الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
(( زليخات يوسف )) نصوص في درجة عالية التوتر ؟ - جاسم عاصي
الساعة 15:30 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

مشروع القاص العراقي ( علي السباعي ) يعتمد على منهج فضح الظواهر السلبية ، ذلك بالإعلان عنها وكشفها ، وفضح خصائصها على لائحة النص ، محاولاً في سياق نصه أن يكسر مثل هذا النمط من الكشف عن طريق تقشير الظاهرة ، وعكسها بفعل استخدام الموروث الشعبي والتاريخي والمثيولوجي باقتدار واشارية ذكية ، وإدارة ماهرة . سواء كان في المعالجة أو اختيار الموضع داخل النص القصصي بحيث يتواءم مع الخط العام للحدث في استنهاض المعنى . أي يمنحنا قدرة المقابلة أو التمرئي بين ما هو واقعي وبين ما هو موروث .
وتكاد تكون موضوعاته متشظية من موضوعتين رئيسيتين وهما الحرب والحصار ، لكنه لا يأخذهما بمعناهما الاقتصادي والسياسي بل يمنح الجوال القصصي حرية الدخول إلى المدلولات الأخرى ، لذا فهما قناع ، وتعامله مع مفردة الواقع على درجة عالية من الحساسية والإثارة لدرجة طغت على القصص حالة التوتر والحدة . وقد وظفت الأجناس الأدبية والجمالية عامة داخل النص عنده ، كالسيناريو السينمائي والموسيقى الصورية والشعر والأداء المسرحي والتصوير الفوتوغرافي والتشكيل عن طريق الظل والضوء ومكونات الطبيعة .
كل هذه الأجناس اجتمعت في قصص (( زليخات يوسف )) لكي تمنحنا نصاً قصصياً مقتدراً بذاته . لكنه يبقى عارضاً لا محللاً  ، ومرشحاً المعنى الجديد . يصوغ الظاهرة بروح منسجمة فنياً ، وهي خصيصة القص عند القاص علي السباعي . غير أن ما يعاب على هذه الطريقة في الكتابة هو شدة اقتراب النظرة من الظاهر وقلة تبدلها واتساعها وشموليتها .
أعتقد أن القاص ( علي السباعي ) يمتلك إمكانية كبيرة لصياغة نص جديد يمنح الصراع أو الدراما القصصية - أن جاز التعبير – هدوءاً وتأملاً وتحليلاً أكثر للبحث عن قضايا الظاهرة خارج حدود المرئي ، بحيث يضيف قدرة أخرى إلى جمالية هذه الموهبة في صياغة نص قصصي يمتلك قدرة شعرية . أن لغة القص عند علي السباعي في قصص (( زليخات يوسف )) ذات جمل قصيرة شعرية معبأة ، حادة ، لماحة ، وأحياناً وحشية ، تجسد القاسي من الظاهرة أو الموقف .
إن تجميع ثيمات الموروث ، سواء كان التاريخي أو الشعبي داخل بوتقة القصة ، لم تكن كورود خواطر بقدر ما هي تتماسك مع بعضها ، وموظفة توظيفاً هادفاً داخل النص القصصي ، لتحيلنا إلى سعة رؤيا لما هو مبعثر في الواقع . لذا فالقصة عند القاص علي السباعي نقد جريء تمسك برأس الخيط من أجل الوصول إلى هذا الهدف ، ويعتبر التوظيف هنا على الرغم من اعتماده على الإشارة والبرقية إلا أنه دال وجامع .
إن الرحلة مع قصص علي السباعي هي رحلة واسعة في غور النفس الإنسانية الشابة المعذبة التي تنعكس مفردات الواقع على صفحة إحساسها بدقة وحساسية مرهفة ، حيث تجيء العبارة والصياغة معبرة عن ذات النفس المتوتر الصادق ، وهي رؤيا معرفية صادمة لما هو خطأ من مشاهد الحياة .
في قصص السباعي علي يكون واضحاً منطق المقاربة بين النصوص والسيناريو من جانب ، والنص القصصي واللقطة السينمائية من جانب آخر ، فالقاص العراقي علي السباعي يجمع أجزاء نصه عبر مرتكزات ومشاهد ، تحكمها قدرة قصصية متميزة ، وذهن جامع ، بمعنى أن الصورة التي تبدو عليها ثيمة النص القصصي ، تكون قد مرت بمختبر ذهني ، والتقطت عبر عدسة سينمائية حساسة ، يرفد ذلك لغته الشعرية التي تصعد من المشهد القصصي ، وذلك بإيجاد علائق منطقية بين لغة السرد والوصف ، وطبيعة المسرورد عنه ، وقلما نجد عند القاص علي السباعي نصاً قصصياً يسير نسقه وبناؤه على موقف ومعالجة تراتبية أو هرمية ، بل يحكمها ذهن يبدو موزعاً . لكنه في الحصيلة النهائية ملموماً بقياس المتحقق في نهاية كل قصة من قصص (( زليخات يوسف )) العشر . 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً