الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
قصص (( إيقاعات الزمن الراقص )) خطوات واثقة في التجريب - جاسم عاصي
الساعة 13:14 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

القاص العراقي ( علي السباعي ) ضمن جيل الشبان إنتاجاً وانتماءً في الأدب العراقي ، جيل التسعينيات ، وهو بذلك جزء من جيل حاصرته الحرب على مدى سنين تجاوزت العشرين ، فمن حرب دامت ثمان سنوات إلى حرب خاطفة مدمرة تركت آثارها على حياة العراقيين حتى صارت تتواصل مع حصار ليس في ما هو اقتصادي فحسب بل بما هو مغيب للذات والهوية بقصد الأمحاء . فهذا الجيل الذي ينتمي إليه القاص المبدع ( علي السباعي ) قد تعرض إلى منحيين من الاستهداف . 
الأول :- يتركز في حرف انشغالاته بزرع حالة اليأس من المستقبل والثقة بالنفس وذلك بفعل قسوة الحرب ووجهها الكالح .

 

الثاني :- تبويب الذاكرة واختصار مسافاتها المعرفية أي تعرضها إلى الأمحاء المتعمد والتشويه لبنيتها من خلال تزوير التاريخ الوطني وتغييب الحركات المؤثرة .
في هذا نرى أن هذا الجيل ، جيل التسعينيات ، سواء كان على مستوى الفاعلية الاجتماعية أو الإنسانية أو مستوى الإنتاج الأدبي والوظيفي قد تفاوتت عنده ردة الفعل لأسباب موضوعية ، والذي يهمنا هنا ردة الفعل الإيجابية التي لم تخضع لفعل الانحراف بل تسلحت ببنية غير مقصية معرفياً وقدرة غير – مخصيه – أيضاً ، استطاعت أن تتصدى بفعلها السياسي والثقافي ، لفعل الإقصاء والتدمير والانمحاء حيث شكلت ذاكرتها ، وهنا نرى القاص ( علي السباعي ) عبر قصصه التي ضمتها بين دفتيها مجموعته البكر :- (( إيقاعات الزمن الراقص )) فاتحة دخوله إلى معترك الإنتاج السردي – مطبوعاً – فقد وقف بمبدئية واضحة ترشحها نصوصه القصصية للتدليل على الموقف من كل قسوة الدمار الثقافي ، فهو قد اثبت ذلك بتعلقه بالسرد القصصي خلاصاً وملاذاً يحقق عبره ذاته المعرفية والمعبرة ثم محاولاته الجادة في دخول منحى التجريب في الكتابة القصصية باقتدار ، مستفيداً من تجريب قصاصي الستينيات من القرن الماضي في العراق تحديداً ، ومن قصاصي العرب عموماً ، في البحث عما يناسب طاقته ومعرفته لفنه القصصي الذي يكتب فيه ، وخزينه العرفي الذي من شأنه الارتقاء بنصه سواء كان من خلال تخصيبه بالمعارف المتاحة أو بما يقدمه الموروث عبر المدونة أو الشفاهية بواسطة الفعل الجمعي . لذا أمتلك علي السباعي نصه القصصي خصائص هي ليست ذاتية بحتة بل نمت عن جهد ذاتي في ما تمثله الآخرون ولكن بشكل وأسلوب يناسبه ويناسب إمكانياته .

 

 

إذ إننا لا نجد ما هو يقسر النص القصصي لديه أو يربكه ، بل تراه حريصاً على اختيار وتمثيل ما هو متواصل مع وعيه وحاجته وما هو خاضع للضرورة والحتمية وليس تماشياً مع التقليعة أو اقتفاء الخطى وهذه الخصائص تتمثل فيما يأتي :-
 

أولاً . اللغة القصصية :-
 

       أن قصص (( إيقاعات الزمن الراقص )) في هذا الضرب المهم كان القاص علي السباعي حريصاً على إتباع جملة قصيرة تعتمد القطع ، والتحويل والاجتزاء والانتقال من مشهد وصفي إلى آخر ، ومن سرد لفعل إلى ما يليه فهو على الرغم من بعض الارتباكات أستطاع أن يضفي على تشكله اللغوي خاصية شعرية . لكن . جملته شكلت في هذا علامة لغوية تتابع التحول النفسي والسلوكي في تنامي الحدث أي تناسب من حركة الحدث الطردية بطرحه بخط لغوي مناسب دون اللجوء إلى التهويل والتضخيم والمبالغة .
 

ثانياً . السرد والوصف :-
 

       حاول أن يحدث في أفعاله السردية تحولاً سواء كان ذلك بإيراد ما يوازيه من أسلوب ألحكي أو حكاية يستلها من الموروث الشعبي خاصة باستخدام الأمثال أو القص الشعبي بموجز اختزنته الذاكرة الجمعية والمترشح عن حكاية ما ذات دلالة اجتماعية .
 

ثالثاً . معالجة المتناقضات والمفارقات التي ولدتها التركيبة النفسية – الاجتماعية من إفرازات الحرب وهي في مجملها مفارقات تعتمد الفانتازيا والغرائبية وأحياناً الكوميديا السوداء مستفيداً بذلك من التاريخ والموروث الأسطوري والشعبي أيضاً.
 

 

رابعاً . استخدام جيد للمخيال السردي :-
        وذلك عبر مخيلة خصبة مخصبة بالموروث والإرث التاريخي والأسطوري والديني وهذا المسار ساهم لدى القاص العراقي المبدع علي السباعي في توسيع دائرة النص القصصي وتخصيب معانيه بالموروثات الشعبية والأسطورية التي ترسخت في الذاكرة – ذاكرته – عبر المثل أو الأهزوجة . 
 

 

خامساً . الاستجابة المتزنة للاوعي الذي يمتلكه السارد علي السباعي :-
           والمتجمعة محتوياته نتيجة فعلي الحرب والحصار ، وما لحقهما من دمار وتخريب للبنية الإنسانية ، والتخريب المادي للحياة العراقية . إذ من الملاحظ أن السارد في هذا قد ظهر على بنية واعية مما يجري حوله . لذا فأمر التعبير عنه يرتكز إلى المبدأ سواء الفكري الخالص أو الجمالي ، وذلك بالالتزام بشروط كتابة النص السردي خاصته . 
 

 

سادساً . بدا لدى القاص علي السباعي النص في خطواته يسير على اشتراطات يلزمها المعنى ،

وذلك بإطلاق الطاقة الذاتية لتوظيف ما تقدم من أسس بحيث بدت نصوصه على استقلالية تقترب من الخاصية الذاتية في الكتابة القصصية ، فالقاص علي السباعي في هذا المفصل الهام والحيوي يمتلك منهجاً واضحاً خص به نصه القصصي ، فنصوصه لا تغير الخط البياني في مسيرتها بما ينم عن خرق للمسار بل حافظ على توازن وتوازي سيرها ضمن مضمار القصة الحديثة التي يكتبها . 
أن القاص المبدع ( علي السباعي ) كان أميناً في قصصه للجيل الذي انتمى إليه معبراً بصدقه عن واقع موضوعي قلق حفل بالمتغيرات والاختراقات المهددة لوجود الإنسان والمصادرة لحريته ومعارفه ونظرته للواقع حد الإقصاء . 

جاسم عاصي آب 2003 م

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً