الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
جيل التسعينيات الشعري في اليمن من استشراف الغد إلى امتلاكه استعراض للوقائع.. ورصد للتجليات(1-4) - علوان الجيلاني
الساعة 12:06 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


عند انتهاء النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين شهدت الساحة الإبداعية في اليمن تبازغ مجموعة من الأصوات الباحثة عن نفسها.. أصوات تراوح بين كتابة الشعر والقصة والمقالة والخاطرة والمحاولات النقدية ربما..
 

يتصدر الموجة زمنياً: علي المقري، فاطمة العشبي، نبيلة الزبير، عبدالرحمن الحجري، محمد القعود، خالد زيد الشامي، علي الشاهري، عبدالوكيل السروري، توفيق القباطي، سلوى الإرياني، عبدالحكيم الفقيه، زيد الفقيه، كمال البطاطي، آمنة يوسف، سلطان عزعزي، محمد سعيد سيف، كريم الحنكي، محمد السقاف.. ويتبعهم مباشرة: هدى أبلان، محمد الشيباني، محيي الدين جرمة، عبد الناصر مجلي، عادل أبو زينة، خالد الأهدل، أحمد شاجع، عادل البروي، محمد المنصور، محمد عبد الوكيل جازم، أحمد الزراعي، محمد عبيد، عبد السلام الكبسي، عبد الكريم الوشلي، صادق الهبوب.
 

كان كل هؤلاء الموهوبين الجدد يبحثون عن أنفسهم، عن تحقيق ذواتهم عبر الكتابة، كما كانوا – باستثناء علي المقري الذي كان قد أصدر مجموعته الشعرية الأولى (نافذة للجسد، في القاهرة 1987.)- يبحثون عن وجود داخل المشهد التسعيني القادم بعد أن تعذر على أكثرهم من أمثال: (نبيلة الزبير، عبدالرحمن الحجري، محمد القعود، خالد زيد الشامي، علي الشاهري، عبدالوكيل السروري، توفيق القباطي، سلوى الارياني، عبدالحكيم الفقيه، زيد الفقيه، كمال البطاطي، آمنة يوسف، سلطان عزعزي، محمد سعيد سيف، محمد عبيد، فؤاد المحنبي) الحضور في المشهد الثمانيني لكونهم كانوا آخر موجاته أو الحلقة الأخيرة فيه، ولكون المشهد الثمانيني نفسه كان فاقداً لصفته بسبب وقوعه تحت هيمنة جيل السبعينيات الضخم.. كانوا من جهة أخرى (خاصة المجموعة التي تمثل بمعنى الكلمة أول التسعينيين وهم: هدى أبلان، محمد الشيباني، عبد الناصر مجلي، محيي الدين جرمة، عادل أبو زينة، خالد الأهدل، أحمد شاجع، عادل البروي، محمد المنصور، محمد عبد الوكيل جازم، أحمد الزراعي، عبد الكريم الوشلي، علي الشاهري، محمد السقاف) إفرازاً لحالة الاستقرار النسبي وانتشار التعليم الذي عرفته اليمن في عقد الثمانينيات.. كما كانوا تعبيراً عن مرحلة جديدة من الآمال والأحلام والتطلعات والطموحات التي تعززت منذ مطلع سنة 1989م بتقارب النظامين في شطري اليمن، والشعور العام بإمكانية تحقيق الوحدة اليمنية.
 

 

أثناء ذلك كان أفراد ذلك الجيل الذين يدأبون على اكتشاف قدراتهم، وأكثرهم لم يحسم بعد اختياره للنوع أو الشكل الذي سيكتب عبره شعراً أو قصة أو نقداً أو مقالة.. إلخ.. يؤرقهم هم التواصل فيما بينهم.. وهموم الوصول إلى منابر النشر المتاحة آنذاك، والتي كانت مقصورة في الغالب على الصفحة الثقافية في صحيفة الثورة عبر التواصل مع اثنين من المبدعين اللذين دأبا على التقاط المواهب الجديدة، وهما محمد جسار، وفؤاد عبد القادر، أو صفحتي المقالح والبردوني في صحيفة 26 سبتمبر..
 

كان النشر في صفحة المقالح لواحد من هؤلاء لا يزال حلماً بعيداً بحكم حداثة تجاربهم.. أما صفحة البردوني فلم يكن هذا من اهتماماتها إلا نادراً.. وفيما كان بعض هؤلاء يحاول النشر في مجلات وصحف لبنان والكويت ومصر والسعودية ولندن، فينجح نادراً ويخفق كثيراً.. ويكون مصير نصه صفحة القراء أحياناً، تمكن الشاعر محمد جسار الذي كان يشرف على الصفحة الثقافية في صحيفة الثورة عند إطلالة التسعينيات من تحويل تلك الصفحة إلى ملحق ثقافي أسبوعي يصدر كل جمعة، وسرعان ما فتح ذلك الملحق صفحاته لتطلعات تلك المواهب الجديدة التي عزز حضورها وانفتاحها على تباشير الجيل الجديد الشاعر محمد القعود الذي تسلم الإشراف على الملحق الثقافي من جسار.
في هذه الأثناء انخرط أفراد هذه المجموعات الشبابية في التعرف على بعضهم في كلية الآداب بجامعة صنعاء، وفي مقايل أفراد منهم، مثل كمال البطاطي ومحمد المنصور( )، وكان تعارفهم مصحوباً بنشاط قرائي واسع، وعرض للنصوص التي يكتبونها فيما بينهم، ثم المحاولات الدائبة لإقامة الفعاليات الثقافية التي تعرض من خلالها إبداعاتهم على المتلقين.. 

 

 

وكان التطلع إلى احتضان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين لأصواتهم أهم ما يرغبون فيه آنذاك.. وحين لم يتحقق هذا بسبب تحجر عقلية القائمين على الاتحاد، وعدم قدرتهم على التقاط تلك التباشير، لجأت تلك الأصوات إلى تشكيل جماعتين أدبيتين كنوع من التحدي لرفض اتحاد الأدباء احتضان أصواتهم ومنحهم عضويته( ). 
 

تشكلت جماعة (الغد) منتصف صيف عام 1989م من أدباء كان خيارهم تأسيس جماعة أدبية مستقلة تشبههم وتنتمي إليهم كما ينتمون إليها.. 
تم التأسيس في بيت الشاعر كمال البطاطي، الذي كان أكثر أفراد البواكير التسعينية آنذاك ممارسة للنقد.. وترأسها عبدالناصر مجلي ومعه سلطان عزعزي، كمال البطاطي، محمد الشيباني أحمد شاجع، هايل الغابري، عبد الوكيل السروري، ومحيي الدين جرمة... وآخرون.
واعتبر أفراد الجماعة إعلان إنشائها إعلاناً عن مؤسسة وحدوية إبداعية للتسعينيين بعيداً عن حسابات الاتحاد الضيقة، بمعنى آخر بعيداً عن مؤسسات السلطة الرسمية في الشطرين السابقين( ).
وما لبثت تباشير التسعينيات أن شهدت مولد جماعة أخرى هي جماعة (سبان) التي تكونت أساساً من الشعراء: عبد الرحمن الحجري، محمد المنصور، خالد زيد الشامي، محيي الدين جرمة، علي الشاهري، عادل أبو زينة، وآخرين معهم.

 

 

وجاء إعلان الوحدة اليمنية يوم 22 مايو 1990م، لتشهد اليمن عقب ذلك مباشرة مناخاً من الحريات السياسية والثقافية والحزبية والاجتماعية، وتعدداً في المنابر الإعلامية والمؤسسات الثقافية، والجمعيات والنقابات والاتحادات لا عهد لها به.. فانخرط المبدعون الشبان في إقامة الفعاليات التي كانت تحتضنها كلية الآداب بجامعة صنعاء والأندية الرياضية، مثل نادي الوحدة والنادي الأهلي، ودشنت منابر ثقافية مثل: صحيفة الثورة وملحقها الثقافي، وصحيفة رأي، وصوت الحقيقة، وصوت العمال، والجمهورية، وصنعاء، وإيثار، والثوري احتفاءً واسعاً بإبداعات تلك الموجة الجديدة.
وانشغل المنضوون في الجماعتين (بالإعلان عن وجود إبداعي في الواقع وتأسيس علاقة معرفية جدلية من خلال القراءات والانفتاح على تجربة إنسانية علاقاتية حميمة لا تتكيء على القرابة الأيديولوجية - بمعناها الضيق - النمطية التي كانت سائدة قبل الوحدة)( ) و(كانت الفعاليات التي تقيمها الجماعتان مشتركة ومتداخلة الأسماء والاتجاهات الإبداعية)( ) وتلك من (مميزات الحركة الأدبية النشطة التي أسس لها جيل التسعينيات)( ) المتبازغ آنذاك و(الذي تنتمي إليه) الجماعتان.
وكان من الملاحظ (أن الجماعتين لم تصدرا بيانات إشهار)( ) و(كان من الملفت أن التداخل بينهما كان يصل حد انمحاء الفواصل)( ).

 

 

وعند نهاية سنة 1991م صدر ديوان (وهج الفجر) بمبادرة شجاعة من الشاعر الصحفي محمد جسار (رئيس الاتحاد العام لطلاب اليمن آنذاك)، محتفياً بنصوص لثلاثة عشر شاعراً وشاعرة هم كما وردت أسماؤهم، وكما رتبت في الإصدار( ): عبد الرحمن الحجري، نبيلة الزبير، عبد الوكيل السروري، خالد زيد الشامي، أحمد شاجع، فاطمة العشبي، آمنة يوسف، محمد يحيى المنصور، عادل البروي، حسين الصوفي، محيي جرمة، محمد السقاف، عبد الكريم محمد الوشلي، علي أحمد الشاهري، محمد عبد الوهاب الشيباني، هايل الغابري.. مصدراً بمقدمة تبشيرية للدكتور عبد العزيز المقالح (عرفت بالعديد من الأسماء التي حققت حضورها في عالم الكتابة)( ).. ولم تكن الأسماء التي ضمها الإصدار هي التي يقتصر عليها التعبير عن الصوت الشعري الشاب آنذاك، فالمقدمة التي كتبها محمد جسار تحت عنوان (إهداء) تعترف بذلك.. فقد جاء فيها: (سنظلم الفجر لو ادعينا أننا قد ألممنا بكل خيوطه.. فما جمعناه من شعراء وقصائد ليس كل ما في الساحة الطلابية، بل ليس أفضلها).. 
مع ذلك فإن إصدار (وهج الفجر) كان أول احتفاء أو اعتراف نقدي يعبر عن حضور الجيل التسعيني بقوة في المشهد الإبداعي اليمني( )..

 

كان الاتحاد العام لطلاب اليمن (جهة الإصدار) يلجأ إلى الشعر هرباً من المشاكل النقابية التي كانت تؤججها اصطفافات حزبية، كما يوضح ذلك الكاتب محمد جسار في مقدمته، التي استهلها بهذا السؤال: (هل من خيار أجمل من الارتماء في أحضان الطهارة والنقاء؟) يضيف جسار (كان هذا السؤال / الجواب هو الحل الأمثل للخروج من عنق الإشكالية النقابية التي واجهتنا -في قيادة الاتحاد العام لطلاب اليمن- حينما حاصرتنا أنتان السياسة بعد أن طوقت الساحة الطلابية في الداخل والخارج، فألقت بقذاها على حواف العيون، واغتصبت فعل العطاء في مركز الدائرة لحركية هذه الشريحة الأهم، فكان اللجوء إلى عبثية البراءة، ونقاء البدايات... إلى الإبداعات الشابة بوعدها الأصدق من غيمة حبلى بالخير والأنقى من قطرة طل على خد وردة ناعسة في أحد الصباحات الربيعية) يضيف جسار أيضاً (طلبنا حق اللجوء إلى الشعر باعتباره واحداً من العطاءات التي تزخر بها الساحة الطلابية، هذه الجنة البرعمية لكل لون إبداعي، والمصدر الثر لكل تجدد وتغير وثورة)..ثم يوضح المنهج الذي اتخذوه (جمعنا نماذج من نتاجات طلبة جامعة صنعاء دون أن نحكم أي معيار نقدي، وتركنا حق اختيار هذا النموذج للشعراء أنفسهم دون تدخل منا، وحين تراءت لنا خيوط الفجر الفضية وهجاً يغمر أرجاء النفوس بوعده ويسهم في تشكيل ملامح اليوم والغد بتميز كينونته عن سواها، وتمايز مفردات هذه الكينونة آثرنا أن نزيل عنها غلالة الاعتياد والمألوف بتقديمها بأسلوب جديد كبادرة أولى في تاريخنا الأدبي)..
 

 

تعترف مقدمة جسار أيضاً أنهم لم يضعوا (معياراً لترتيب القصائد الواردة في الديوان).
تلا ذلك دراسة أنجزها الراحل الدكتور عبد الملك المقرمي سنة 1992م( ).. بعنوان (إشكاليات في سوسيولوجيا الكتابة في الأدب الشعري والقصصي والروائي في اليمن) ونشرت في مجلة الثقافة، العدد الثاني، فبراير 1993م..واحتفت بعدد من الأسماء في المشهد الشعري التسعيني..

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً