الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كتاب محمد: حين قرر الرجل الغامض البوح بالأسرار - ريا أحمد
الساعة 12:06 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 


اعتاد القارئ ان يقرأ كتب من نوع المذكرات لقادة سياسيين و فنانين و مشاهير في السياسة والفن والرياضة، شخصيا لا أحب هذا النوع من الكتب ولا يروق لي البتة لاني على قناعة بأن هذه الكتب وجدت لُتجمل من تلك الشخصيات وتبرر لهم افعالهم اكثر مما تؤرخ لحقبة تاريخية.
 

كان من المفاجئ ان يصدر الإعلامي اليمني جمال جبران كتاب من هذا النوع يتحدث فيه عن شقيقه الذي لم يكن لا زعيما سياسيا ولا فناناً أو لاعباً مشهوراً ولكنه كان من وجهة نظر أخيه صاحب الكتاب نجما بل قمرا يضيء سماء أسرة تركها ذات يوما تاركا ارثاً كبيراً من الذكريات ولا سيما لجمال الشقيق الأكثر التصاقا به.
 

عندما قرأت بداية الكتاب في صفحة جمال جبران على الفيس بوك ايقنت بأن هذا الكتاب ليس كبقية الكتب وإنما كتاب مؤطر بحالة إنسانية راقية لا يمكن لأي عاشق للقراءة ان يفرط فيه.
بالنسبة لي شخصيا فالامر يتعلق ايضا بشخصية جمال جبران صاحب الكتاب حيث كنت أراه دائما شخصية غامضة لطالما اثار فضولي عندما كنا نجتمع ضمن اللجنة التحضيرية لنادي القصة(إلمقة)،وحتى عندما طلبت منه ان يكون ضمن المتحدثين عن كتابي(يوم كان السرد أنثى) في احتفاء بالكتاب بمؤسسة العفيف الثقافية كان حديثه عن الكتاب حاد جدا اثار استغرابي حينها وآثرت الابتعاد كليا عنه بيد انه كان حاضرا في احاديث بيني وبين الصديقات المشتركات بيني وبينه.
بعد سنوات اصبحت وجمال اصدقاء في العالم الافتراضي(فيس بوك)وكنت أتفاجأ كثيراً من منشوراته التي كشفت عن شخصية مرحة وبالتالي تغيرت كليا الفكرة السابقة عنه واكتشفت ان وراء تلك الشخصية الغامضة شخصية مرحة وغير معقدة.

 

 

عندما بدأت بقراءة الكتاب تصورت وكأن جمال جبران جالسا في زاويته في مقهى (كوفي كورنر)بصنعاء يدخن سيجارته وقد قرر البوح بكل الأسرار وذكر الكثير من التفاصيل تارة تحتل تضاريس وجهه معالم الحزن وتارة اخرى نجد وقد لمع في عينيه بريق وتتغير ملامحه لتظهر ابتسامة كتلك الابتسامات التي ترتسم على وجوه البعض حين يمر طيف الماضي البعيد إلى المخيلة.
"تلك العربات التي كنا نلعب عليها كل صباح، في مستشفى الكويت في صنعاء؛ المستشفى الذي كانت ماما زمزم تعمل ممرضة فيه، بداية من منتصف سبعينيات القرن الماضي، بعد أن تركنا الحبشة وأتينا إلى اليمن. تلك العربات؛إياها، التي ُكنا نلعب عليها أنا وشقيقي الراحل محمدالذي كان يكبرني بثلاثة أعوام،محمدالذي مات منذ عام ونصف وتركني من دونه ضائعاً في غابة. لم نكن، هو وأنا ندرك أنها العربات التي تعمل على نقل الموتى باتجاه المشرحة. لم نكن ندرك المهمة الأصلية لها. لم نكن نعرف سوى أنها تكوين من أجهزة وعناصر ومواّد المكان. جزء منه ولاتعني مهمة أخرى، أومهاّم ثانية كانت ماما زمزم تعرفها جيدا لكنها لم تكن تجدها ضرورية كي

 

تحكي لصغار مثلنا عنها وعن دورها. عن دور تلك الأجهزة والأدوات الناقلة.
كان الممر طويلاً وُكّنا نلعب عليها بالدور،(محمد وأنا).نلعب بالعربات وبالممر أيضا. أنا أصعد على العربة لفترة ومحمد لفترة. كنا نتبادل الأدوار. هو يدفع العربة لفترة وأنا أفعل الشيء نفسه لفترة أخرى. كاتفاق أخلاقي بيننا.محمد جبران الذي كان(ما أبشع كلمة«كان»)،الذي كان طّيبا ًإلى
درجة مفرطة، يحبه جميع الناس وكنت أغار من هذا ."

 

كانت الصفحة الاولى من الكتاب جذابة لدرجة ان القارئ لا يستطيع ترك الكتاب إلا وقد انتهى منه او لنقل حسب تصوري لا يمكن ان يغادر المستمع طاولة جمال جبران في المقهى إلا وقد انتهى البوح.
جمال جبران الصحفي الذي عرفته عبر الصحف الثقافية في نهاية التسعينات قاصا من طراز رفيع وظف كل امكانياته الادبية في (كتاب محمد) ليكون كتاب سردي يحكي فيه عن عاطفته حيال شقيق راحل(محمد) وأم أنهكها التعب (ماما زمزم) واخت لطيفة(فيروز)وأب كبر في السن فضاع بصره وخفت سمعه(جبران) وأخوة تبدو علاقته بهم فاترة نوعا ما.

 

اذن اكتملت الحكاية و بقيت التفاصيل الدقيقة التي تصف لنا علاقة الكاتب بأسرته وكيف اثر رحيل الشقيق الذي أنهكه المرض حتى انه تمنى الموت في كل لحظة : "من جهتي وعلى الرغم من الألم الرهيب الذي كان يكبس على نفسي ولا يجعلني قادرا على التقاط نسمة هواء من النافذة، إلا أن ذلك كان يبدو تافها أمام الألم الذي كان يعصف بمحمد. لقد منحتني تلك الأيام مساحة كي أرى لألمه عن قرب، لأن أنظر لشكل الرجل الذي وقع في المرض التام ونجح في أن يعصف به ويجعله متمنياً للحظة الخلاص الأبدية من كل قلبه."
 

هي حكايات وذكريات واعترافات جعلت من كتاب محمد ليس كتاب (مذكرات) فحسب وإنما سرد قصصي شيق مستوحى من الواقع وهذا ما يفضله الكثير من القرّاء ويشدهم عندما يعلمون بأن ما يقرأونه من قصص او روايات مستوحاة من الواقع.
كتاب ذات طابع انساني بامتياز ينقلنا فيه الكاتب ببراعة ورشاقة إلى مراحل متعددة من الحزن إلى الابتسامة ومن ذكرى الشقيق الراحل إلى الامتنان للأم المتعبة ويبوح لنا بأسرار الكاتب البسيطة كسرقة الدراجة مثلا ومحاولة النيل من الكاتب بحادث مفتعل عقب كتابات سياسية اثناء ايام الربيع اليمني حسب وصف الكاتب.

 

اخيرا لا بد من الاعتراف بأن الكتاب كشف لنا عن كاتب يمني من طراز رفيع ابتعد عن كتابة القصة القصيرة وانشغل بالتدريس والصحافة ليعود لنا بقوة في مؤلفه (كتاب محمد) الصادر عن قطاع الثقافة بدار اخبار اليوم في مصر ٢٠١٦ .
 

*الفقرات بين علامتي التنصيص مما جاء في الكتاب

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً