الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
من أجل نظرية نقدية عربية - محمد يوب
الساعة 14:07 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

في ضوء الانفجار النقدي الكبير الذي عرفته المناهج النقدية بتنا نسمع كثيرا أن هذه المناهج ملك مشاع بين الجميع؛ كل يساهم بما يملك من آليات وأدوات تشكل النظرية النقدية؛ باعتبارها غير مرتبطة بمكان أو زمان؛ وإنما هي موجودة حيث يوجد الإنسان؛ الذي تتوفر فيه شروط التفكير العقلي الحر.
 

وقبل الخوض في هذا الموضوع نتساءل ما هو المنهج في النقد الأدبي؟
ـ المنهج والمنهاج في «لسان العرب» هو الطريق الواضح؛ وهو الخطة المرسومة حسب «المعجم الوسيط»؛ وقد استخدم في القرآن الكريم بمعنى الطريق المستقيم 
«لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» واستخدم حازم القرطاجني المنهاج بمعنى الباب المنظم في كتابه «منهاج البلغاء وسراج الأدباء» وفي المعاجم الفرنسية نجد لفظة «methode» تقصد “الطريقة المستخدمة لعرض موضوع من المواضيع؛ أو العملية الإجرائية المتبعة للحصول على شيء ما أو موضوع ما”.

 

والمنهج يختلف عن المنهجية وهي الدراسة الاستقرائية التصنيفية المبنية على المقارنة. ويعود البحث في المنهج إلى العصر اليوناني مع سقراط وأفلاطون وأرسطو؛ ويقصدون به «الخطوات المحددة التي يجب أن تتخذ؛ ضمن نسق معين لتحقيق غاية معينة».
 

غير أن الصورة العلمية الدقيقة للمنهج هي التي اشتغل عليها الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت في بحثه المعنون بـ»مقال في المنهج» الذي يهدف من خلاله البحث بشكل علمي دقيق عن منهج شامل يقود العقل إلى الحقيقة في كل الموضوعات؛ ويتصف هذا المنهج بأنه منهج رياضي دقيق؛ يطبق على جميع العلوم «إنني أعني بالمنهج القواعد اليقينية والبسيطة التي تضمن لمن يراعيها بدقة… أن يصل إلى علم صحيح بكل ما يمكن العلم به» ويهدف المنهج إلى «توجيه العقل بالكيفية التي تسمح له بأن يصدر أحكاما صارمة وصادقة على كل الموضوعات التي تمثل له». وقد اتسع مفهوم المنهج ليكتسح ميادين مختلفة منها: الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلم النفس… ما جعل المنهج يقف موقف الحائر بين الصبغة العلمية والطابع الأيديولوجي الذي يلحقه عندما يلج مجالات العلوم الإنسانية.
 

وقد تولدت لدى الكثيرين حساسية عميقة إزاء هذه المناهج، وإزاء هذه التحولات الكبرى على الساحة الفكرية عموما، وفي المقابل ظهرت توجهات كثيرة تدعو إلى نبذ الحساسية التي يحاول البعض إشاعتها إزاء عملية التلقي هذه وفرض نوع من الحصار والعزلة على حياتنا الثقافية.
ولذلك نتساءل؛ هل واقعنا العربي الثقافي المعاصر تتوفر فيه شروط إنتاج نظرية نقدية؟ 
لقد تردد الدارس العربي كثيرا لإيجاد الجواب الصريح والمقنع حول مدى تكيّف الذات العربية الناقدة مع هذه المفاهيم والنظريات والمناهج الوافدة، وهل استطاعت هذه المفاهيم النقدية الجديدة إثبات حضورها وموقعها في تربة غير تربتها؟

 

وقد حاول كثير من النقاد العرب تأسيس نظرية نقدية منهم: عبد العزيز حمودة في «المرايا المقعرة» حيث يقول: «إن التراث كان بالنسبة لكثير من الحداثيين العرب أمراً من شؤون الماضي، بهذا وضعنا تراثنا البلاغي أمام «مرايا مقعرة» صغّرت من حجمه، وقلّلت من شأن إنجازات العقل العربي».
ويرى أن القصور ليس في التراث وإنما هو في النقد العربي الحداثي ولحالة الثقافة الفصامية للمجتمع العربي؛ فتناول نظرة هذا النموذج الحداثي إلى التراث العربي؛ وتصلّب طرائقه المتحيّزة إلى الثقافة الغربية.

 

 

كما تطرق عبد العزيز حمودة إلى الصراع بين «نموذجي» النظرة إلى العالم ـ الحداثي الغربي والتراث العربي ـ ، وتخلّف وعي الحداثيين بأصول النموذج التراثي والتشوهات الفكرية التي تسم العلاقة بين صورته عن ذاته؛ والواقع المعاصر للعالم. 
 

كما تحدث عن آليات الصراع بين العنصرين المكونين للمعرفة النقدية في العالم العربي؛ وأعلن انحيازه إلى موقع الأصالة؛ محللاً موقف بعض المثقفين الآخرين من هذه الأزمة؛ ودورهم في تجاوزها وألوان القصور التي تشوب جهودهم من أجل تحقيق هذا التجاوز؛ والعلاقة بين النزوع الحداثي والصراعات الأيديولوجية التي سادت القرن الماضي بين قوى العالم العظمى.
يسترسل ويقول: «في ظل حصار الأسئلة التي واجهتني في الشهور التالية لصدور المرايا المحدبة؛ بدأت فعلاً في التفكير في البديل الذي طاردني الجميع بالبحث عنه. وكان من الضروري أن يكون البديل عربياً. كانت المقدمات التي اعتمدت عليها في تلك الدراسة تشير جميعاً إلى اتجاه واحد البديل العربي القومي».

 

 

وقد انشغل عبد العزيز حمودة بسؤال البديل فترة عامين ينقب في التراث النقدي العربي؛ يكتشف مبادئه وأسسه التي فاجأته بثرائها وغناها، وفي الوقت ذاته توسع في قراءة كتابات الحداثيين التي هاله فقرها المصطلحي وتشويهها للحقيقة وتهميشها لأصول النقد العربي.
 

وفي الوقت الحاضر هناك ممارسات نقدية كثيرة هنا وهناك؛ لكنها بعيدة عن النقد المنهجي لأنها لا تأخذ صورة واضحة؛ لأن الواقع العربي الراهن على الأقل في ضوء ما عاشه ويعيشه من اضطرابات سوسيوثقافية جعلته بعيدا كل البعد عن الفعل النقدي ومحروما من إنتاج نظرية نقدية؛ وهذا ليس احتقارا لما يكتبه النقاد العرب؛ وإنما مرد ذلك إلى أن المثقف العربي لا يكاد يخرج عن آراء نقدية وليدة ترجمات أوروبية نتج عنها غموض في الرؤية؛ وحنين إلى التراث النقدي الذي استهلك نفسه؛ هذا بالإضافة إلى أن الناقد العربي وضع نفسه في زاوية لا يحسد عليها؛ بسبب رغبته في تبييء النظرية النقدية الغربية.
 

ونشير إلى أن النظرية النقدية الحقيقية تنمو وتنهض في بيئة ثقافية محددة؛ تؤمن بالإئتلاف والاختلاف؛ وتساهم بشكل كبير في تنمية مسارات الحوار؛ مع نكران الذات؛ وبالابتعاد عن الأنانية؛ والقومية والأصل والفصل؛ لأن النظرية النقدية أو الأدبية «لا تنسب إلى هوية سياسية أو قومية دينية؛ إلا إذا فارقت صفتها النوعية من حيث هي صياغة تتسم بالتجريد والعمومية».

 

٭ ناقد مغربي

منقولة من القدس العربي...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً