- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
-
حصاد العام الأول لحكومة بن مبارك13 قراءة
فضلاً عن قلة الممارسات النقدية التطبيقية - مقارنة بحجم النتاج الإبداعي اليمني - فقد تميز حضور الدرس النقدي التطبيقي المعاصر في بلادنا باتجاهه نحو محايثة وقراءة نماذج محدودة من ذلك النتاج ، مكتفياً بتناول أعمال قلة من المبدعين - ممن تصدروا المشهد الإبداعي اليمني - وذلك تحت مبررات عدة أهمها : البحث عن النص المدهش والمكتنز بالجماليات .
قد يكون النص المدهش والمكتنز بالجماليات هو الأكثر استحقاقاً باهتمام المتلقي ، لاسيما في ظل توسع مفهوم التلقي ، واستحالته إلى حالة إبداعية لا تقل شأناً عنها لدى منتج النص ، ذلك أنه - أي النص المدهش والمكتنز بالجماليات – سيمنح المتلقي سانحة بناء عالمه المتخيل ، الذي قد يقترب أو يبتعد عن عالم النص ، بيد أن هذا لا يسوّغ الإعراض عن التجارب الإبداعية الشابة ، لاسيما من اكتملت لهم عناصر التجربة الفنية ، ذلك أن النقد في جانب منه هو عملية استقرائية تقييمية يتطلبها العمل الإبداعي في كافة مراحل تشكله ، وبما يساهم في الكشف عن ملامح الجودة والضعف ، ويدفع بالطاقات الإبداعية إلى آفاق إبداعية أكثر إدهاشاً ونضجاً ، ومن هنا ولما كان النقد ينهض – في حيز منه – بمهمة التعريف بالطاقات الإبداعية الواعدة ، وإيصال صوتها للمتلقي ، فإنه يتحتم عليه توفير جزء من وقته وجهده لقراءة مثل تلك التجارب في محاولة منه ليس للتعريف بتلك الطاقات الإبداعية ومنحها فرصتها في الظهور فحسب ، بل و للمساهمة في رصد المشهد الإبداعي الشبابي ، وتوجيهه نحو المزيد من الإبداع والنضج ، وهو ما تطمح السطور اللاحقة للنهوض به من خلال قراءتها لتجربة القاصة ( نبات السماوي ) الحائزة على جائزة رئيس الجمهورية على مستوى محافظة ذمار للعام 2009م ، مناصفة مع القاصة (عفاف صلاح ) .
كما هو شأن الكثير من الأصوات الإبداعية التي برزت من خلال النشاط الثقافي الذي بدأت ملامحه في التشكل مع بداية العام 2005م طالعتنا ( نبات السماوي ) بتجربة قصصية يشوبها الكثير من الهنات ، وكما هو شأن ( القلة ) ممن أثبتوا حقيقة امتلاكهم الموهبة ، والقدرة على الظفر بكتابة النص الأدبي ( شعراً أو قصة ) فقد تمكنت (نبات ) من تجاوز تلك الهنات ، وبحيث أصبحت قادرة على امتلاك زمام النص القصصي ، وبما ينبي عن موهبة قصصية تبشر بميلاد قاص متميز ، ويتجلى ذلك من وجوه عدة لاحت لنا على النحو التالي :
أولاً : الجانب الموضوعي :
بالنظر إلى مجمل نصوص المجموعة(*) يتضح أن القاصة تتوخى معالجة الواقع الذي يحيط بها ، وقد شكل الواقع نبعاً تستقي منه مضامينها القصصية ، وإزاء ذلك يلاحظ انفتاح مضامين المجموعة على آفاق من الواقع متعددة ، وبحيث لا نكاد نعثر على الموضوع الواحد في أكثر من نص ، وهو ما ينبي عن سعة أفق القاصة ويقظتها ، فضلاً عن ذلك فقد تميزت المضامين القصصية بالتركيز على قضايا جوهرية تستحضر المهمش والمهمل ، والكشف عن متناقضات الواقع .
ففي نص ( الشيخ ) تدأب القاصة على معالجة ظاهرة التطرف الديني ، والكشف عن العناصر الأساس المساهمة في التأصيل لهذه الظاهرة ، ومنحها القدرة على الانتشار والسيطرة ، وقد تجلت البطالة وضيق النظر ، فضلا ً عن الفراغ المعرفي كعناصر مساهمة في ذلك .
وتحيلنا القاصة في نص ( لص ) إلى إحدى مفارقات الواقع ، إذ يتم معاقبة الشخصية (المهملة / البطلة ) بالسجن لأنها سرقت لتطعم إخوانها اليتامى ، فيما يتم غض الطرف عن شخصيات أخرى تمارس نفس الجريمة وبكميات كبيرة ، كناية عن الكيل بمكيالين ، ويعرض النص في الآن نفسه مآساة الشخصية في علاقتها بالمجتمع المحيط بها ، وقد ظهر المجتمع متخلٍ عن مسؤوليته تجاه تلك المأساة .
وفي نص ( مكلف ) تلجأ القاصة إلى تعرية الفكر ( الذكوري ) إزاء نظرته للمرأة ، وقد ظهر – رغم ما طرأ على الحياة من تغيير وتطور – في صورة متخلفة ، ومتناقضة مع قيم العصر وما ينبغي أن يكون عليه ذلك الفكر ، إذ أن نظرة الفكر (الذكوري ) للمرأة ما زالت تنحصر في النظر إليها بكونها جسد يثير غرائزه ، وكائن أدنى مرتبة من الرجل .
وتعرض القاصة من خلال نص ( كابوس ) معاناة الزوج في ظل وطأة جشع الزوجة ، وبحيث غدت الزوجة كائناً يقض مضجع الزوج ، وعلى نقيض ما ينبغي أن تكون عليه ، باعتبارها مصدرً للاستقرار والسكون والطمائنية ، وقد أثبتت القاصة في هذا النص قدرتها على تجاوز ذاتها كأنثى ، وتمثلها الدقيق والمؤثر لمعاناة ( الآخر/ الرجل ) ، وبالصورة التي يعيشها ، وهو ما نجده – ولكن وفق مضمون وشخصية مغايرة – في نص (مجنون ) ، حيث تذهب إلى تلمس هموم ومعاناة الإنسان المجنون (فاقد العقل ) ، فتعمد إلى تقمص الشخصية ، وتلبسها ، وبما يكشف عن تلك المعاناة والهموم والتطلعات .
وفي نص ( صراخ ) الذي لا يتجاوز السطرين تتجه القاصة للكشف عن الاختلالات الأسرية الناتجة عن حدوث فجوة بين كثير من أفراد الأسرة الواحدة ، بحكم الاختلاف في طبيعة التفكير والأهواء والأمزجة وما إلى ذلك ، ويأتي نص ( حلم ) القصير جداً لإضاءة الواقع السلبي الذي يسيطر على حياة كثير من شبابنا ، فتبدوا الشخصية (البطلة ) الرامزة لشريحة الشباب بصورة تنم عن ضيق أفقها وقصور نظرتها للواقع والحياة ، وذلك من خلال أسلوب تهكمي ساخر ، وقد انحسرت تطلعاتها في الظفر بارتداء بنطال ضيق .
ثانياً : الجانب الفني :
- الشخصيات : تبدو القاصة في تعاملها مع شخصيات نصوصها على يقظة تامة ، ووعي عميق بطبيعة ودور الشخصية في العمل القصصي , ويتجلى ذلك من خلال اختيارها للشخصيات المهمشة من جهة ، والتي تشكل حضوراً فاعلاً في حاضر ومستقبل الواقع المحيط بها من جهة ثانية ، وقد احتشدت النصوص بنماذج إنسانية عدة ، فضلاً عن ذلك فإن تعاملها مع شخصياتها قد اتسم بالحيادية والوقوف منها موقف المشاهد ، تاركة للأحداث والحوارات مهمة الكشف عن ملامح وطبائع الشخصيات ، كما أنها لا تدعى المعرفة الكاملة بدواخل شخصياتها ، ولكنها تعمد إلى خلق تصرفات وأفعال تدل على ذلك , فشعور الشخصية - على سبيل المثال بالبرد أو بالغضب يطالعنا من خلال
الوصف ( تحتض ذراعيها وكفيها ) و ( يزم شفتيه ) ، وغير ذلك مما يكشف عن داخل الشخصيات .
- الزمكان : كما هو شأن الشخصيات فقد تعددت الأماكن ، وقد تمكنت القاصة من اختيار الأماكن المناسبة والرامزة في الآن نفسه ، ففي نص ( لص ) - على سبيل المثال – يطالعنا المكان من خلال ( الصخرة السوداء ، زاوية في أحد أركان البيت ، زاوية أخرى , البيت ، السجن ) ، وهي أماكن تتماهى مع إحساس الشخصية بالضياع والوحشة والوحدة ، وتتلائم وطبيعة الحدث المسيطر على النص ، ولأن البيت يرمز في مدلوله المألوف إلى الدفء والاستقرار والسكن الأمر الذي يتناقض وشعور الشخصية ، فقد لجأت القاصة إلى تغييبه ، وذلك من خلال عدم السماح للشخصية بدخوله ، وإبقائها طوال الأحداث خارج البيت , ويصدق هذا الفعل الفني الواعي على معظم النصوص ، كما أنه يصدق على تعاملها مع عنصر الزمان ، إذ تنتقي القاصة الزمان المناسب للشخصية والحدث ، لاحظ على سبيل المثال الزمان في النص ذاته ( لص ) ، يستهل النص أحداثه وقت الغروب ، وقد استحال هذا الوقت من رمز يشع بالجمال إلى عنصر يوحي بالحزن والوحشة ( يستقبل بشغف أشعة الشمس المتأهبة للرحيل ، شعور بالحزن يتسرب إلى أعماقه .. يتمنى أن لا تغادر الشمس مكانها..) ، ويبدو الزمن أكثر التصاقاً بالشخصية ومعاناتها ، من خلال اختيار القاصة ( لليل ) والظلام ليكون مسرحاً للأحداث .
وفي تعاملها مع زمن السرد نجد أن القاصة تعتمد في جل نصوصها على السرد عبر خط مستقيم ، رغبة منها في الإمساك بزمام انتباه المتلقي ، فتتوالى الأحداث بصورة متتابعة ، بيد أنها قد تنحرف عن هذا المسار محاولة كسر رتابة التتابع الحدثي (الزمني ) ، فتلجأ إلى السرد عبر تقنية ( الارتجاع الفني )،كما هو في نص (الشيخ ) ، حيث يتذكر (البطل) إحدى مشاهد يوم تخرجه من الجامعة ، وقد تعمد إلى كسر رتابة التتابع الحدثي ، وإيقاف عجلة الزمن السردي من خلال الوصف كما هو في النص ذاته .
- الحبكة : بالنظر إلى مجمل نصوص المجموعة يظهر أن القاصة تجيد صنع حبكات نصوصها ، وإدارة عناصر السرد ، فتبدو أجزاء النص وعناصره مشدودة ومترابطة ، لا يعتريها تفكك ، ولكنها قادرة على شد المتلقي إلى النص منذ الاستهلالة وحتى الخاتمة ، ذلك أن القاصة قد تخلصت تماماً مما لا يخدم النص ويشغل المتلقي عن متابعة سير الأحداث .
- الخاتمة : تراوح القاصة في اختتام نصوصها بين طرق متنوعة ، بيد أنها في الغالب قد لجأت إلى الاختتام بخواتم مفتوحة تتكئ في جلها على عنصر المفارقة ، وبما ينير فضاء النص ، ويدفع بالمتلقي إلى إعادة قراءته ، ومن ثم فهمه بصوره أخرى لم تكن في متناوله قبيل الوصول إلى الخاتمة ، زد على ذلك أنها – أي الخاتمة – قد ساهمت إلى حد كبير في فتح أفق التلقي ، وبحيث تمنح المتلقي سانحة بناء عالمه المتخيل ، لاحظ على سبيل المثال نص (إنتظار) ، إذ إنه ومنذ الاستهلاله قد أثار لدى المتلقي العديد من الأسئله إزاء السبب الذي يدفع بالشخصية ( الفتاة ) إلى الصعود إلى سطح المنزل ، والانخراط في عملية الانتظار والترقب ، وبرغم أن الخاتمة قد جاءت للكشف عن سر هذا الفعل مشيرة إلى أن الشخصية ( الفتاة ) تترقب وصول أحد ما ، إلا إنها – أي الخاتمة – لم تفسد علينا لذة الإثارة التي صاحبتنا منذ الاستهلالة ، وقد أبقتها مشتعلة في أذهاننا ، ذلك أن المتلقي سيظل يتساءل عن هوية (الغائب / المنتظر ) الذي قد يكون حبيبها أو والدها ، وربما ينأى عن ذلك ليستحيل إلى حلم تترقب الشخصية الظفر به ، وهو ما ينسحب على نص (ابحار ) و ( كابوس ) و ( نظرات ) وغيرها من النصوص .
- اللغة : يتسم أسلوب القاصة في تعاملها مع لغة السرد بلجوئها إلى استخدام الألفاظ السلسلة المتسمة بالبساطة والعمق ، والقريبة من متناول المتلقي والعصر ، وذلك وفق أسلوب تركيبي يمنحها القدرة على التعبير الدقيق عن المعنى المراد ، فضلاً عن ذلك فإنها قد تعمد إلى توظيف اللغة الشعرية ، والإفادة من الصورة الفنية بمستوياتها المتنوعة ، وبما يمنحها القدرة على النفاذ إلى أعماق المتلقي ، والتأثير عليه ، لاحظ على سبيل المثال نص (إنتظار ) :-
(يلقي الليل بحمله على قريتها المستلقية في أحضان الوادي ، تمسح الأفق المترامي أمامها ، القرية تغرق في نومها ، الأشجار العارية ، الليل يجمع حاجياته ، يستعد للرحيل ... إلخ ) .
وقد تلجأ القاصة إلى الإيغال في توظيف الصورة الفنية ، وبحيث يستحيل النص إلى لوحة شعرية تنبض بالحياة ، وبما يقترب من جنس القصيدة الومضة ، ولكن دون أن يتخلى النص عن هويته السردية ، كما هو في نص (طموح ) و ( ابحار).
ونخلص إلى القول بأن تجربة ( نبات السماوي ) القصصية قد بدت من خلال مجموعتها الموسومة (بابحار ) متسمة بالنضج ، وبما يبشر بميلاد قاصة تعي طبيعة العمل القصصي وعناصره الفنية
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
حصاد العام الأول لحكومة بن مبارك13 قراءة