الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مدخل تاريخي بانوراما أجيال الشعر اليمني في القرن العشرين(2-4) - علوان الجيلاني
الساعة 16:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


هذا المنحى سيتأكد أكثر مع ظهور الجيل الثالث.. وهو الجيل الرومانسي.. الذي يمكن أن نسميه جيل العافية الشعرية.. والمقصود بهذا التعبير أن هذا الجيل كان يعيش في زمنه.. ويعبر عن ذوات شعرائه.. ويتصل صلة قوية بمعاصريه في الجغرافيات العربية المجاورة.. وأهم من يمثل هذا الجيل الشعراء: إبراهيم الحضراني، أحمد محمد الشامي، علي محمد لقمان، عبد الوهاب الشامي، محمد عبده غانم، لطفي جعفر أمان، إدريس حنبلة، صالح الحامد.. ويمكن أن يندرج معهم من المتقدمين عليهم الزبيري في جانب من شعره -كما أسلفنا-.. يجعله مبشراً حقيقياً بهم.. كما يمكن أن يندرج معهم من المتأخرين عنهم البردوني خاصة في ديوانه الأول.. بما يجعله ثمرة لهم.
وقد تماهت إبداعات هذا الجيل مع معاصريهم من الشعراء في الشام ومصر والعراق والسودان وتونس وغيرها.. (فركبوا مع الملاح التائه على المركب نفسه) على حد تعبير هشام علي بن علي( )..وامتلأت قصائدهم بالرؤية الجمالية الناعمة.. والروحية العالية.. والتعالي على الواقع، والاحتفاء بالطبيعة، والتوق إلى الآخر الملائكي الحضور والغياب، والذي كان في الغالب المرأة وليس سواها.. ذلك كله يتجلى في جانب من جوانب تجربة هذا الجيل، هو جانب الذات وهواجسها وتوقها الذي لا حدود له..ولذلك يحضر في تلك التجارب معجم واسع من الألفاظ التي صارت عندهم محملة بدلالات معبرة.. مجرد حضورها في سياق النص يحولها إلى معادل موضوعي بوصفها رموزاً ذات ظلال إيحائية شفيفة.. ومن تلك الألفاظ: (الأضواء، العطور، الخمور، الأطيار، الورد ، الضباب ، القيثار ، الصليب، فضلاً عن رمزية الألوان)( ).

 

 

على أن جانباً كبيراً من تجربة شعراء الجيل الرومانسي في اليمن كانت في كتابة القصيدة الوطنية المناضلة تنويراً وتثويراً.. وحلماً بالتغيير.. والمعجم اللفظي لما أنجزوه في هذا الجانب لا يبتعد كثيراً عن المعجم اللفظي الذي ميز جانب تجربتهم الذي أسلفنا ذكره من حيث كونها ذات إيحاء رومانسي متعالٍ.. فقد كانت قصائدهم في هذا السياق توظف الرموز اللفظية في سياقاتها المختلفة توظيفاً رومانسياً ثورياً متفجراً.. من استعمالاته مثلاً: (البراكين ، النيران، الشهب، السيول، الرعود) إضافة إلى الرموز المكانية الموحية بالحضارة والانتماء مثل: (صنعاء، مأرب، بغداد حلب، القدس، نهر النيل، دمشق) أو الرموز البطولية الموحية بالانتصارات الحاثة على النهوض والتمثل والقدوة.. مثل: (بلقيس، سيف بن ذي يزن، خالد بن الوليد، صلاح الدين الأيوبي... إلخ) مقابل مصفوفة من الرموز اللفظية التي ترمز بحسب توظيفها في معجم الرومانسيين على السقوط وعلى رفض الشاعر للواقع.. مثل: (الجثة ، الديدان ، الجسد النتن)( ).
 

كما يمكن أن نتلمس في قصائد شعراء الجيل الرومانسي ناحية التعبير عن هشاشة الوجود، وصعوبة الوضع البشري، والميل إلى التعويض عن هذا الشعور بفلسفة التأمل وتلمس الحكمة بوصف ما يمر به الإنسان من تجارب سبيلاً إليها.. هذا الجيل سيغطي أربعينيات القرن العشرين وسيواصل تقديم منجزه الشعري خلال الخمسينيات والستينيات وحتى العقود الأخيرة من القرن العشرين.. كما في حالتي الحضراني، والشامي منطلقاً من نفس الرؤية ونفس المرجعيات.. على أن فترة الخمسينيات ستشهد جيلاً جديداً على شيء من الانقطاع عن تجربة الجيل الرومانسي.. ذلك هو الجيل الرابع.. أو ما يمكن أن نسميه بجيل التجديد.. أو جيل الواقعية النسبية.. وهو جيل مهد لما يمكن تسميته أيضاً بالحداثة اليمنية.. هذا الجيل كان أكثر تماساً مع ما يشتجر في المشهد الثقافي والسياسي.. والاجتماعي العربي في فترة الثورات التي تفجرت منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين في وجوه الأنظمة المحلية ووجوه المستعمرين.. كان هذا الجيل يمثل أيضاً ثمرة من ثمار البعثات الدراسية اليمنية إلى مدارس وجامعات عربية في القاهرة، وبيروت، والخرطوم، وغيرها.. ناهيك عن انفتاح اليمن في جنوبه وشماله على العالم شرقه وغربه إبان عقد الخمسينيات أكثر من ذي قبل.. وقد انصب التركيز عند هؤلاء على التجديد في الشكل إلى جانب الاستجابة لمواضيع تفرضها أيديولوجيا أدب الواقع أو أدب الالتزام.. 
 

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن التجديد في الشكل كان هاجساً من فترة سابقة لدى بعض المبدعين اليمنيين وإن لم يكن هاجساً واعياً وقصدياً يمتلك الإرادة والتصميم، ويطمح إلى الصيرورة، فإذا استبعدنا الشاعر والروائي علي أحمد باكثير الذي يمكن أن نحسب منجزه لمصر أكثر من اليمن بحكم قصدية توجيه الخطاب إلى متلق نخبوي مصري.. وليس إلى متلق يمني نخبوي أو غير نخبوي..فإننا سنجد أكثر من شاعر يمني حاول أن يكسر حاجز العمود ويخرج عليه منذ فترة مبكرة جداً.. فعل ذلك الشعراء حسن السقاف وإبراهيم الحضراني، وأحمد الشامي، سنة 1943م( )، ثم بين شعراء سجن نافع عقب حركة 1948م، وكان الأبرز في محاولات الخروج على العمود الشاعر أحمد الشامي( ).

 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً