الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
أهمية السرد في قصة علي السباعي "الفرح ِ بثياب ُفـرائس" - رائد محمد الحواري
الساعة 12:15 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

أولاً النص:


.... ما كنتُ يوماً قاطعَ طريق ِ لكثرة تعثري بظلـي ،
فتمنيتُ لـو كُنت طارقَ بَــن زياد لأحرَقتُ نفسي بدل 
إحـراق ِ سفنـي لأننــي لــم أكــن صانعَ هـــذا العالـم 
وما كنتُ كاسراً للصمتِ الدولي لأنني أنفقتُ عمري 
كلـه أعيشُ مثـل أبـي الهول ، وكــم تمنيتُ أن أكـونَ 
ساعــاتَ ضعفي مثلَ اوغستو بينوشيت حتـى اقتصَ 
من كلّ الصبيةِ الذين ضربوني في المدرسةِ ، عزَفتُ 
عــن كوني بينوشيت لأن العالمَ أصـبحَ صغيراً علـى 
الطغاةِ ، حسِبتُ نفسيّ فـي سنيّ مراهقتي اكبر عاشق 
فـي الناصريّةِ فأطلتُ لحيتــي وشاربي علـــى طريقةِ 
بيكاسـي * .. لـو لا تنغيصـــاتُ حبيبتي التـــي كلمـا 
ضجـرتْ منّــي عيرتني برســول الحـبِ ** .. ويدي 
فــي يدِها تمنيتُ لــو كنتُ أنا مَــــنْ ضـربَ أنظمـــةِ 
الكمبيوتــرِ بفيروس الحـــبِ بعبــــارةِ : ( أحُبـــــك ) 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بيكاسي : رحالة هندي يسير على قدميه يجوب العالم منذ عام 1987، 
وحتى الآن يبلغ رسالة السلام . 
** رسول الحب : لقب أطلقه موزعو أغاني كاظم الساهر عليه . 

كرهتُ أنْ أكـــونَ قرصـــانَ انترنيت وأبقيتُ لحيـــة َ وشاربَ بيـكاســـي ، وعندما أشرعْ بممارسةِ مواهبي فــي التخاطرِ عــن بعـدٍ كانتْ أمي تصـــرخُ بحرقةٍ : 
(( إلـى متى تبقى الصخرة جاثمة عليكَ ؟ )) . رغبـتُ ساعتها لو كنــتُ تانتالوس فأزيح الصخرة َ وأرميها بعيداً عنا نحـــن أبناء الخائباتِ ، صــرفتُ النظرَ عن كونــي ّ تانتالوس لأننــي عربيٌ فــي طورِ التسويةِ لا أستطيــع العيشَ من غيرها كنـتُ سيزيفَ العربِ سعيداً جاداً فـي حمل ِ صخرتي صعوداً وهبوطاً ذهاباً وأياباً كــان ذلك هـــو الشـــرطَ الأساسي للتســويَةِ أنْ تكــنْ 
سيزيف ، فضلتُ إن أكون ثعلباً يمتطي ظـهرَ فيل *.. 
منـذ ُ نعومةِ أظفاري تمنيتُ لـو كنتُ مثِلَ جدي الثالث علي السباعي الذي كانَ صديقاً حميماً لــ : ناصر باشا الأشقــر ** .. الــذي وَسَــمَ مدينتهَ التـي شيدَها آنذاك 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ثعلب يمتطي ظهر فيل : أسطورة شرقية تقول : أن ثعلبا ركب على ظهر فيلٍ وحينما كان الفيل يشق طريقهُ في الغابة دافعاً الأشجار جانبا ، فأن الثعلب ينفخ في صدرهِ بعجبِ ، قائلاً : كم أنا قوي ؟! . 
** ناصر باشا الاشقر : هو أحد شيوخ آل سعدون ، أشرف على بناء مدينة الناصرية في سنة 1869 التي أمر ببنائها مدحت باشا وكان أول حاكم لها . 

أعجاباً منــهُ لحادثةٍ جرتْ لجــديّ الـذي كـان يعملُ غواصاً ينتشلُ الغرقى والبضائعَ الساقطة َ مـن السفن ِ التي تجوبُ نهر الفراتِ يوم كان بحراً واسعاً والمنفذ َ الوحيـد لنقــل ِ البضائعَ فتقــع الكثيـرُ مــن الحوادثِ ، أخبرني بذلك جـديّ الأولُ والذي سُمِـيَ بنفــس ِ أسـم جديّ الثالث ، كـان جــديّ الأولُ حكّاءاً رديئاً ، وهذا ما وَرِثْتهُ منه : ألحكي فالقطُ قـد خرجَ من ظهرِ الأسد علــى سفينةِ نوح ٍ، روى لــيّ : (( غاصَ جدُك الثالثُ يــومَ كسـوفٍ كلّي حصـلَ لِلشّمس ِ ، يومٌ رصاصيٌ ناشــــفٌ ، متعــادلٌ ، وكـــأنّ المـناخ أمـسـكَ عصـــا الطقس من منتصفها ، يومٌ كـثرَ فيــه صــياحُ الديكةِ طوالَ فـترةِ الكسوفِ خالفَ كــل التــنبؤآت ما حصـل ذلـك الأربعاء الحادي عشـرَ مـن أغسطـس / آب مـن العـام ِ التاسع ِ والتسعين بعـد الألف والتسعمائة . 

7

يكـنْ بـارداً كـان  فاتراً ناعماً متقطراً لـم تهبْ فيــه أيّـة ُ رياح ٍ عاصفـةٍ كـان ناشفاً لـم تتوفَ فيـــه أيّـة ُ شخصيةٍ مهمــةٍ سوى وفاة المجنون كاظـم الحلـو الحباب وبيده قطعــة ُ ورق ٍ مقوى كُتبَ عليهـا : إلى متى يبقى كاظــمُ الحــلوُ الحبابُ على التـل ِ ؟ مــن يومها والـناس يرددون كلــما ضنكهم الـدهرُ : إلــى متـى يبقـى البعــير علــى التــل ِ ؟ شَطـّبَ الكســوفَ أعمــــالُ البنــــاءِ الجاريـــة َ فــــي المديــنةِ ، كَنــَسَ شــوارعَهــا الترابية ، أغلـقَ دكاكينَها وكـلَّ الطـرق ِ المؤديــةِ إليــها كانتْ خاويــة ً مهــجورة ً، تنتصـــبُ منـارة ُ مسجدِها صغــيرةً ناحـــلةً قميئةً على مبعدةِ مئــةِ يـاردةِ منهـا غاص جَـــدُكَ بجسـدهِ الأسمـرَ الممـشوق ِ فـــي مياهٍ عسليةٍ طازجةٍ فاترةٍ أمواجُها مجلـَوةٌ ناصـعةٌ تارةٌ بســـلام ِ فضيِّ طيـــعٍ لاصــفٍ ،

8

وأخرى متحفزةٍ بنديـةٍ جارحــةٍ تأتي مـن الشــمال منسابــة كـأن لــهـا أجنحـة ً تبحرُ بــها ، أمواجُــها فسفوريِة ٌمنفوخة ٌ دسمـة ٌ ناضجــة ٌ ، كـان جــسدُ الفراتِ فتاناً مغرياً ، منتشـياً مرحـاً ، متودداً رشيقاً ، طائعاً منسجمـاً باشتهـاءٍ ، قبيلَ وصولـه القاع رأى امرأة تنسدلُ مــن قمةِ رأسِها عباءة تحلـّـقُ حاشيتُها الصدئة ُ خلفها مع دفقاتِ الفراتِ ، تهزُ بيمناها مهداً خشبياً ، وَطـِئَتْ قدماه قاعَهُ الطيني الطري الدافيء ، رغمَ ذكورة الفراتِ إلاّ أنــّهُ شَعَرَ بأن قدميه قد وطئتا رحماً دسـماً ناضجاً بلزوجةٍ لذيذةٍ دافئةٍ تستلقي فــي المــهدِ طفلة ٌ حنطية ٌ جميـلة ٌ بريــّة ُالملامح ؛ إنـها فينوس التي ولدِتْ مـن رحـم ِ الأمواج ِ . كانتْ تنظر لجدك بعينـين سوداوين نقيـتين باسمتين براقتـين تنيران صفحة َوجهها القمريُ كله ،دنا أكثرَ ، أكثرَ ،المرأة ُ مستمرة ٌ بهـزِ المهدِ ، انحنى مبصراً الوحم ، حروف ٌبلونِ الطينِ الحريّ ســمرٌ مميّزة ٌ، لحظة مـدَّ يــدهُ راغباً بحملــها أراد أن يفــعلَ مثلما فعلتْ ابــنة ُ فرعون حــيث انتشلتْ مـن الماءِ سلة َ موسى ، دخلَ القمــرُ فــي المحاقِ ، ســقط منتصفُ اللـيلِ فـــي عزِّ الظهيــرةِ كانتْ الساعة ُ الرابعـــة والأربعين دقيقـــة صــارتْ الشمّسُ قرصاً اســودَ مكتملاً ، شرعتْ ديكةُ المديــنةِ تصيـــح ، مؤذنو الجوامـــع ينادون لصــلاةِ الكســوفِ ، اغتاضتْ هـــازة المهدِ نافخة ً في وجههِ بعنفٍ مثلما تنفخُ إناثُ القططِ مدافعاتٍ عـن صغارهنَ عندما يهاجمهنَّ طفلٌ عابثٌ ، لأثر ِ نفختـها ، فارتْ ، دارتْ ، ســخنتْ ، تعاظمــتْ مندفعـة مــياهُ الفــــراتِ مشحـــونة ٌ بأرتعاشاتٍ ساميــــةٍ رافعة ً جسدَه فوق أكروبات مائي ، وَجَدَ جَدُكَ نفسَــهُ ملقـــى فوقَ ضفةِ  النهر ِ اليمنى ، فاقد السمع ، مؤذنو المساجدِ ينادون لصلاةِ الآيـاتِ ، جَدُكَ لا يسمع ، يرى ، رأى عينــيها تبسمان لحظة قراءتهِ حروف الوحــم ِ ، إنسـل ضوءٌ فضــيٌ مــزرقٌ مـــن قبــةِ الســماءِ ، ببطءٍ ، ببطء ، اســتيقظتْ فــيه المدينة ُ علــى صياح ِ ديكتها ، بزغ فجرُ زئبقيٌ ساكنٌ ، ناشفة ٌمديــنة ُ الأشقر جدرانـُــها ملســاءُ عارية ٌباردة ٌ ذاتُ ملامـــحَ ساذجةٍ مثلُ طفلٍ فاجأه أبوه يلــعبُ فـــي بــرازهِ ، بعد أربعيــن يـــوماً بالضبطِ فَـَـقـــَدَ جَدُكَ بصـرهِ لكـثرةِ مــا نظرَ للشمّس ِ المكســوفــةِ وراحَ يحــلمُ )). حلمــتُ . أمـــس ِ ليــلة الكسوفِ : برأس ِ الحسيـن محمولاَ فوق رمح ٍ طويل ٍ مدمى بغســق ِ الغروبِ ، الرمـحُ بيــدِ فارس ٍ بلـــون ِ الكرافيك ، بــدا الفارسُ ومن خلفهِ الغروبُ كتلة ً مـن دم ٍ قرمزي ، كلُّ ما اذكره ، كـان وجهُ الحسين يشــعُ نوراً ، أنهُ : يتألم ، أنهُ : حي ، وكأنَ الموتَ ما طاله ، تضـيءُ وجهــهُ القمــريَ لحية ٌ بدكنــةِ الليل ِ ناعمــة ٌ لامعــة ٌ وشاربٌ أسـودُ فاحمٌ تلتمع في منتصفهِ شعرة ٌ بيضـاءُ وحيدة ٌ خشنة ٌ كبيرة ٌكأنها نجمة ٌوحيدة  ٌ تنيرُ سمـاءً داكنة ً عميقة ً ، كنتُ في عالم ِ الرؤيا صبياً مع زملائي فــي المدرسةِ المــركزيّةِ الابتدائية * .. دخل الفارسُ فــي ساحةِ رفع ِ العلم ِ ، صرنا نحنُ التلاميذ َ الصغارَ نركضُ وراءه متلقفين قطــراتِ دم ِ الحسيـن التــي كانتْ علــى شكل ِ حباتِ رمـان ٍ ريانةٍ نَضِرَةٍ ، التقط زمــلائي الطلابُ حبيباتِ دمــهِ بأكفهم الصغيرة وراحوا يتوضؤون بها ، تحول كـلّ صبيٍّ إلى فارس ٍ كرافيكي يمســك رمحاً طويلاً مدمى فوق الرمح ِ كان رأس الحسين يقطر دمــاً ،تناسل زملائي المتوضئون والحاملون لرأس الحسين وكــأن صبية َ العالــم ِ كُلِــه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•    المدرسة المركزيّة الابتدائية : أقدم مدرسةٍ في الناصريّةِ وقد أســسّت عام 1916 . 

تجمــعوا فــي مدرستنا ، الوحيـدُ بينهم كـــان همِّيَ أن المــسَ تلك الشعرة َ البيضــاءَ الوحيدة َ ، كنتُ اصرخُ بالفــارس ِ الكرافيكي مغبونـــاً ، أفقـــتُ علـــى تكبير وتسبيح أبي الذي أخبرني بأنني كنــتُ اصــرخُ متنبئاً فـــي حلمي : (( ستزول دولــة ُ إسرائيل عـــام ألفيـن وثمانيــة عشــرَ )) ، سمعتْ أمي ذلكَ فعلقتْ بحْرقةٍ : 
(( أتبقى الصخرة جاثمة عليك حتـى عام 2018 . الله أكبر )) . روى جديّ الثالــثُ علـيّ السبّاعي لصديقهِ ناصــر باشا الأشـقر مــا جرى لهُ ، فسمــى الأخـــيرُ مدينتهُ بأســـم ٍ أنثويٍّ ، أســم ٍ أسمرُ نكهتهُ جنوبية ، أنه : الألم ، أنه : ناصريّة .  

*                        *                         
... كانتْ حلوى أمــي المفضلــة حبــوب البراسيتــول 
كونها تشكو دائما مــن ألم ٍ متقطــع ٍ فـي رأسِها ، كان صداعُ رأسها لا ينتهي ألمــه مــثلُ القضيةِ الفلسطينيةِ دائماً مطروحة علـى طاولةِ المفاوضاتِ . مصـادفة ً . أحطتُ رأسَهــا بيديِّ ، زعقتْ وكأن تياراً كهربائياً قد مســّها ، بهدوءٍ نمــوذجي قربـتُ يــديّ مـن رأسهــا ، شعــرتْ بحــرارةٍ تـشعهــا يــداي ، حـرارة ٍ عميقــة ٍ
واخزة ٍ ، أحســستُ بانخفاض ٍ بسـيطٍ في طاقةِ يديَّ ، وكــأن تفريغــاً كـهــرومـعنـاطيسيــاً حـدث بيــن يديَّ 
ورأسها ، وبعدها لــم يعاودهـا الألم بتاتاً ، مــن يومها أصبحتُ مُداويــاً . باراسـايكولوجياً . ميداســاً ، الملك ميداس ، كنـتُ مثلهُ كلما مسـّتْ أصابعُه شيئاً صيّرتـْهُ ذهباً ، كنتُ ميداســاً أُشفـــي المرضى ، جاءنـي جديَّ الأول يّـشكــو مــن ألــم ٍ مــزمن ٍ فـــي وركهِ الأيمن ِ عجــزتْ كـــلُ معالجـــاتِ الأطبـــاء عن سبر ِ غور ِ مصدرهِ ، وضعتُ يدي لمـدةِ خمس ِ دقائق شعر معها جدّي بحرارةٍ نافذةٍ ناغرةٍ في الأنسجةِ الداخليةِ لوركهِ منها هجرهُ الألم نهائياً .
 
 *                     *                      *

... أستشفائياً . مثلتُ بيــن يدي عتــودة * .. الـذي فقد ذكورته بسبب مكيدةٍ دبرتها لهُ ونفذتها فتـــاة ٌ حـــرة ٌ نصبتْ نفسها ليلة زفافها قاضـياً وجــلاداً وضـحية ً ، ضحـــتْ بحياتِهــا مــن أجـــل ِ بقيّــةِ فتيـاتِ مدينتــها العذراوات ، جلبوها لهُ ، طلبتْ منـهُ بشوق ٍ فائض ٍ : (( مولاي عتودة . عندي أمنية آملُ أنْ تحققها لي )) . أجابها : (( أطلبي ما تشائيــن )) . قالــتْ دون تردّدٍ : 
(( أقبـــلُ حيــوانك الأســود الجميـــل قـُـبيَّــل فضِّـــكَ 
لبكارتي )) . أنتشى ضاحكـاً ، وأظهر عربيدهُ الأسود شرسـاً مهيباً كهراوةٍ ، فما كان منها إلاّ وأطبقتْ عليه 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عتودة : خادم أبرهة الحبشي لشدة وفائه لسيده أبرهة الحبشي طلب   من سيده ومولاه أن يمنحه شرف فضّ بكارةُ كلّ عذراءٍ ليلة زفافها ، فوافق أبرهة على طلبِ خادِمِهِ المطيع عتودة . بكل ِأسنانها ، جاءت عضتها مباشرة ً فوق العصبِ الناقل ِ لحركةِ حيوانهِ ، لأثر عضتها أصبح عتودة عاجزاً جنسياً ، تماماً عاجزاً جنسياً ، حالما دخلتُ ديوانهُ وجدته مرتدياً بزة َ آل فرعون تحيط ُ بهِ كوكبة ٌ من فتياتٍ جرانيّولتياتٍ*.. شاحباتٍ بارداتٍ قاسياتٍ باهتاتٍ هيمنَّ بظلالهنَّ القاتمةِ على ديوانهِ الباذخ كأنهن حبيبات لوحةٍ من لوحاتِ وفيق منذر اصطفـفـْـنَ فوقَ موزائيكِ ديوانهِ تحت الأنوار ِ الوانية مرغماتٍ تحف بهنَّ سجاجيد كاشان نظيفة ومخداتٍ من حرير ٍ ملّون ٍ طرّزتها تشكيلاتٌ خلابة ٌ لفتياتٍ عارياتٍ بأوضاع ٍ مثيرةٍ تحت أسد بابل ، بدل أن يرحب بيّ راحَ يصرخ فيهنَّ بصوتٍ عالٍ : 
-    أخرجنَّ جميعكنَّ من هذا المكان فمن لا بكارة لها لا مكان لها . 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجرانيّوليت : متعارف عليها صناعياً كحبيباتٍ رمليةٍ مصنعّة يستخدمها الفنان الأردني /وفيق المنذر/ في لوحاتهِ كثيراً .   

انفرطت الفتياتُ الجرانيوليتات لأمرهِ متفرقات كالأحجارِ الثمينةِ التي تَبْرُق في خواتم وأسـاور يديه ، 
أنفرطن بصمتٍ مثل ِ الدموع ِ، كنْ بلا زمن ٍ ، بل ، كنْ لحظة ، مجرد لحظةٍ ، لحظة رأيتهنّ فيها ولم يتبق بعد تلك الرؤيةِ في خلدي شيء ، سألتُ نفسيَ محاولاً ثنيَ دهشتي : 
-    أعاد إبليس إلى غيّهِ ؟ 
وكأنه قرأ أفكاري ،عَلّقَ بصوتٍ خبيثٍ رخيٍّ ، قائلاً : 
-    ومتى كفَّ عتودة عن فض ِ بكاراتِ العذارى ؟ 
ابتسمتُ لغبائي الاستثنائي الذي أدخلني في عنق ِ الزجاجةِ ، تمتمتُ في ذاتِ نفسي : 
-    أجلبني . هنا . كي أوقظ َ حيوانهَ النائمَ كلما فضَّ بكارةِ أحداهن . 
عرفَ بما فكرتُ به ، قائلا ً : 
-    قدرك يا سباعي أيقاظ حيواني النائم .

كلُّ الأشياء تمنيتها إلاّ أنْ أوقظ َ عربيده السابتَ ، سيفهُ مسلط ٌ على رقبتي وليس الصخرة ُالتي جثمتْ على صدري ، أنْ تكن مُداوياً فذلك يعني : أنْ تتعلم العزف على المزمارِ . اللعبَ بالمزمار ، مثلي كمثل ِ الهندي يُزمّرُ بمزمارهِ مرقصاً أفعاهُ ، كنتُ أحركُ يديّ كساحر ٍ ، هابطاً صاعداً بهما أقصى اليسار الذي تربض فيه الأفعى داخلَ سلتها تتثاءَب من صقيع ِ البطالةِ ولسوء حظـّي الرابحون همُ دائماً على الطرفِ النقيض أقصى اليمين حيث عتودة شاهرٌ مسلط ٌ سيفَ عولمته على رقابنا وينظر بعينين كسيرتين دامعتين لعضوهِ السابتِ ، أشعرُ بألم ِ حدِ السيفِ مسلطاً على رقبتي ، ولا أخفيكم سرّاً كم تشتاق نفسي لتلمس أفعاهُ النائمة ، هَدَرَ بي بعدما عرف ما يدور في نفسي :

-    أهكذا تتحرقُ نفسُكَ شوقاً لتوقظ أفعايَ ؟ 
عربيدهُ ناقعٌ في عرق ٍ باردٍ مضمخ بالمسكِ ، تهربتُ من سؤالهِ المحرج ِ ، قائلا ً : 
-    أقدرُ مولاي : فضَ البكاراتِ ؟ 
تركَ سؤالي عائماً في صدري ، أخذ يحدثني كأنه كامل الدباغ رحمه الله يذيعُ في برنامجهِ العلمُ للجميع كل أربعاءٍ بصوتٍ يتذوق فيه الحروفَ تذوقَ من يجلس ِ أمامَه شخصٌ يمتصُ ليمونة ً ، قائلا ً : 
-    ستحلُ عليْنا الألفية ُ الثالثة ُ وعلماؤنا يؤكدون بأن قرننا الحادي والعشرين سيكون قرنَ : الجينات أو التقنيةِ الجينية ، قرن الهندسة الوراثية . سأكون أول المُسهمين في تحسين مشروع الجينوم البشري ، وسأسهم في مدِّ جسر ٍ يعبرُ عليه أبنائي نحو الارتقاء والتطور. مثلما لكلِّ عصر ٍ أو قرن ٍ ميزاتهُ ، فالقرنُ الثامن عشرَ كــان قــرنَ بخـار ٍ ، والتاسعَ عشرَ قرنَ الكهرباءِ والعشرون قرن ِ الذرةِ ، أما الحادي والعشـــــرون سيكـــون قـــرنَ صراصير 
عتودة *.. ما إن نطقتها بداخلي حتى انتشى ضاحكاً ، 
عجبتُ ، فسألتهٌ : 
-    ما الذي يُضحكُ مولاي ؟
قال منتشياً :
-    رائعٌ . قرنُ صراصير عتودة .
أستطرد قائلاً :
-    تسميَة رائعة ٌ لقرن ٍ جديد ٍ.
راحتْ عاصفة ضحكهِ تجوبُ ديوانَه الفخمَ الذي يتوسطه أسدُ بابلَ ، قال :
- سأمنحكَ شرف الأرتقـاء مــع أحــدى مفضوضــاتِ  
  البكارة حالما تنجح في أيقاظِ حيواني النائم .
(( قالها )) ويحســـبُ أنــهُ قد مَــنَّ علـىَّ ، كــان أشبهَ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صراصير عتودة : حيامن عتودة . 

بقوادةَ ؛ العضو العريضُ والطويلُ تحتفظ ُ بهِ ممتعة ً نفسَها بهِ ، وأنْ كان العضو رفيعاً قصيراً تعطيه لفتياتها قائلة لهنَّ : (( خذن استمتعْنَ )) .
 نادانــي ضاحكــاً بصوتٍ سمعـتُ النشوة َ في نبرتهِ :
 (( خذن استمتعْنَ )) . 
أثناء ذلك حَضَرَ جنودَه ، وجوُهم واحدة ٌ ومتشابهة ٌ ، أشبهُ بوجوهِ لوحة جمهور بلا وجوه للفنان تسونهيسا كيمورا ، برفقتهم فتاة ٌ ترتدي عباءة ٌ سوداءَ فوقَ بدلةِ زفافها يحيط ُ بها الجنودُ مثلَ إحاطة الغيوم ِ بالبدرِ ، سألتُ ذاتَ يوم ٍ جدتي لأمي : (( لماذا ترتدي العروسُ لــيلـــة َ زفــافِـها بدلــة ً بيضاءَ ؟ )) . قالتْ
 جدتي : (( أنْ الأرواحَ الشريرة تحلقُ ليلة الزفافِ بكثرةٍ فوقَ رأس ِ العروس ِ، لذا ترتدي العروسُ بدلة ً بيضاء تطـردُ بهــــا الأرواح الشريـــرة لكـــون الأرواح الشــريـــرة تخــــاف مـــــن البـيــــاض )) . 
تضعُ الفتاة ُ على وجهـِها بُرْقعا ً أبيضَ أبعد الجنودُ برقعَها وعباءتها بأمر ٍ من عتودة ، فتاة ٌ جميلة ٌ قمحية ٌ وجهُها الطفولي قمريٌ فيه سمرة ٌ برّية ٌ محببة ٌ ونحولٌ لانكاد نشعرُ بهِ ، عندما تُطِلُّ من شفتيها تلكَ الابتسامة المترددةِ التي ما إنْ تكتمل حتى تكتشف أن في هذا الوجهِ البريء عينين سوداوين ساحرتين حراقتين تحتاجان إلى جهدٍ كبير ٍ لكي تحوّل عينيك عنهما ، كانتْ تصافحني بأبتسامتها عندما سألتها ذات صباح : (( هل كانت الأميرة ُ ديانا سببا ً في مقتل دودي الفايد )) ، فتتأرجح جديلتها خلفها بموّدةٍ ، سألها عتودة بصوتٍ غليظٍ ملأ حنجرته تلهفا ً : 
-    ما أسمكِ ؟تجاهلته بعنادِ آخر خيطٍ من خيوطِ النهار وهو يصارع الظلمـة ، اكتســى وجهــهُ بشمــع ٍ كرافيــكي 
طري ، أبتسم رافعاً سبابته التي أحتلها خاتمٌ كبيرٌ بحجارة فيروزية تلسعُ بوقاحةٍ من ينظر إليها ، وهزَّ سبابته محذراً :                       
-    أحبُ معرفة َ أسم التي سأفض بكارتها ؟      
يُطلب من المرأة أثناء المخاض لدى بعض ِ طوائفِ اليهودِ أنْ تردد شهادة الإسلام حتى إذا سمعها الجنين كره أمَهُ ودفعَ بنفسهِ خارجاً ، هذا ما حكاه ليَ جدِّيَ الأول ، تركت سؤاله يذهب أدراج الريح ، سألتهُ بنبرةِ من تعرف أنها داخل حقل ألغام :    
-    مراّدكَ عذريتي ؟ 
آلمني سؤالها ، ضحك عتودة مستهزئاً ، أجابها مثلما يتحدث مصاصو الدماء : 
-    بكارتك .               

سألته محاولة خرق غضبه ، قائلة ً :          
-    هل تعتقد أنك استطعت أن تفض بكارات جميع العذارى ؟ 
رَسَمَ ابتسامة مثل علامةِ النصرِ ، تخندقتْ فوق شفتيه الدكناوَيْن العريضتين ، فأجابها مختالا ً :
-    نعم ! عندما أفضُّ بكارات الصبايا أجدُ نفسيَّ سيــداً. نعــم ! سيــداً وأجـــد مفضوضــة البكــارةِ
     مسودَة ً .
مثل قيصر يتحدثُ عتودة عن رجولتهِ وفحيحُ ذكورتهِ يصمُّ أذني . سألته بصوتٍ خفيض ٍ وعيناها تنظران بعدائية ٍ في عينيه ذواتي الفصين الأبيضين الداميين ، قائلة ً :
-    ما قيمة أن تكون سيداً إذ كل ما تفعلهُ هو تكرارٌ لكونك السيدَ نفسه ؟ 
بعدائيةٍ دفينةٍ جاءها صوته جافا ً مهيمنا ً : 
-    تعرَّي . 

اعترضت ، أمر جنوده أن يعرّوها ، قاومتْ ، نظرتُ خطفاً لعينيها المتحديتين فشاهدتُ دمعة عصية تجول متنمرة ً في مقلتيها ، تحرر بدورهِ من زيّهِ الفرعوني جسدٌ طويلٌ بكرش ٍ ضخم ٍ مطاطي ٍ أسودَ أشبه بكرش بوذا ، تمنيتُ لو كنتُ دون كيشوت لترجلتُ من فرسيَ العجفاء ورميتُ سهمي َ المكسورَ بعيداً ورحتُ أتلمسُ كرشه متباركاً به مثلما يتباركون بكرش ِ بوذا الذي يجلبُ الطالعَ الحسنَ ، كوكبة ٌ من الدموع تبرق في عينيها فبدتْ كأضــواءٍ لاسعــةٍ فــي 
جو ٍ ماطِر ِ ، بكتْ ، قاومتْ الفتاة ُ بكلِّ ما أوتيت من قوةٍ حتى أن الجنودَ مزقوا عنها بدلة زفافها تمزيقاً خَجِلتْ من النظر ِ إلى جسدها وكأنها لم تكنْ تعرفُ أنها تملكُ مثل هذا الجسدِ الباذخ المعجون ِ من كهرباءٍ ودم ٍ ، كنتُ أسمعُ في الحكاياتِ عن عروس ِ البحر ِ . حقـــاً ! كــان جسدُها أشبــهَ بجســدِ عروس ِ البحر ِ ، أنفرط َ اشتبـــاك ضفيرتها لتسترَ عريَهــا ، ســقــط منتصف الليلُ ، ليل شعرها في عزِّ ظهيرةِ جسدُها ، ذكرني انفراط ُ جديلتها بانفراطِ ضفيرةِ معلمتي وهي تشرحُ لنا في درس التأريخ كيف أن هيلين كانتْ فاضلة ً وأن التي ذهبتْ إلى طروادة كانتْ امرأة أخرى من صنع الآلهة تشبه هيلين ، وقالتْ لنـْا ان هاكوبا كانت فاضلة ، فـَعـَرَّضَتْ نفسَها لرمح ِ زوجـِها إثباتاً لعفتِها ، فنمتُ ليلتها مغبوناً فحلمـت بـ : 
( كلنتون يذبح : الأسكندر المقدوني ، رمسيس الــثاني ، هولاكو ، وهـتلر ، تحــت قدمــي مونيــكا ) 
كنت أصرخ في الحلم خائفاً :- (( ستحلُ نهاية ُ العولمة في عام ألفين وخمسة عشرَ )) . 
.. وحمٌ ، وحمٌ يتوسط صدرها الفخمَ الباذخَ من خلفِ

الوحم أطـّلتْ شمسُ جسدِها عسلية ً لاهبة ً مثلَ شمسنا السمراءَ في حزيران في صيف الناصريّةِ ، وحمٌ حروفه بنية ٌ مثلُ لون الطين الحريِّ ، سمـرٌ مميزة ٌ ؛ قرأتُ الحروف في سرّي ، فنطقها بدلاً عنـيَّ عتودة : 
-    ناصرية ! أسمُكِ : ناصرية !!!
أومأ بأم ِ قبضتهِ أنْ : سَألجُــكِ ، فـــي إشــارةٍ خبيــرةٍ 
دسمةٍ ، هكذا تكلم عتودة : فتاة مفضوضة البكارةِ خيرٌ من عذراء . قال بلؤم : 
-    ناصرية . سأفضُ بكارَتك . 
إستطرد منتشيا ً : 
-    سأنظر إلى عينيكِ وأنا أفضُّ بكارَتكِ ، تلك هي متعتي . 
ناصرية عنقاء بُعثتْ من رمادِها ، نطقتها في وجههِ بعينين متحديتين تفيضان عداوة ً جارحة ً ، قالتْ متنمرة ً:

-     لم ولن تنالَ عذريتي . يا أخيتي !            
دخلتْ ناصريّة منعطفاً خطيراً جـداً مثلَ الإنسانيــة ، نطقتها وصدرها يهبط ويعلو ، يعلو ويهبط : لم ولن صرختان اجتمعتا في صرخةٍ واحدةٍ سجينةٍ موجزةٍ لأكبَر : لا . في حياتنا ، صرخةٍ مكثفةٍ مكورةٍ صلدةٍ من ضيم سنوات حياتِنا ، لا . صرخةٍ إحتفظنا بها في لبِ صدورنا ، كانتْ في دمائنا ، .. أرواحِنـا ، .. أصلابــِنا ، .. أرحامِنا ، .. أرضِنا ، .. هوائِنـا ، .. أشجارنا ، .. سمائِنا ، والله حتى في حجارَتِنا ، نظل نختزنُها حتى نغيرَ ما بأنفسِنا ونخرجَ من عنق ِ الزجاجةِ لا . نطقتها وكأنها جميلة بوحيرد : - 
-    أتحدّاك .
أخيراً أكملَ المريخُ سطوته فوقَ أسد بابلَ الذي بدا بدكنة الأسمنتِ ، دخـل المشتري فــي برج ِ العذراء ، غيظ ٌ اصفرٌ باردٌ يقطر من جبين ِ عتودة ، لوّحَ بيديهِ المليئتين بالخواتم ِ والأساور معلناً قبولهُ التحدي ، كانتْ ناصرية ناقعة ً بأضواءٍ بلوريةٍ متلألئةٍ بقطراتِ عرقِها الباردةِ ، تتأرجحُ جديلتـُـها على كتفيها منقعة ناصرية بليلها ، ليل ِ جديلتِها ، دروبها : ساقيها ، أزقتها : طياتِ وثنيات خاصرتيها ، بيوتِها : أضلاع ِ صدرِها ، بوابتها : فينوسِها ، نهرِها : شفتيها إلا عينيها تنظران شاكيتين تغدوان وتروحان ، تذهبان وتجيئان صعوداً وهبوطاً بين عتودة وبيني ، قالها بشفتين قاسيتين تعودتا إصدار الأوامر ِ بعدما أدخلني في خرم ِ الإبرة ، قائلاً بصوتٍ أحتوى كراهية العالمِ أجمعها : 
-    إبدأ . 
فبدأت ، هكذا بدأتُ أزمرُ ، تزميراتٍ ساخناتٍ بثوبِ الصمتِ ، بدأتْ اللعبة ، كنتُ وترَ اللعبةِ وضحيَتها ، الأفعى تفيقُ ، تتابعُ مزماري ، شفة ناصرية السفلى تصعدُ وتهبط ُ بتوتر ٍ غريبٍ ، كانتْ دقاتُ قلبي تتوالى كضرباتِ طبلٍ أفريقي : ((دُمْ .. دم .. دُمْ .. 
دم )) . أصطفق جفناها بألم ٍ ، صدرُها يعلو ويهبط ُ بحدةٍ ، همستْ بصوتٍ خافتٍ وقورٍ : 
-    أنا دخيلة أكبر عاشق ٍ في الناصريّةِ . 

*                      *                       *

... أعطيتُ ظهري لأسد بابلَ ، مددتُ كفيَّ قابضاً الفضاءَ المحيط َ بعفريتهِ ،أصابعي تُشَوِّهُهُ بحركاتٍ مدروسةٍ ، أنتضيتُ أصابعي أقطع بهنَّ الفراغ الساخنَ الليَّنَ وأتلمسَه ، كفاي ترتفعان وتهبطان ، تهبطان وترتفعان متلمستين ظلَّ عفريتهِ ، نظر في عيني مباشرة ، تفرسني بذهولٍ ، أنا أزمــر ، ألعـــب أصـابعــي علـــى مـزمــاري ، كنــتُ زمـــار اللعبــة 
ومزمارَها ، مثل الهندي الذي يزمّر مرقصاً أفعاه ، أمتدتْ ظلالُ كفيّ مستدقة ً حادة ً عند صعودها وتثلثتْ  أثناءَ هبوطها ، تكسرُ صمتَ ظلالِها أثـر دوران كفي في مدار ِ أفعاه . ألآن . المشتري في برجِ العذراءَ ، يراقبُ عتودة ما أقوم بهِ مبهـورَ الأنفاس ِ مضطربها وقد أرتسمتْ على وجههِ ملامحُ سذاجةٍ غاضبةٍ ، جسدهُ كما الأسفنجة يمتصُ الطاقة الكهرومغناطيسية التي تبعثـَها يداي ، أغمض عينيه لا يرغبُ في الحديثِ إلى أيِّ مخلوق ٍ ، بدأت أفعاه بالأستيقاظِ ، أنخفضت طاقة جسدي ، شعرتُ معها بالاعياء ، أسـتـيـقظت أفعـــاه ، شاهــدتُ أنتفاضتــهـا
 الواهية ، مستميتة ً تحت تأثير يديَّ المزمرتين ، أنظرُ متعباً إلى بطن ِ أفعـاه ، فأرى نســـغها ينتصــبُ بطيئاً تدريجياً من أرضها السوداء المحلوقةِ حديثاً ، أنفتقَ رأسُ أفعاه منتصباً ظاهراً بارزاً خارجَ خوصتها ، كان أدنى شبهَ بوحش ِ بحيرةِ لوخنس ، راحتْ أفعاه تتمايلُ راقصة ً مع تطوحاتِ مزماري ، هربت إغفاءته ، ذهل ، نظر ليَ بطرفِ عينيهِ وراح يضحك بهاتين العينين الجاحظتين الملهوفتين وهما ترنوان لوحشهِ المنتصب ، قالَ في حماس ٍ كبير ٍ : 
-    بدأتُ أشعرُ بفحولةِ أنكيدو .
رددها بصوتٍ عال ٍ ثانية ً : 
-    فحولة أنكيدو تنتضي سلاحي الباسل َ . 
أُفقي كان أسد بابلَ وعشتارَ أرسلتْ لهُ تموزاً كي يبثَ فيه الخصبَ ، قال عتودة بنشوةٍ مثل ِ أبيقور : 
-    ناصرية . سأفضُ بكارتك قبلَ غروبِ الشمّس * .
ضربـــاتُ قلبـــي تزداد كضربــاتِ طبــل ٍ أفريقــي ، 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يعتقدُ بعضُ شعوبِ الأرضَ أنْ كل من يؤرخ عقد قرانه قبل غروب الشمس الألفية يجلب لهُ السعادة الدائمة .

تملكتني غيرة ُ عطيلُ على دزدمونة ، لمتُ نفسي قائلاً : (( ماكان يجب أنْ أكون أستشفائياً )) ، رفعتُ يدي من مدار ِ أفعاه ، وقفتُ نفسَ موقفِ هانس فون سبونك*.. قلتها في وجههِ بوقار ٍ وأتزان ٍمحسـوبين : 
-    لا .
الجنونُ وحدهُ الذي يكسرُ الخوفَ ويشلُ رتابة َ الصمتِ ، وأنا مجنونٌ وسط َ عالم ٍعاقل تماما ً ، أثار رفضي حفيظته ، قال بصوتٍ متحمس ٍ : 
-    يا سباعي أنت مرغمٌ على أطاعتي لأنني أملك حياتكَ . 
حاولت أجابته إلاّ أنـه أعتــرضَ منــذراً : 
-    لا تنسَ السيفَ يا سباعي !!!           
... السيف ؟ 
السيف . كيف انساه ؟ صرتُ تحتَ سطوة القطبِ المجنون ِ الواحد ، والبعيرُ مازال على التل ِ، وجــدتُ 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•    هانس فــون سبـونك : المنســق الدولي لشؤون العراق فــي الأمــم 
المتحدة ، وقد استقال من منصبه لاستمرار الحصار على العراق .

نفسي في الموقفِ الذي وضعوا فيه عبد الله أوجلان ، فكان ما كرهت ، حرك عتودة سيف عدالته على رقبتي حركاتٍ ميلودراميةٍ ، ثم تكلم بصوتٍ متخابثٍ: 
-    من غير سلاحي سينساني العالمُ . 
أمرني بحزم ِ: 
-    عد الكرة ثانية ً . 
بأحكام ِ أحطتُ أفعاه النائمة َ بيدي ، زمـرتُ ، زمرتُ، زمرتُ ، تأثيرُ طاقتي الكهرومغناطيسيةِ ماض ٍ فيه ، بثثتُ كلِّ طاقتي عن قصدٍ ، الوقتُ يمرُ متعباً مكدوداً ، انتصبت أفعاهُ في مواجهتي بأنحناءتها الرخيةِ يداي تدوران بميكانيكية نموذجية في مدارهما، أنتصب عضوه مهيباً كهراوةٍ ، بدأ يلتهم أنفاسيَ ، عتودة ينظر مبتسماً لعضوِه مثلَ تمثال ِ الحريةِ يتبسم بغطرسةٍ ظاهرةٍ ، دفعني بكراهيةٍ بعيـد عنه تسبب بسقوطي على كشحي ، نهض كثور ٍ ، كان جسدهُ مدهوناً بالمسكِ لا يخترقه الضوءُ ، بل ، كان يلسعهُ فيلصفَ جبينهُ بأكروباتٍ ضوئي ، وقف عتودة أمامَ ناصريّة ، تذكرتُ ما شاهدتهُ على شاشة التلفاز ِ عندما وقف كلنتون أمامَ قضاتهِ والعرقُ يتصببُ من جبهتهِ الرومانيةِ العريضةِ لاصفاً بكرنفالاتٍ ضوئيةٍ ، وقف أمامَ مونيكا التي كادتْ تودي بحياته مثلما أجابتني معلمتي عندما سألتـُها عن الأميرةِ ديانا هل كانتْ سبباً في مقتل دودي الفايد ، فأجابتني : أن كليوباترا كانتْ سبباً في مقتل قيصر ، أرتمى ضوءُ الأصيل عند قدمي ناصريّة مثلَ سنابلَ محصودةٍ ، أسد بابلَ صار بلون الكرافيك في حمرةِ الأصيل ، زحفَ ضوء الأصيل على ركبتيه حتى مشارف أصابع قدميهــا ، امتطاهمــا مقبــلاً ، تمـادى ملتفاً مقبلاً متسلقاً حول بطتي ساقيها ، إلتصقَ بفخذيها زاحفاً متشمماً حتى وصل عتبة فينوسِها ، جسدُ ناصريّة يرتعش مثلَ الهواءِ ، فتسقط ُ خصلة ٌ من شعرِها بديناميةٍ محببةٍ تمسحُ جبهتها الحنطيّة َ، طقطق ضوءُ الأصيل ِ أصابعَ يديه ، أخذ يدورُ حول زهرةِ عبّادِ الشمس ِ كدرويش ٍ أخذه الجذبُ ؛ خرَّ الأصيلُ مجذوباً من فرطِ انتشائه غروباً احمرَ نارياً حاراً لاهباً مجوسياً كشمس تموّزَ . ألآن الكرة في ملعبي ، صار المجال المغناطيسي للشمس ِ متداخلاً مع المجال ِ الأرضي المغناطيسي ، وكلا المجالين يؤثران على حياةِ البشر ِ ، وبسبب ما بثثتهُ فيه من طاقة كهرومغناطيسيةٍ ستعمل على زيادةِ الأضطرابِ الوظيفي عند عتودة بالفعل ِ ، خرَّ عضوه منكمشاً ذليلاً غاطساً داخلَ شرنقته الجلديةِ ، رفضـتْ عشتـارُ إحضار تموّز كي يبعثَ الخصوبة َ فيه ، ذكرني منظرُ عتودة ومشاهدتهِ لعضوه بمشهدِ لوينل جوسبان عندما ضُرِبَ بالحجارةِ في جامعةِ بيرزيت .
شع من عينيهِ الخبيثتين ِ المضببتين ِ بدم ٍ ثلجي وميضُ مكر ٍومكيدةٍ ، رفع وسطى يده اليمنى وحرّكها حركة ًماجنة ً، أنشغلتُ انظر إليها ، هوى سيفهُ على رقبتي ، لحظة َ فصَلَ سيفهُ رأسي عن رقبتي صافحتْ عيناي ابتسامة معلمتي التي قصصتُ عليها حلمي برأس الحسين أخذت تحدثني كتلميذٍ صغير ٍ في صفها عن احدِ الفلكيين الذي أدعى بأنهُ أحَضَرَ روحَ بتهوفن ، فقالتْ له الروحُ (( لا تشغلني فأنا أسمعُ موسيقى أثيرية ًمن بدايةِ خلق ِ الكون ِ ولملاين ِ السنين ِ القادمةِ )) . فارقتْ روحي شرنقتـها ، رفــرفتْ سعيــدة ًبالخــلاص ِ وسـط َ ذلـك الغروبِ النحاسي المحتدم الذي حَلُمْتُ فيه برأس ِ الحسين ومحاولةِ لمس ِ الشعرة البيضاء في شاربه الكريم . الآن لمستـُـها . كان ملمسُها مثلَ خيطِ ضوءٍ ازرق ٍ مترفٍ مريح ٍ تألقتْ روحي فوق َ أسد بابلَ توشوشُ في أذنهِ ما قد نطقهُ عتودة بعد حركةِ إصبعهِ الماجنةِ . سأفضُ بكارتها بأصبعي . 

 

ثانيا القراءة :


هذه القصة الثانية التي اقرأ فيها للقاص "على السباعي" ففي هذه القصة وجدنا قدرة مميزة عند لقاص على السرد وادخال القارئ في عالم المعرفة الأدبية والفنية من خلال سرد أسماء كتب وكتاب واسماء فنانين إن كان في مجال الرسم أو الموسيقى، فهناك تلاقي مع شكل السرد الموجود في "ألف ليلة وليلة" وكأن الراوي أرادنا أن نتقدم من تراثنا الأدبي من خلال هذا الشكل من القصص، فالدخول إلى أكثر من حدث قصصي، والحديث عن الماضي والحاضر والانا/نحن والأخر ثم ربط كل هؤلاء بالحدث الرئيس يعد عملا ابداعيا مميزا.
فمثل هذا الشكل من الكتابة يحتاج إلى قدرة استثنائية عند الكاتب لكي يقنع الكاتب المتلقي بما يكتبه، و"علي السباعي" استطاع أن يقنعنا بهذه القصص، ويجعلنا نستمتع بها، وذلك، أولا لشكل وطريقة تقديمها، وثانيا للمضمون الفكري والأخلاقي الذي تحمله، وثالثا لارتباطها بالتراث القصص العربي، ورابعا لوجود دعوة ـ غير مباشرة ـ لمعرفة كتاب وكتب وفنانين واحدث تاريخية أو معاصرة في هذه القصص.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً