين تنويريين، الشعر جزء من أدواتهم في بيئة ثقافية تقليدية على نحو ما كان موجوداً في اليمن آنذاك.. بل إنه ما زال موجوداً إلى اليوم في مدن تقليدية يمنية مثل مدن العلم في تهامة، زبيد، بيت الفقيه، المراوعة، الزيدية، المنيرة.. ومثل تريم وسيئون في حضرموت، وصعدة، وحوث في شمال اليمن.. وغيرها.. ولعل هذا التوصيف ينطبق آنذاك على شاعر ومعلم تنويري مثل: محمد المطاع.. إلى جانب ثوار سياسيين مثقفين، كانت القصيدة تقوم عندهم مقام المقالة والمنشور السياسي، من أمثال: أحمد المروني، ومحمد الفسيل، وزيد الموشكي..وشعراء لهم نصيب من كل تلك الجوانب السابقة مثل:

أحمد المعلمي، والعزي مصوعي.. لذلك فإن توصيفات ذلك الجيل الواردة في هذا المدخل ستتسم دائماً بالنسبية رغم مصداقيتها من حيث تأشيرها على ناحية التجاوز والاختلاف التي اكتسب بها الجيل جزءاً كبيراً من سماته ومحدداته.
 

ثانياً: لا بد من إيضاح أننا أردنا من هذا المدخل التاريخي رسم صورة بانورامية لمشاهد الشعر اليمني التي أنجزتها الأجيال السابقة، ولن يخفى على القارئ أن تناول تلك الأجيال كان يتسع تصاعدياً، كلما انتقلنا إلى جيل جديد حتى كانت أوسع الوقفات عند الجيل السبعيني.. وذلك يتناسب مع حجم الإنجاز وكثرة الأسماء، وتعدد التجارب وتنوعها، وعلامات التجاوز التي قدمها كل جيل.. غير أن طبيعة هذا التمهيد التاريخي قد حالت دون تناول جوانب في تلك المشاهد، لا تكتمل الصورة إلا بها أو ببعضها على الأقل.. فثمة الكثير من التعميمات التي كان يجب أن تحضر بالتوازي معها استثناءاتها.. كما أن إيراد المقولات دون أن تكون معززة بالنصوص يقلل كثيراً من مصداقية الطرح.. بيد أن استحضار النصوص الشاهدة على تلك المقولات كان سيخرج هذا التمهيد التاريخي عن مساحته، وسيخل بالهدف الذي وضع له حتى لو قللنا من عدد النصوص إلى أقل حدٍ ممكن؛ لأن مدونة الشعر اليمني التي أنجزتها أجياله على مدار القرن العشرين بكثرتها واختلافها وتنوعها، والمرجعيات المتعلقة بالنصوص والموجهات الغائبة فيها تظل أكثر تنوعاً واختلافاً من أن تعبر عنها عينات محدودة.. 
 

حتى لو حاولنا ذلك من زاوية أو زوايا محددة كأن نتتبع مثلاً الموجهات الثقافية، والنصوص الغائبة، التي اشتغلت عليها إبداعات كل جيل من تلك الأجيال، فإن استحالة الإيفاء بالمقصود ستظل قائمة وموجودة.. وقد يسهل الأمر قليلاً مع الجيل التقليدي، جيل المحاكاة والاجترار.. أو مع جيل الإحياء..حيث يتشكل الموجه من متكئ ثقافي وإبداعي واحد، وإن تعددت وجوهه.. وهو التراث العربي بجوانبه الشعرية والنقدية، والثقافية عامة، فإن صعوبة التناول ستكون غير عادية عند تناول الجيل الرومانسي.. حيث الموجهات الثقافية والإبداعية والموحيات تأتي من متكئات ومرجعيات متعددة، فيها الذاتي وفيها الآخر، فيها العربي القديم وفيها العربي الحديث ممزوجاً بالأجنبي، بحكم تلقي الرومانسية اليمنية عن الرومانسية العربية، عن الرومانسية الأجنبية.. وفيها أيضاً خصوصية المجموع الناتجة عن امتزاج كل تلك العناصر فيه.. كما أن فيها الخصوصية الفردية.
 

أما إن فكرنا في تناول الموجهات الثقافية ونصوص ومتكئات تجربة الجيل الواقعي، وجيل السبعينيات فإن ذلك يستحيل تماماً في حيز كهذا، 
 

حيث تشتجر موجهات كثيرة ومرجعيات أكثر تعدداً.. ونصوص غائبة لا يمكن حصرها كما تتعدد الذوات والتمثلات والأشكال، وتبدو محاولة التتبع لجزئية منها مستحيلة حتى على البحوث المخصصة لكل جزئية منها.. 
 

بسبب ذلك كله.. اقتصر هذا المدخل على الإلماحات الخاطفة للسمات العامة، والظواهر الأكثر بروزاً، والمفاصل الأقوى أهمية، كذلك إلى ذكر الأسماء الأميز حضوراً ومشاركة في تلك الأجيال، والأوضح تعبيراً عنها إبداعاً ومثاقفات، ونماذج جيدة لعرض المادة من خلالها.

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً