الاربعاء 27 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قيمة الخبز - عبدالله الإرياني
الساعة 20:31 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


أذرع رصيف شارع سارحا لفترة قصيرة، يفسدها شيء ما؛ كأن يكون رصيفا، أو شارعا بدون رصيف، أو كراس وضعها عليه صاحب بوفية أو مطعم، أو بائع قات أفترشه معرضا للبيع وحوله زبائنه، أو سيارة جعله صاحبها مكانا للانتظار، أو من أزال جزءا منه ليكون مدخلا لورشة لخدمة السيارات، أو كل ما يخطر على بال محتاج للاستفادة من رصيف لم يكن له صاحب...! لا يوجد في عاصمتي رصيف شارع يدعني سارحا مستمتعا حتى نهايته.
* * *
 

وأنا أحاول أن أجد مخرجا من زبائن محلقين حول بائع قات على رصيف شارع؛ لفت سمعي واحد يقول:
- اتق الله نكبتني بقات أمس.
واقفا أبحث عن منكوب استثنائي بين منكوبي قات بلادي؛ لم أبحث طويلا؛ ثوان كان ظهره للبائع ووجهه لي؛ مكررا ومعيدا (اتق الله.. نكبتني بقات أمس.)
لم أتردد لحظة، مدفوعا بفضول حبيب، وضرب الحبيب مثل أكل الزبيب...! أقول:
- أكيد باع لك أمس قات شوم.
أقترب مني خطوتين؛ مستبشرا كأنه وجد ضالته، ثم قال:
- أيش شوم.. عله، وقد لي أكثر من سنتين أشتري منه قات، ومن بعد ما سمحوا لهم أين ما لقيوا فرشوا...!
ذرعته بلمحة سريعة: شاب عشريني؛ كاسية وجهه مسحة سهر طويل ممهورة بحزن دفين، لن يكون إلا من مئات من آلاف شباب عاطل وجدوه وسيلة لقتل فراغ طويل.. قلت:
- فكل مخزني بلادنا منكوبين.
- منكوبين...! ويزيد ينكبني بقات عله.
- وأنت أتركه وأنكب المقوت.
رد بنبرة لطيفة:
- وكيف أتركه وقدنا مزوج يا عمي.
لم يجانبه صواب، كنت شابا مثله، وعمي هذه...! قلت:
- وما بتعمل.
- تخرجت قبل ثلاثة أعوام وانت عارف ان ما بش أعمال.
- وكم لك مزوج...؟
- سنه وشهرين.
- عاطل ويزوجوك.
- شباب يا عمي، وأمي كانت تشتي واحده تساعدها بعمل البيت.
أطرقت للحظات طويلة: شباب عاطل يتزوجون، بالآلاف كل عام يتزوجون؛ بالكاد يجمع أباءهم تكاليف زواج مستقبله مجهول؛ لا يكون المراد تكوين أسرة، بل لإشباع غريزة ستنجب أطفلا ثم ماذا...! رفعت رأسي، فوجئت بأنه ما زال واقفا أمامي. أدرت له ظهري، ثم قلت:
- موفق يا أبني
خطوت خطوتين، كان بعدها سدا مانعا لحركتي؛ قلت في نفسي (استاهل أنا الذي جبته لنفسي.).. قال:
- موفق إذا ساعدتني.
- كيف...؟
انفرجت اسارير وجهه، لعل كيف كانت أملا.. ثم قال:
- أبي مقرر لي (500) ريــال في اليوم قيمة قات، والحمد لله ذي أمشي حالي مع صاحبي هذا؛ إلا انه قد نكبني أمس وأشتي أسير اليوم عند واحد ثاني.
أخذ نفسا عميقا، ثم أردف:
- بنفسي بنفسي، أطيح بنكبة أمس.
وصلت رسالة شاب دعوته لحوار وأراد أن يقبض ثمنه؛ رددت متغاضيا:
- دعني أذهب لحالي.
- تذهب لحالك بعدما عشمتني...!
آه منك أيها الانتهازي، هكذا قلت في نفسي وانا أرمقه بعين حزينة؛ محتارا في امره؛ إلا أنه بادر بالقول:
- ساعدني بألف ريــــال أشتي أبيض وجهي الليلة عند المره.
وأردف بائسا:
- الله يحفظك.
أضعف قوله مقاومتي؛ عدت إلى صوت عزيز كان يرجوني مثله، ثم أن لفضول ثمنه؛ قلت:
- وغدا من سيساعدك.
- المهم اليوم، وغدا سأعود إلى صاحبي ولن أدعه ينكبني ثانية.
وبدون وعي مني، أو حساب للعواقب؛ كنت مناولا له ما طلبه. خطفه وفر هاربا؛ لحظة ان رن هاتفي المحمول، كانت أم الأولاد تأمرني أن أشتري خبزا، و(ملوجا) من تنور أم (هاني)؛ رددت عليها بنبرة مقهور:
- الألف ضاع.. تصرفي.
قافلا لمحمول لا يحمل إلا طلبات حضرتها، أو أخبارا أغلبها لا يسر؛ لا أذكر خبرا سارا كان حمله المحمول؛ عاد للرنة حتى مل فسكت؛ مستعدا لعاصفة كلامية ستعلنها عند عودتي دام عزها.

 

سبتمبر 2016

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص