الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
«آخر أسرار الهيكل»… الرواية «الممنوعة» في إسرائيل!- فراس حج محمد
الساعة 14:18 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 

 

ماذا يعني أن تُمنع رواية في «إسرائيل»؟ هل لأنها رواية «تعادي السامية» على نحو مطلق؟ أم لأنها تمسّ العقيدة اليهودية على نحو أكثر حساسية؟ أم لأن فيها قدرا من التزوير لتبدو رواية «خيالية» على نحو مثير للقراءة؟ أتذكر الآن سياسة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته القمعية، فقد كان ضابط التربية والتعليم، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي يشرف على المدارس ويشكل السلطة الأعلى عليها قبل اتفاقية أوسلو، يبعث في بداية كل عام دراسي قائمة بالكتب المحظوروجودها في مكتبات المدارس الفلسطينية، كتب شعر وفكر وسياسة وفلسفة، ومنها بالطبع روايات لها طابع سياسي. قد يبدو هذا مبررا أن يُمنع شعب رازح تحت الاحتلال أن يقرأ شيئا يؤثر على وجود المحتل وكيانه، أما أن تُمنع رواية من أن تدخل «إسرائيل» فهذا أمر مستهجن، لاسيما أن التطور التكنولوجي وتوفر النسخ الإلكترونية لهذه الرواية يجعلان المنع ضربا من العبث.
 

عن أيّ رواية أتحدث؟ إنها رواية «آخر أسرار الهيكل» أو «السر الأخير للمعبد» للكاتب الإنكليزي بول سوسمان، رواية مكتوبة باللغة الإنكليزية، وترجمت إلى عدة لغات، وربما ترجمت إلى العبرية كذلك، وُصفت الرواية بأنها رواية «خيالية». رواية طويلة، اقتربت من (400) صفحة، وأضاف الكاتب في نهايتها مسردا من (13) صفحة يوضح فيه المصطلحات والأشخاص والأماكن الوارد ذكرها في الرواية أو تتحدث عنها الرواية، مصطلحات من الفكر الديني اليهودي وشخصيات وأماكن عربية وفلسطينية وإسرائيلية ودولية. هل ابتعدت هذه الرواية عن «الخيالية» بهذا المسرد لتكون رواية تستحق المنع من دخول دولة ديمقراطية تسبح في محيط ديكتاتوري عربي!؟
 

ربما كانت تلك العبارة المثبتة على الغلاف الخارجي للرواية «الكتاب الذي منع في إسرائيل»، حافزا إيهاميا للإقبال على قراءة الرواية، ولم يَعْدُ الأمر سوى أن يكون طريقة ترويج غير مستساغة من الناشر، وكأن كل رواية مُنعت في دولة، وخاصة في «إسرائيل» هي رواية عجيبة تستحق القراءة، ربما الأمر أكثر سذاجة مما نظنّ. لا أستطيع تجاوز هذه الملاحظة عند الحديث عن هذه الرواية، وربط ما جاء فيها مع منطقية الملاحظة وربما عدم منطقيّتها كذلك، وليس هذا وحسب، بل لا بد من التنقيب عن الكاتب، فهل كان مثلا بول سوسمان معاديا للسامية حتى تمنع روايته من أن يتمتع بها الجمهور الإسرائيلي المتنوع في قوميته وأفكاره وتطرفه واعتداله؟ لا شيء من ذلك أيضا، حتى بدا لي أن الكاتب المتوفى عام 2012 كاتبا ليس مشهورا شهرة كبيرة، ولم يرد حوله كثير من المعلومات في موقع الموسوعة الحرة الإلكترونية (الويكيبيديا)، أسطر قليلة لم تكشف عن تفاصيل حياته التي بدت مستقرة وطبيعية. ويحترس الموقع فيما يقدمه من معلومات حول الكاتب بهذه العبارة: «المحتوى هنا ينقصه الاستشهاد بمصادر. يرجى إيراد مصادر موثوق بها. أي معلومات غير موثقة يمكن التشكيك فيها وإزالتها.»، ويؤرخ للمحتوى بهذا التاريخ: (فبراير/شباط 2016).
 

 

هنا يمكن للدارس أن يشكك فيما هو موثق حول الكاتب هنا، في هذا الموقع، ولكن، يكشف الكاتب نفسه عن موقفه تجاه إسرائيل في ذلك الحوار الصحافي المنشور في جريدة «المصري اليوم» بتاريخ: 5-6-2011، فيشارك بطل روايته «السر الأخير للمعبد» يوسف خليفة مشاعره تجاه إسرائيل، يقول سوسمان: «وأحب أن أوضح أن خليفة يحمل – مثلي- مشاعر قوية نحو إسرائيل وتجاه السياسات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين»، والكاتب لم يكن الوحيد الذي اتخذ هذا الموقف تجاه السياسة الإسرائيلية، بل إن هناك إسرائيليين يشاركون المؤلف والبطل الروائيّ الفكرة نفسها والمشاعر ذاتها. إذن لا تبدو المسألة ذات بعد حقيقي في منع هذه الرواية، ولكن، ماذا قالت الرواية لتمنع في إسرائيل؟ ربما قالت شيئا خطيرا.
 

 

تدور أحداث الرواية عبر سرد تفصيلي ممتع في أماكن محددة (بريطانيا، فلسطين/ إسرائيل، مصر، ألمانيا). وكانت هذه الأماكن مسرحا روائيا تاريخيا وسياسيا دينيا للكشف عن سر أسرار هيكل سليمان، وهو «المينورا» أو الشمعدان اليهودي الذي كان يضيء أورشليم، والذي اختفى بعد دمار الهيكل عام 70 ميلادي، وبقي اليهود يبحثون عنه حتى الآن، ليعيدوا إقامة الهيكل من جديد في موقعه القديم كما يعتقدون، لتعود المينورا تضيء أورشليم، ويحتفل اليهود بالنصر العظيم، وهذا الرمز اليهودي المهم للشعب اليهودي يوازي في أهميته ودلالته الدينية والعقائدية الكعبة لدى المسلمين والصليب لدى المسيحيين، كما جاء ذلك في متن الرواية. ولندرك أكثر أهمية الموضوع، فقط علينا أن ندرك أولا أن الشمعدان التوراتي الديني لم يعد موجودا، فقد دمر مع دمار الهيكل بشكل كامل، وما تكشف عنه الرواية بلعبتها الخيالية الروائية أن هذا الشمعدان المصنوع من الذهب الخالص موجود في مصر في كنيس في القاهرة، يحرسه رجل يطلق عليه «حارس النور»، موكل بذلك عبر الوصية التاريخية منذ سنة (70) ميلادية. 
 

هل هذه الفكرة فكرة خطيرة؟ لقد دمر الهيكل بالكامل، ولم يتبق منه غير موقعه، كما يزعم اليهود، وما فكرة إعادة بناء الهيكل إلا كذبة كبرى، فاليهود ينتظرون «المينورا» والمينورا ليست موجودة، إنهم إذن ينتظرون تحقق الخيال والوهم. ولكن، هل باستطاعة هزيمة اليهود فكريا بدمار المينورا والمعبد بكامله، فالدولة العبرية المسماة «إسرائيل» دولة قامت بقرار سياسي دولي تحت مزاعم توراتية، لن يؤثر في وجودها خراب الهيكل أو إعادة بنائه، ولذلك فما أهمية البحث عن «المينورا» إنها لعبة المتطرفين اليهود الذين لا يريدون تحقيق السلام والتصالح مع العرب ومع الآخرين، لمجرد أنهم «عويم» أغيار يستحقون القتل أو الاستعباد، وهذه الفكرة هي ما تحاول نقضه الرواية، لتشيع أجواء من التفاهم والتصالح بين الشعبين المتنحارين منذ قرن من الزمن. هذه هي مقولة الرواية أو مقولة (بول سوسمان). فهل تستحق روايته المنع من أن تدخل إلى واحة الديمقراطية الغربية؟ أشكّ في ذلك كلّ الشك.

منقول من القدس العربي ...

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً