الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مدخل تاريخي بانوراما أجيال الشعر اليمني في القرن العشرين (4-6) - علوان الجيلاني
الساعة 15:19 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


وعند هذه المرحلة من حركة الشعر اليمني في القرن العشرين، سنكون على مشارف الجيل الخامس.. جيل السبعينيات.. وهنا نتحدث عن جيل تشكلت ملامحه قبل نهاية الستينيات.. وامتد ظله على معظم الثمانينيات.. فهو الجيل الأوسع زمناً.. والأكثر عدداً وتعدداً.. فقد تسرب إليه مجموعة من شعراء الجيل السابق، وانغمسوا في قضاياه حد أننا لا نستطيع تصور البردوني والمقالح، والقرشي عبد الرحيم سلام، وأحمد قاسم دماج، وعبد الرحمن فخري، وحتى محمد سعيد جرادة خارجه.. كما أنه هيمن على أكثر عقد الثمانينيات حتى حسب أبرز من ظهروا في الثمانينيات على الجيل السبعيني.. إلى ذلك فهو جيل (الطفرة الشعرية) (سواءً في شعر التفعيلة أم في شعر الشطرين) ( ).
فالنصوص التي أنجزها معظم شعراء هذا الجيل لم تكن في أسلوبها أو محتواها إلا معبراً عن المرحلة وتجلياتها المختلفة.. بل هي في مجملها (حضور لواقع متغير يرفض التكرار، ويأبى أن يكون اجتراراً أو انعكاساً لأزمنة سلفت)( ). 

 

وقد عد كثير من الدارسين جيل السبعينيات الشعري (المفصل الأهم في الحداثة الشعرية في اليمن وأصبحت تالياً أصواته الذاكرة الحية للشعرية الجديدة في تشكلاتها الضاجة، لأن المغامرات العديدة التي أقدمت عليها عديد الأصوات المحسوبة على هذا الجيل قامت على الانتهاكات الواعية للشكل الشعري، وخلخلة ثباته لصالح أشكال أكثر حداثة)( ).
 

إلى جانب الحضور الباذخ لتجربتي المقالح والبردوني، تجاور على صفحات المشهد الشعري السبعيني حشد ضاج من الأصوات المميزة موهبة وثقافة ووعياً.. أحمد قاسم دماج، يحيى عوض ،عبد الرحمن فخري، محمد المساح، حسن اللوزي، ذو يزن، عبد الودود سيف، القرشي عبد الرحيم سلاَّم، عبد اللطيف الربيع، زين السقاف، شوقي شائف، مختار علي، عبد الرحمن الأهدل، إسماعيل الوريث، عبد الرحمن إبراهيم، محمد ناصر شراء، أحمد الماخذي، فريد بركات، عبد الرحمن السقاف، عبد الله قاضي، عبد الكريم الرازحي، محمد حسين هيثم، شوقي شفيق، عمر محمد عمر، مبارك سالمين، نجيب مقبل، أحمد ناجي أحمد، محمد علي الشامي، جميل ثابت، جمال الرموش.. ثم امتد منهم أحمد ضيف الله العواضي، محمد عبد السلام منصور، صبري الحيقي، جنيد الجنيد، حسن عبد الوارث، على الحضرمي، توفيق الزكري، عبد الحفيظ النهاري.
 

كما يمكن أن نلاحظ أنه رغم الحضور القوي لسبعينين يكتبون قصيدة العمود بتحد كبير كما في حالة الشاعر حسن الشرفي.. وشعراء يكتبون قصيدة النثر بجرأة هائلة كما في حالة الشاعر عبد الرحمن فخري، ومحمد المساح، وجانب كبير من نتاجات عبد الودود سيف، وشوقي شايف، والرازحي، فقد كانت الكفة الراجحة لقصيدة التفعيلة بمختلف تجليات كتابتها.. إذ كان الانحياز لها واضحاً حتى لتغدو مقارفة الكتابة في غيرها استثناءً..
 

ويمكن التأشير على إضافة وتميز السبعينيين من خلال مجموعة من التجليات.. أكثرها وضوحاً تجاوزهم في قسم كبير مما أنتجوه لسطحية ومباشرة وخطابية وركاكة الجيل الواقعي الذي سبقهم.. وإن لم يتخلصوا كلية من تلك السيئات.. كما أنهم لم يتخلصوا بشكل مقنع من فجاجة الالتزام، وثقل الأيديولوجيا، وخفة الشعارات ومزايداتها.
 

لو استقرأنا الرمز مثلاً في منجز السبعينيين الشعري، فإننا سنجده في تجارب الكثيرين منهم قد تحول إلى عامل ذي فعالية قوية في التجربة الشعرية.. فقد رفد السبعينيون الواقعية التي تلقفوها من سابقيهم بتيارات حداثية كثيرة كانت تصب باستمرار في تجاربهم.. واتجهت مجموعة وافرة من النصوص إلى التاريخ تستمد منه رموزاً تعبر وتوحي بدلالات الخلاص الفردي والجماعي.. أيضاً بدلالات الوجود والحضارة، وعمّق الشاعر السبعيني رؤيته إلى معطيات الواقع وإلى الحياة ومحاورها الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، ليخلق رؤية جديدة للكون.. وبذلك استطاع تجاوز الصلة السطحية المباشرة بالواقع والحياة إلى (علاقة التداخل والوحدة الكينونية)( ) وهذا من ثمار الحداثة لأن (التطور في التجربة الحداثية يتحدًّد في الكيف وليس في النوع)( ).
 

ولأن ما بين يدي الشاعر السبعيني من مفردات الحياة ومعطيات الوجود.. وتشكلات الحياة اليومية، والتفكير في الكون والعالم، وغيرها من الأشياء أفكاراً وموضوعات، ومرجعيات يكاد من سبقه من أجيال شعرية يمنية أو عربية أن تكون قد أتت عليها، فإن الإضافة تجلت في كون الشاعر السبعيني أخذ يستجلي دخائلها، مفجراً للمكنونات، وكاشفاً عن الأسرار باشتغالات جديدة تعمق علاقاتها، وتوسع أبعادها الدلالية في التجربة. 
 

ولكن -كما أشرنا سابقاً- فبالرغم من تجاوز السبعينيين اللافت لسطحية ومباشرة وخطابية الجيل الواقعي الذي سبقهم، وتخلصهم الكبير من فجاجة الالتزام.. إلا أن القيود كانت لا تزال ثقيلة (فلا يكاد المرء يجد عملاً واحداً خالياً من منظومة مصطلحية معممة هي: الثورة، الجماهير، التحرر، الرجعية، التقدم، الرقي، التخلف، الجمود، الفقر، الجهل، المرض، الاستعمار، الامبريالية، الإقطاع، الاستغلال... إلخ)( ) وهي منظومة مصطلحية تقف وراءها الموجهات المشار إليها بشكل واضح في منجزهم، الفارق في اختلاف تقنيات الاشتغال ليس إلا –أعني في وعيهم بالممارسة الشعرية-.
 

الدراسات النقدية التي واكبت الجيل السبعيني، وكانت من علامات اختلاف المرحلة طفقت تؤازر ذلك الوعي وترسخه.. ويتبين مما أنجزه المشتغلون بالنقد ممن كتبوا قدراً كبيراً من اشتغالهم على جيل السبعينيات ومن مهدوا له أو امتدوا منه -يشمل ذلك الفترة من منتصف الستينيات حتى مطلع التسعينيات- أن النقد كان يبشر بتلك المضامين ويروج لها.. ويعتبرها جزءاً من قوة العمل الأدبي وأسباب نجاحه.. وثمة جانب كبير من المنجز النقدي لـ(المقالح، والبردوني، وعبد الودود سيف، وعبد الملك المقرمي، وأحمد الهمداني) يحتفل بـ(الاتجاه الاجتماعي) أو المنهج الاجتماعي من خلال أهم (أفكاره ومفاهيمه كالاهتمام بالقضايا المحلية والإنسانية وتأكيد الوظيفة الاجتماعية للشعر، والاهتمام بالمضمون الاجتماعي للقصيدة الذي يتولد عنه شكلها الفني، واعتبار الكتابة الأدبية ظاهرة اجتماعية، وتأكيد مفهوم الالتزام في الأدب) كما يظهر (تأثرهم بـ(نظرية الانعكاس) التي ترى أن الأدب ينبغي أن يكون انعكاساً للواقع)، واحتفالهم أيضاً بفكرة (الأدب الهادف) أو (الأدب القائد)، وفكرة (رؤية العالم))( )
 

ويمكن التأشير على تجاوز نوعي آخر في تناول قضايا المجتمع، وهو موضوع المرأة.. كان المثال الأبرز عليه الشاعر محمد الشرفي في ديوانه الأول (دموع الشراشف) الذي امتد منه جانب كثير من منجزه الشعري.
 

مع ذلك يجب التأكيد مرة أخرى على أن السبعينيين التفتوا بدرجة معقولة إلى العناية بالفن، ووازنوا بين الموضوع وجمال الكتابة، وبدا واضحاً انعكاس الثقافة الأكاديمية الواعية، والإحساس بضرورة الإبداع من خلال مشروع بين المعالم يسير على منهج مدروس، لا يكون الشعر فيه مجرد إلهامات وبوادر أو هواتف تكتب حسب مقتضى الحال وانفعالات الذات كيفما اتفق.. وكان المقالح صاحب النصيب الوافر في هذا التوجه إبداعاً وتبشيراً واحتفاءً وتوجيهاً ونقداً.. وقبل ذلك مثابرة لا تعرف التوقف.. يليه مجموعة من المبدعين الواعين مثل عبد الودود سيف، وحسن اللوزي، وعبد الكريم الرازحي، وشوقي شفيق، ومبارك سالمين، ونجيب مقبل، ومحمد حسين هيثم، وصبري الحيقي، وأحمد العواضي.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً