الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
تحليل قصيدة الشاعر : بهاء الدين زهير (تعيش وتبقى) - زيد الفقيه
الساعة 13:36 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


شذرات عن حياة الشاعر
 

هو أبو الفضل زهير بن محمد بن علي المهلبي ، المعروف ببهاء الدين زهير .
ولد بوادي نخلة من أطيان مكة ، في 5 ذي الحجة 581هـ . 1185م ولمَّ شبَّ توجه إلى مصر واتصل بالسلطان الملك الصالح ، نجم الدين أبي الفتح أيّوب بن الملك الكامل . ثم توجه في خدمته إلى البلاد الشرقية وأقام بها إلى أن ملك الصالح مدينة دمشق ، فاتصّل إليها وأقام يخدم الملك ويمدحه .
ولما خرجت دمشق عن الملك الصالح وخانه عسكرة ، وهو على نابلس ، وتفرّق عنه ، وقبض عليه ابنُ عمّه الملك الناصر، صاحب الكرك ، واعتقله بقلعة الكرك ، أبى البهاء زهير أن يتصل بخدمة أحد بعد الملك الصالح . 

 

وظل بعيداً عن السلطة حتى خرج الملك الصالح من معتقله وملك الديار المصرية فقدم إليها البهاء معه . وكانت له منزلةٌ رفيعةٌ عنده . 
ولما مات الملك الصالح انقطع في داره بمصر إلى أن مات بالطاعون سنة 656هـ ، 1258م .

 

تعيش أنتَ وتبقى حاشاك يا نور عيني قـــد كـــــان مــا كـــــان منـــــي 
أنـــــا الـــــذي مـــُتُّ حــقّـا 
تــــلقى الـــــذي أنا ألقى 
والــلـه خــــــــيــر وابــــــــقـــى
حين تعود للعصر الذي عاش الشاعر فيه تجده في أواخر العصر العباسي الذي امتد منذ 132 ــ 656هـ وهذا يعني أن ثقافة الشاعر ومنبته الأدبي كانت عباسية، لذلك جاءت قصائده تحمل عذوبة عصره ورقـتــه .

 

لذلك حين أراد مخاطبة حبيبته خاطبها بضمير المذكر الغائب ،إذ لم يصرح باسمها وهذا يُنبِتُ في إحساسك احتمالات عديدة منها :ـ
أنه شغوف بها إلى درجة الغيرة عن كشف اسمها للناس من خلال القصيدة.
والاحتمال الثاني : أن المجتمع الذي تعيش فيه ، يدخل ذكر أسم الحبيبة ضمن قائمة الممنوعات ( كما هو قائم في مجتمعنا هذه الأيام) .
والاحتمال الثالث : الذي نرجحه هو أن يكون قد خاطبها بذلك نزولاً عند رغبتها إن كانت غير راغبة بالتصريح باسمها .
ويرجح ا.د/صبري مسلم أن يكون الحبيب رجلا ، وليست امرأة . 

 

وفي مقابل ذلك قد صرّح بأنه هو الميت الحق ، وهو موت مجازي يعني به استعداده للتضحية في سبيل الحبيب ، وقد شفع ذلك بقولة في البيت الثاني : حاشاك يا نور عيني ، أي برّأتُك ونزهتك مما قد أقع فيه من خطاً ، وحين ندقق النظر في البيتين الأولين نجد حضور الشاعر بكثافة وقوة متوازياً مع حضور الحبيب المخاطب ففي الشطر الأول من البيت الأول يخاطب الحبيب بقوله : تعيش أنت وتبقى وفي نفس الإتجاة الرومانسي إذ (عملت الرومانسية التي ركزت على الشعر الغنائي على جعل ذات الشاعر أكثر بروزاً في هذا الشعر الغنائي ) ، وعلى الرغم من حضور الشاعر القوي في القصيدة إلا أنه قدَّم الحبيب في خطابة الشعري حين قال : تعيش أنت وتبقى ، والعرب إذا اهتمت بالشيء قدمته ، وكان للبيت أن يستوي إن قال : 
أنــــا الــــذي مــتُّ حــــقا : تـــــعيش أنـت وتـــبقــــــى 
ولكن لأسباب بلاغية وجمالية في النص ، ونفسية لدى الشاعر بدأ بالفعل المضارع الذي يفيد الحضور والاستمرار إلى زمن قادم وأكده بفعل مضارع آخر وهو تبقى ليعطي للمتلقي إحساساً بالإصرار على مدى حبه لهذا المخاطب الحبيب . 

 

أما حين أضمر أسم المحبوب فقد خالف الكثير من الشعراء ممن سبقوه أو تبعوه ومنهم : الأعشى حين قال : ودّع هريرة إن الركب مرتحل وكثيِّر حين قال : وأعجبني يا عزُ منك خلائق ، ولبيد إذ قال : بل ما تذكر من نوار وقد نأت ، وقيس حين قال : يقولون ليلى بالعراق مريضة ووضاح اليمن حين نادى روضة بقوله : يا روض جيرانكم الباكر ، وغيرهم من الشعراء الذين نحو هذا النحو .
ويقف معه في هذا الاتجاه الشاعر اليمني /صالح السعيدي حين صرَّح باسمه بدلا عن حبيبته رغم مخاطبته لها بقوله : 
والاسم صالح ومن عينيك روحه عليلة : والفاظه البارعة
شي عندكم للهوى دلة وللحب حيلة : تكون لي نافعة 
ولا فمن قد قتل لازم يواري قتيله : ولا فشله معه 1
ويستوقفك الشاعر عند قوله : 
* قــد كـــان ما كـــان مني : واللهُ خيــــــرٌ وأبقــــــى 
* ولـــم أجـــد بين مـــــوتي : وبين هــــجرك فــــَرْقَــا 
* يــا أنعـــــم النــــاس بــالاّ : إلــــى متـــى فيـك أشقى 
وحين نعود إلى الحياة الاجتماعية التي عاشها الشاعر نجد أغلبها حياةً منعَّمةً (فقد كان من المقربين للسلطان الملك الصالح ، نجم الدين أبي الفتح أيوب في مصر)2 لذلك جاءت الفاظله رقيقة وناعمة ، وذلك انعكاساً لنفسية الشاعر المترعة بالأمل والحب والجمال ، فهو يمثل تلك الطبقة التي عاش في مدارها ففي قولة :
* قـــد كـــان ما كــــان منــــي : والله خـــــــيرٌ وأبقــــــــى 
* ولم أجــــد بين مـــوتــــــــي : وبين هــجـــــرك فرْقــــــا 
إنما يوضح للقارئ ذلك التجاذب بين حبها وصدها له أيضاً إلى درجة أنه يسلّمُ بحكم الله إن كانت قد أرادت هجره بقوله : والله خيرٌ وأبقى ، ويفسرُ ذلك الولع بحبيبه بمساواة هجره بالموت ، ولعل ذلك الصّد مرة والحب أخرى من باب استثارته على رأي الأستاذ الدكتور / صبري مسلم حيث يقول : (يفسّر لنا الشاعر سر اهتمامه بتلك المرأة ، فهي تجيد استثارته بحيث تضطره إلى الانصراف إليها بكل كيانه . إنها تحسن فن الصد والمراوغة من أجل مزيد من الحب والرغبة حد الاشتعال)3. 
ـــــــــــــــــــــــــــ

 

1ـ مدارات (كتابات في أبعاد النص ) ص 17 ، زيد صالح الفقيه مطبعة الصباحي 2006م 
2ـ ديوان بها الدين زهير ، دار صادر ،ص5 1980م .
3ـ ا.د/ صبري مسلم ، مجلة البيان الكويتية ، العدد (448) ص46 نوفمبر 2007م رابطة الأدباء والكتاب .

وهو حين يساوي بين الموت وهجر حبيبته يفتح لك مغاليق قلبه لتكتشف حجم الولع الذي سكن ذلك القلب المتيّم ، ولم يكتفِ بالموت الواحد بل قد يموت مرات عديدة ، وهذا أشد من الانطفاء المفاجئ للروح حيث يقول : 
* يا أنـــــعمَ النَّــــاسِ بالاً : إلـــــى متـــــى فيــــك أشقـــى
وقد أتى بكلمة أشقى وهي فعلٌ مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها التعذر ، ليحيلك إلى هذا الشقاء الذي هو موت متجددٌ يعيشه لحظة ً بلحظةٍ في زمنه الحاضر والمستقبل إن استمر ذلك الهجر .
لكن إحسَاسَهُ النفسي بالحب المتبادل بينهما جعله يشكُ بقول العذال الذين يختبئون بين أصابع القدر فيقول :
* سمـــعتُ عنــــك حــديثاً : يــا ربِّ لا كـــان صدقـــــا 
* حاشـــاك تنقــض عهدي : وعُروَتــــيْ فيــــك وُثْقَــي
ففي البيت الأول يحيلك إلى رأي الدكتور صبري السالف لأن ما سمعهُ لاشك أنه تسريبٌ لخبر الصد أرادت حبيبته أن توصله إليه ، وهذه سجيّة في النساء حيث ((يتمنّعْنَ وهنّ راغبات)) لكي تصل بك إلى حد الاشتعال على الرأي السابق لكنه يردف أيضاً بالقول ــ وهي ثقة المحب بحبيبه ــ
* حاشـــاك تنــقُص عهـــدي : وعروتــــي فيــــك وثْقتـــــي
* ومــــــــا عهــــدتــــكَ إلاّ : مـن أكـــــرم النــــاّس خُلــقًا
هذا التحاور الحميم ، والحديث المنساب في خطاب الأبيات السالفة بما حملته توحي بأن الخطاب بين طرفين متقاربين ومتباعدين في آن ، يشيء بأن المخاطب أنثى ، إذ لوكان رجلا لكان الخطاب مختلفا ، فيه شيء من الغلظة والمكاشفة مثل قول المتنبي : 
مالي أكتم حبا قد برى جسدي : وتدعي حب سيف الدولة الأمم .
والنابغة في اعتذارياته للنعمان بن المنذر :
فبت كأني ساورتني ضئيلة : من الرقش في أنيابها السم ناقع 
فإنك كالليل الذي هو مدركي : وإن خلت أن المنتأى عنك واسع 1
في هذين البيتين يخضِّبُ حديث العُذال بدم الغيرة وينقل إليك صورة مشرقة بالوفاء ولذلك قال : وما عهدتك إلاّ من أكرم الناس خُلقا ، وهناك تضاد في معنى البيتين الأول قولُه: سمعتُ عنك حديثا ، والثاني قولهُ : وما عهدتك إلا من أكرم الناس خلقا .
ــــــــــــــــــــــــــ

 

1ـ ديوان النابغة ، تحقيق د/ شكري فيصل دار الفكر ص 42، 52 ، د. ت. 
(( إذ أن إثارة صورة مختلفة ، وتقريبها للذهن في وقت معا ، من أسباب خلق حالة نفسية خاصة، تتولد من تراسل المشاعر المختلفة )) في البيتين الأخيرين من القصيدة يوصلك الشاعر إلى خلاصة حبٍ قد برى جسده ووهبَهَ حياته وانسلخ عن كل مايحيطُ به إلاّها أي حبيبته فيقول : 
* لك الحــياةُ فــأنّي : أمـوت لاشك عشقــا 
* لــم يبقَ منّــي إلا : بقــيةٌ لــــيس تــَبْقـــي 
وهذا دليل آخر على أن المخاطب عشيقة .
حين تقف على لغة القصيدة تجد أن الشاعر قد أختار بحر المجتث ووزنها : (مُتَفْعِلُنْ فعلاتن) وهو من البحور القصيرة الخفيفة التي اشتهرت بأوزان الشعر الغنائي ، نلحظ أيضا أن لغة القصيرة لغة هامسة رقيقة ، فقد خلت من الحروف الانفجارية مثل : الطاء ، والظا ، والضاد لا نجد أي حرف من هذه الأحرف دخلت في تراكيب لغتها ، لقد أكثر من استخدام الفعل المضارع ، تعيش ، تبقى ، تلقى ، أشقى ، تنقض ، أموت ، ولم يستخدم الفعل الماضي إلا في موضعين قوله سمعت عنك حديثاً وفي قولة : وما عهدتك ، وهذا يعطينا دلالة على الروح الشفافة والحالة النفسية التي كتب بها القصيدة ، والحياة الناعمة التي يعيشها الشاعر وحبيبته وأكثر أيضاً من الأحرف ذات الجرس الموسيقي مثل العين والقاف وفي ذلك يقول الخليل بن أحمد في مقدمة العين : (ولكن العين والقاف لا تدخلان في بناء إلا حَسَّنتاه لأنهما أطلق الحروف وأضخمها جرساً) إذن كانت اللغة في القصيدة قد جاءت لتخدم الأغراض الشعرية التي رمى إليها الشاعر في مضانه الشعرية ، وبذلك أصاب ريشةً الصواب .

ذمار 12/12/2007م

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً