الخميس 28 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
انتحار الزمن - فيصل البريهي
الساعة 15:13 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)


في الذكرى الخامسة لرحيل . شاعر اليمن الكبير الأستاذ/ . 
عبدالله البردوني

 

هُنا الصبحُ لم يُسفر هُنا الليل ما سجى 
كأنَّ الدُّجى أضحى الضحى والضحى الدجى

 

هُنا كلُّ شيءٍ جاء في غير شكلِهِ 
وغيرِ اسمهِ..،يرتادُ شكلاً مُتَكلجا

 

تعصرنَتِ الأشياءُ أصلاً وصورةً 
فظلَّت مع التحديث فيلماً مُدبلَجا

 

وقفنا على ذكراك نستجمعُ الخُطى 
ونُصغي إلى الآتي نشيجاً مُحشرَجا

 

فنأسى على الماضي ونأسى من الذي 
سيأتي إلى أن أصبحَ اليأسُ كالرجا

 

لذكراك ما لم يَعبُرِ الشعرُ مسلكاً 
إلى راحةِ الإسفَلتِ وعراً و(بتنجا)

 

فنَم هادئاً لا شيء في باطنِ الثرى 
تراهُ كما في ظهرهِ كان مُزعجا

 

لقد كنتَ للآلامِ مأوىً وموطناً 
كما كنتَ للآمالِ ركباً وهودجا

 

وها أنتَ في غيبوبةِ الدهر لم تزل 
على صهوةِ الأقدار حُلماً مُعرِّجا

 

تخوضُ المنايا زارعاً في عيونها 
شِراكا..،ً وأشواكاً قتاداً وعوسجا

 

وما زلتَ قلباً في حشا الدهر خافقاً 
ورُوحاً بأسرارِ الحياةِ مُدجَّجا

 

تُطلُّ على الآفاقِ في كلِّ لحظةٍ 
إذا غُمَّتِ الدنيا ضحىً مُتَوهِّجا

 

أبي: أين أنتَ الآنَ؟...فاقرأ رسالتي 
وقُل إنني فيها اتّخذتُك منهجا

 

ألم تدرِ أني لم أزل عازفاً على 
(زمانٍ بلا نوعيّةٍ) أحرُفَ الهجا؟

 

أُترجمُ (أعراسَ الغبارِ) نيابةً 
عن(الرملِ) لكن دون أن يتزوجا

 

وهذا غدُ الأمسِ الذي نبَّأت بهِ 
عشاياكَ...يأتي قاتمَ الوجهِ أعرجا

 

بماذا تُرى يا كاهنَ الحرفِ تنتهي 
أمانيكَ؟..مهلاً قد ترى الأمر مُحرِجا

 

تَوقَّعتَهُ مُستقبَلاً مُشرقاً بهِ 
تفاءَلتَ حتى كاد أن يتبلّجا

 

كثيراً كثيراً ما تفاءَلتَ مُسرِفاً 
بِلا حاجةٍ بل كنتَ العكسِ أحوجا

 

وما (كائناتُ الشوق؟ِ) والشوقُ كائنٌ 
فكم شبَّ ناراً في الضلوعِ وأجّجا

 

أرى الحاضرَ المصلوبَ عند انتحارهِ 
يُوارى ضريحاً بالدماءِ مُضرَّجا

 

وتلك السفوحُ الخُضرُ لمّا تصحَّرَت 
أُحيلت مطاراً فيهِ عشرونَ مَدرَجا

 

بهِ ألفُ شيطانٍ من الإنسِ يمتطي 
حصاناً بأصوافِ الأباليسِ مُسرَجا

 

ومن خلفَ هذا السور سبعونَ مسجداً 
وسبعونَ حماماً حديثاً مفَرنَجا

 

إذا الصلواتُ الخمسُ قامت تناقلت 
مآذنُها سبعين صوتاً مُهرِّجا

 

وكلٌّ على دِينِ الزناديقِ تدَّعي 
إمامتُهُ (الآدابَ والعلم والحجى)

 

يُريكَ الصراطَ المستقيمَ حديثُهُ 
وتلقاهُ في كلِّ المقاييسِ أعوجا
 
** ** **
 

 

على الرايةِ الحمراءِ ألقيتُ نظرةً 
فَهُيَّءَ لي (جحرُ البهيمة مَفرجاِ)

 

وقابلتُ في سوقِ الدعاراتُ كلَّ من 
تَبنَّى مزاداً دلَّ فيهِ وحرَّجا

 

وما كنتُ في تلك الحوانيتِ بائعاً 
ولا شارياً أو عارضاً أو مُروِّجا

 

ولا تاجراً مُستورِداً أو مُصدِّراً 
ومُستهلِكاً فيها ولا كنتُ منتِجا

 

لأنّي نسيج الوحي خاماً وسلعةً 
فلا مغزلاً وافيتُ أو جئتُ محلجا

 

أجوبُ خفايا الغيبِ دون تَصنُّعٍ
فيأتي بها الإلهامُ جمراً مُثلَّجا

 

ويسري براقُ الشعر في ملكوتهِ
بروحي...بأضواءِ النجوم مُتوَّجا

** ** **
 

 

أبي..هاهُنا الروحُ المقدَّسُ كلما 
تراخت عليه الأُمنياتُ تهَيَّجا

 

أُغني وقلبي من غنائي يئنُّ في 
ضلوعي وإن أنَّيتُ من أنَّتي شجى

 

دخلتُ الهوى من ألفِ بابٍ وفجأةً 
تحاصرتُ حتى لم أجد منه مَخرجا

 

لأنَّ الزمانَ الحُرَ ولَّى وليس في
حسابي بأن أحيا الزمانَ المُبرمَجا

 

هنا لم يعدُ وجهُ الطبيعة وجهَها 
فقد خامرت عشرين وجهاً مُمكيَجا

 

تعدَّدتِ الألوانُ في كلِّ صورةٍ 
كما يرتدي اللوحُ الطلاءَ المُرنَّجا

 ** ** **
 

 

فطِب يا أبي نفساً ونَم هادئاً فلن 
ترى هاهُنا إلا (بكيلاً ومذحجا)

 

على العهدِ ما زلنا ونخشى عليك لو 
ترانا بهذا الحال أن تتشنَّجا

 

الإثنين 2004/8/30م صنعاء 
 

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص